تشهد الجبهة الشمالية لإسرائيل توتّرا بالغا، وكل المؤشرات تدفع نحو مواجهة جديدة يتداخل فيها الردع بالردع. فإسرائيل ترفع مستوى الاستعداد العسكري، فيما يتصاعد تصميم حزب الله على خوض معركة دفاع كبرى تحت عنوان “الوفاء لدماء القائد”، وبحسب تصريحات بعض كوادر الحزب بأن شعار المرحلة المقبلة هو: “الانتقام لدماء السيد حسن نصر الله”. مما يعكس روح تعبئة ترى المواجهة المقبلة صراع وجود وكرامة .
الجيش الإسرائيلي نفّذ مناورات مكثفة في الجليل تحاكي اجتياحا بريا محدودا جنوب لبنان، وإجلاء سكان الشمال، واستخدام المسيّرات والأسلحة الذكية. وتهدف تل أبيب من هذه المناورات إلى استنزاف مُنضبط يمنع حزب الله من تعزيز قدراته قرب الحدود دون الانجرار سريعًا إلى حرب شاملة.
في المقابل، تشير تقديرات ميدانية إلى أن حزب الله استعاد جزءاَ كبيرا َ من توازنه العسكري بوقت قياسي، عبر إعادة قراءة الثغرات التي ظهرت في المواجهات الأخيرة، وترميم شبكاته القتالية، وتطوير قدرات تصنيع السلاح، إضافةً إلى ما يُقال عن استفادته من بعض ترسانة الجيش السوري بعد تغيّرات المشهد في سوريا
ما عوّض نسبيًا خسارته للجزء الأكبر من ترسانته الصاروخية خلال حرب الإسناد .
سياسيا، يبدو بنيامين نتنياهو مندفعا نحو فرض معادلة جديدة تجعل من المواجهة المقبلة إنجازا استثنائيا يعادل برأيه ما حققته إسرائيل عام 1967. محللون إسرائيليون يصفونه بـالنرجسي سياسيا وعسكريا يسعى لضربة كبرى تُربك حسابات دول المنطقة من تركيا إلى إيران والعراق وسوريا واليمن، ويتباهى بأنه حقق نصرا على حماس وحزب الله وإيران وأسهم في إسقاط النظام السوري، ولا يمانع بدفع المعركة بإتجاه العراق وهو الساحة الأكثر احتمالاَ أو حتى إلى حدود دمشق.
لكن الميدان لا يخضع دائمًا لرغبة السياسيين . فحزب الله، رغم إدراكه أن الوقت ليس مناسبًا للحرب، يؤكد أنه إذا فُرضت الحرب سيدخلها من دون خطوط حمراء لتثبيت لبنان كطرف فاعل لا كساحة حرب.
المعادلة شديدة الحساسية في ظروف استثنائية تمربها المنطقة .
إسرائيل تراهن على تفوقها الجوي والتقني، والذكاء الصناعي بمعلوماته وقنابله .
وحزب الله على يراهن على الردع بالوجود ومعركة لا بد منها إذا فُرضت وخوضها بلا ضوابط وبلا خطوط حمراء .
مراكز أبحاث غربية تحذّر من أن “الحرب المضبوطة” قد تنزلق بسرعة إلى مواجهة شاملة، فيما الأميركيون يفضّلون الضغط السياسي والاقتصادي لتجنب انفجار جبهة الشمال وابقاء الهدوء في لبنان مع متابعة تنفيذ ضربات موضعية اسرائيلية ضد المواقع الحساسة والشخصيات القيادية العسكرية المؤثرة في الحزب .
حتى اللحظة، لا يبدو العدّ التنازلي للحرب قد بدأ؛ لكن التطورات المتسارعة على الأرض قد تجعل اندلاعها مسألة وقت. معركة ترسم حدود القوة، وتحدد من يمسك بزمام الإقليم في المرحلة المقبلة — بصرف النظر عمّن سيُعلن نفسه منتصرا.