حقق فريق من الباحثين في جامعتي مونا ش وملبورن الأستراليتين اكتشافا مهما يفسّر القدرة التدميرية الهائلة للفيروسات القاتلة مثل فيروس داء الكلب (Rabies) وإيبولا ونيباه (Nipah).
تُظهر الدراسة كيف تتمكن هذه الفيروسات من السيطرة على الخلايا البشرية رغم امتلاكها الحد الأدنى من الموارد الوراثية.
فمثلا، يحتوي فيروس داء الكلب على خمسة بروتينات فقط، ومع ذلك يستطيع أن يهيمن على خلية بشرية تحتوي على أكثر من 20 ألف بروتين — وهو إنجاز بيولوجي مدهش حيّر العلماء لعقود.
البروتين P3 "المفتاح الشامل" لسيطرة الفيروسات
كشفت الدراسة أن البروتين الفيروسي P (أو P3) يمتلك قدرة استثنائية على تغيير شكله والارتباط بجزيئات RNA داخل الخلية، وهي الجزيئات المسؤولة عن نقل التعليمات الجينية وتنظيم الأنشطة الحيوية.
هذه القدرة الفريدة تجعل من البروتين أداة متعددة الوظائف، أشبه بـ"مفتاح رئيسي" يستطيع فتح كل أقسام الخلية، والدخول إلى المناطق السائلة الدقيقة داخل النواة حيث تجري التفاعلات الكيميائية الحيوية المعقدة.
وبذلك، يقوم البروتين بتحويل الخلية إلى مصنع لإنتاج المزيد من الفيروسات، عبر تعطيل أنظمة الحماية الطبيعية وتوجيه موارد الخلية لصالح الفيروس.
الفيروسات تتفوق في البساطة والمرونة
شبّه الباحثون هذه الآلية بـ"قطار جزيئي" تتفاعل عرباته بمرونة لتشكّل أشكالًا جديدة تؤدي مهام متعددة.
لكنهم أوضحوا أن النموذج الجديد أكثر تعقيدا مما كان يُعتقد سابقا، فالعناصر الفيروسية تعمل بتكامل ديناميكي يسمح لها بالتحول الوظيفي عند الحاجة، وهو ما يفسر فعالية الفيروسات في إصابة الخلايا بسرعة مذهلة.
آفاق جديدة في تطوير العلاجات المضادة للفيروسات
نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Communications، وأكد الباحثون أنها تغيّر جذريا فهمنا لبيولوجيا الفيروسات.
إذ يُعتقد أن آلية البروتين المتحول P موجودة أيضًا في فيروسات قاتلة أخرى، ما يفتح الباب لتصميم علاجات تستهدف هذه الخاصية مباشرة، وتمنع الفيروسات من التكيّف والسيطرة على الخلايا.
الدكتور ستيفن رولينسون، أحد المشاركين في البحث، صرّح بأن هذا الاكتشاف "يُعيد رسم خريطة الصراع بين الإنسان والفيروسات" ويمنح الأمل في ابتكار أدوية قادرة على تعطيل آلية السيطرة الخلوية للفيروسات قبل فوات الأوان.
إعادة تعريف مفهوم القوة الفيروسية
يُظهر هذا البحث أن قوة الفيروس لا تكمن في عدد جيناته أو بروتيناته، بل في ذكاء تصميمها الجزيئي.
إنها ببساطة قاتلة: استخدام أقل عدد ممكن من العناصر لإحداث أقصى قدر من التأثير داخل الخلية البشرية.