مقال اليوم: 2025 سنةٌ ثمينة أحداثٌ غيَّرت الأحوال، والأعظمُ آتٍ آتٍ
مقالات
مقال اليوم: 2025 سنةٌ ثمينة أحداثٌ غيَّرت الأحوال، والأعظمُ آتٍ آتٍ
ميخائيل عوض
3 تشرين الثاني 2025 , 14:57 م

03.11.25

كتب الدكتور ميخائيل عوض

1

لا شكَّ أنّ سنةَ ٢٠٢٥ استثنائية، وكأنّ دوراتِ الزمنِ ونواظمَ الطبيعةِ والحياةِ البشريةِ تعملُ بإيقاعاتٍ منضبطةٍ، وبدورةٍ زمنيةٍ تجعلُ من بعضِ السنواتِ مختلفةً لِجهةِ ما يقعُ فيها من تطوّراتٍ وأحداثٍ؛ فالسنواتُ العقديّةُ العشريةُ طالما شهدت أحداثًا نوعيةً غيّرت في المسارات.

سنةُ 2020 بدأت باغتيالِ قاسم سليماني، ثم كَرَّت السبحةُ حتى 2023 التي حدثت فيها واقعةٌ عجائبيةٌ، فنجحت غزّةُ بإسقاطِ كلِّ عناصرِ قوةِ "إسرائيل" وتفوّقِها المزعوم، فأطلقت حربًا وجوديةً جالت جبهاتُها في الإقليم، وما زالت، وتستعدُّ لجبهاتٍ أُخرى وجولاتٍ أكثرَ عصفًا وأوضحَ نتائجَ.

2

بِنواتجِ ما أطلقته عمليةُ الطوفانِ العجائبية، وتفاعلاتِها مع ما بلغته البشريةُ وحضارتُها ومنتجاتُها في الثوراتِ التقانية، وقعت تطوّراتٌ وأحداثٌ نوعيةٌ تشقُّ مسارًا لسلسلةِ انعطافاتٍ عالميةٍ تشملُ كلَّ أوجهِ الحياةِ البشرية وتُعيدُ صياغةَ مستقبلِها.

استولى ترامب وفريقُه على أميركا ومؤسساتِها، وبدأ جهدًا لتغييرِها وتغييرِ نظامِها وبنيتِها ودورِها.

ترامب الآتي من خارجِ نَسَقِ وتقاليدِ أميركا، عبث ويعبثُ بقواعدِ انتظامِ العالمِ والعلاقاتِ بين الدولِ والقارات، ساعيًا إلى تغييرِ الاتجاهاتِ في أميركا وفي العالم وتوازناتِه، كتعبيرٍ عن الحاجاتِ والاستحقاقاتِ الماسّة التي لم تعد تقبلُ تأجيلاً.

3

سنةُ 2025 شهدت أحداثًا مُغيّرةً في التوازناتِ العالمية، تُشي بتسارعِ التطوّرات لتختمَ أيامَها الباقياتِ بأحداثٍ انقلابيّةٍ غيرِ متوقَّعةٍ ولا معروفةِ النتائج.

قمّةُ شنغهاي واستعراضُ ثلاثيِّ القوةِ النوويةِ الصينية، بالتفاعلِ مع إشهارِ تحالفٍ ثلاثيٍّ استراتيجيٍّ أركانُه الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

قمّةُ شنغهاي حدثٌ تاريخيٌّ نوعيٌّ أفادَ بانتقالِ عناصرِ القوةِ والنفوذِ من الغربِ إلى الشرق، وحَسَمَ الأمرَ لِمَن سيكونُ المستقبلُ، وأيُّ عالمٍ وأيُّ نظامٍ عالميٍّ ينشأُ وقد بلغتِ التحوّلاتُ والتراكماتُ زمنَ التغيّرِ المتسارع.

سقوطُ سرديّةِ إسرائيل وتظهيرُ حجمٍ ونوعِ التوحّشِ الذي تميّزَ به العالمُ والنظامُ الأنجلوسكسوني، وإطلاقُ العنانِ لذاتِ الطبائعِ والقوى الباقيةِ منه، التي تُقدِّم أبشعَ ما فيه، كما في الفاشر في السودان، وقد ترافق وسبقه الإرهابُ المتوحّشُ المتغطّي بصفةِ الإسلام، وكأنّ التاريخَ يُعيدُ نفسَه كظاهراتِ التوحّشِ التي شهدتْها البشريةُ مع غزواتِ المغولِ والتتار وأمثالِهم.

أنهضتْ غزّةُ وأطلقتْ ظاهرةً عالميةً نوعيّةً متساوقةً مع نواتجِ الثوراتِ التقنية، فانتظمتْ عالميةٌ ثوريّةٌ شبابيةٌ مناضلة، تعزّزتْ في أميركا نفسِها مع ثورةِ الشبابِ والطلابِ وجامعاتِ النخبة، وبدأت تجتاحُ الدولَ والقاراتِ وتغيّرُ فيها، لتكونَ قائدةً وقوةً حاملةً للعالمِ الجديدِ المستعصيةِ ولادتُه والداميةِ مخاضاتُه، ويتقدّمُها جيلُ "زد" الذي أصبحَ قوةً محرّكةً نوعيةً في أحداثِ التغيّراتِ في الدولِ والعالمِ وفي قواعدِ وقوانينِ انتظامِ الحياةِ البشريةِ وهويّاتها وتكتلاتِها.

4

التوحّشُ والطّيشُ الإسرائيليُّ خلقَ بيئاتٍ لإعادةِ تشكيلِ التكتّلاتِ والقوى على المسرحِ العربيِّ والإقليميّ، وكان لتوقيعِ معاهدةِ الدفاعِ المشتركِ السعوديةِ – الباكستانيةِ أثرٌ نوعيٌّ مُغيّرٌ في ما كان، والسمةُ النوعيّةُ احتضانُ إيران ومدُّ اليدِ لمصرَ وربّما الجزائر، فتشكيلُ تكتّلٍ بهذا الوزنِ يُغيّرُ كثيرًا في إيقاعِ التطوّراتِ ومستقبلِ الإقليمِ والعالم.

نَضجَتِ الظروفُ الموضوعيةُ والحاجاتُ واستحقاقاتُها الحُكميّةُ والمصالحُ لنشوءِ تكتّلٍ كهذا، يُعيدُ ضبطَ التوازناتِ ويشكّلُ قوّةً متساوقةً مع نهوضِ أوراسيا وقمّةِ شنغهاي، ويؤسّسُ لتحجيمٍ نوعيٍّ يتسارعُ لأوهامِ تمكينِ أردوغان – قطر – الإخوان المسلمين، المدعومِ بقوةٍ من الترمبيّة، كما يُقلِّصُ كثيرًا الرهانَ على إسرائيل وقدراتِها ومكانتِها وما كانت عليه، بل يدفعُها إلى زاويةِ الانحدارِ المتسارع.

5

أوروبا، اتحادًا ودُولًا وأطلسيًا، في قلبِ الأزمةِ، وقد تتسارعُ بمعدّلاتٍ انفجاريةٍ، وقد تكونُ الجبهةَ والمسرحَ الأكثرَ أهميّةً وتأثيرًا في تسريعِ انهيارِ النظامِ والعالمِ القديم؛ ففرنسا دخلت أزمةً عنيفةً لا يمكنُ الإحاطةُ بها بلا تغيّرٍ نوعيٍّ، ومعها إسبانيا وإيطاليا المأزومتان أصلًا، وبريطانيا المتوتّرةُ والمأزومةُ، وقد فقدَ الاتحادُ الأوروبيُّ مكانتَه والقوّةَ الحاملةَ ألمانيا، التي تضربُها الأزمةُ وتُعجِزُها عن الإنقاذِ والقيادة.

انفجارُ أوروبا سيكونُ الجائزةَ والمفتاحَ للتحوّلاتِ المتعاظمةِ واستعجالِ ولادةِ العالمِ الجديد.

6

الأهمُّ على الإطلاقِ: أميركا نفسُها وأزمتُها المستعصيةُ عن الحلولِ والاحتواء.

فقد فقدتْ كلَّ عناصرِ قوتِها وتفقدُ سريعًا مكانتَها.

لا القوّةُ العسكريةُ باتت قادرةً على تأمينِها وحمايتِها، وقد كسرَها اختباراتُ بوتين للسلاحِ الفَرْطِ استثنائيٍّ المدفوعِ بمحركاتٍ نوويةٍ، وإدارتُه مع الصين وكوريا للحربِ الأوكرانيةِ بتكتيكاتٍ نوعيّةٍ استنفدتْ قدراتِ الغربِ وأرهقتِ الجميعَ تحتَ التهديدِ بالحربِ النوويةِ وبحربٍ تقليديةٍ مديدةٍ، وحُسِمَ التفوّقُ بالاختباراتِ للأسلحة.

ثنائيةُ حاملةِ الطائراتِ، أي السلاحِ والدولار، انتهتْ مفاعيلُها، وانتهتْ كذبةُ النموذجِ وأرضِ الميعادِ والذهبِ والفرصِ والمستقبل، ولم تعدِ المحيطاتُ والجغرافيا قوّةَ تأمينٍ وحمايةٍ وتفوّقٍ، كما خسرتِ الحربَ التجاريةَ والماليةَ والتقنيةَ.

في أميركا تجري بسرعةٍ تبلورُ وإنتاجُ ظواهرَ اجتماعيةٍ سياسيةٍ غيرِ مسبوقةٍ وعلى اختلافٍ مع طبائعِها وقيمِها ومنتجاتِها التاريخية؛ فقد بدأت بظهورِ وصعودِ الترمبيّة، ثم في حراكٍ مجتمعيٍّ متصاعدٍ كانت حركةُ «احتلّوا وول ستريت»، ثم انتفاضةُ وثورةُ جيلِ «زد»، إلى «ماغا» وانشقاقِ إيلون ماسك إلى حركةِ «لا ملوك» المتعاظمةِ ككرةِ الثلج.

حركةُ «لا ملوك» ظاهرةٌ نوعيّةٌ ستفرضُ نفسَها وتُسهِمُ بتسريعِ انهيارِ النظامِ ومرتكزاتِه وقواعدِه، لأنّها أصيلةٌ واسعةُ الطيف، تتويجٌ لسلسلةٍ كبيرةٍ وطويلةٍ من التحركات، وتستندُ إلى قاعدةٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ، وتجري في بيئةٍ ناضجةٍ بأعلى درجاتِ النضجِ التاريخيّ لما يُسمّى «الظرف الثوري» أو «ظروف الفوضى» كحقبةٍ ضروريةٍ لانهيارِ القديمِ وولادةِ الجديد، وسيزيدُ في تعاظمِها مؤشراتٌ ووقائعُ تأزّمِ النموذجِ الاقتصاديِّ واحتمالاتِ انفجارِه العاصف.

فقد اختبرتِ الطبقةُ الحاكمةُ ولوبياتُها التقليديةُ ودولتُها العميقةُ وحكومةُ الشركاتِ الخفيةُ كلَّ المحاولات، واستنفدتِ الفرصَ، وأجرتْ كلَّ الاختبارات، وباتت في حالةِ تفكّكٍ وصراعٍ فيما بين لوبياتِها، وهي الوصفةُ النوعيةُ لنضجِ الظرفِ الثوريّ.

7

2025 قد لا تنتهي أيامُها الباقيةُ المعدوداتُ بدونِ حدثٍ زلزاليٍّ يجعلُ منها سنةً عقديةً، بل بدايةَ تاريخٍ للعصرِ الإنسانيِّ الحضاريِّ الثالث.

العَتَلةُ والأحداثُ الكبرى تنتقلُ من الأطرافِ إلى المركز، فلتكنِ العينُ والمتابعاتُ على أميركا وتطوّراتِها، والاتحادِ الأوروبيِّ وأزماتِه المستعصيةِ عن الحلولِ التقليدية.

للاشتراك بقناة Z لبكرة شو على منصة Facebook على الرابط

https://www.facebook.com/share/1ScqF5A8Tv/