لطالما شكّل زيت الزيتون جزءاً أساسياً من حياة الإنسان، فلم يكن مجرد عنصر غذائي كما نراه اليوم، بل كان أداة للشفاء والسلطة والقداسة، يجمع بين الاستخدامات اليومية والطقوس الروحية. وقد امتد تأثيره من الحضارات القديمة إلى المسيحية وصولاً إلى عصرنا الحديث، ليصنع خطاً زمنياً نادراً يجمع بين الماضي والحاضر.
جذور تمتد إلى الألفية الثانية قبل الميلاد
تعود أولى الإشارات إلى زيت الزيتون في الطقوس القديمة إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، ففي مملكة الحيثيين، كان يُدهن به المولود الجديد وأمه لحمايتهم من الأخطار.
وفي معابد سوريا القديمة، كانت الكاهنات يدخلن الخدمة بعد مسحة من «الزيت المخصص للهيكل».
كما كشفت ألواح ميكينية من بيلوس عن وصفات زيوت عطرية تُحضّر لتقديمها قرباناً للآلهة.
أما في النصوص التوراتية، فكان الزيت رمزاً للتقديس، حيث يُمسح به الملوك والكهنة وتُطهّر به الأدوات الطقسية.
زيت الزيتون في الطب والحمّامات عند الإغريق والرومان
في العالم الإغريقي والروماني، أصبح الزيت جزءاً من العناية اليومية. كان يُستخدم في الحمّامات بديلاً عن الصابون، ويُزال الزائد منه بواسطة أداة معدنية تُعرف بـ«الستريغيل».
وذكر بليني الأكبر أن الزيت عنصر أساسي لصحة الجسد، ونصح باستخدامه علاجاً خارجياً شاملاً.
كما أوصى الأطباء سيلس وسورانوس بتدليك الجسم بالزيت الدافئ أثناء الحمى، واستعملوه كذلك في رعاية المواليد، وهو ما يعكس تشابهاً مدهشاً مع ممارسات الشرق الأدنى القديم.
تجدد المعنى مع انتشار المسيحية
مع ظهور المسيحية، اكتسب الزيت دلالات جديدة. فكلمة «المسيح» نفسها تعني «الممسوح»، وأصبح الزيت المقدّس المعروف بـ«الميرون»جزءاً محورياً من الطقوس المسيحية.
فقد استُخدم في:
مسح المؤمنين الجدد
تقديس الأدوات الليتورجية
طقوس المعمودية
ممارسات الشفاء الروحي والجسدي
وكانت قناديل الزيت في الكنائس تمنح الضوء والعطر، مما يعمّق رمزية الطقوس. كما انتشر الاعتقاد بالشفاء عبر الزيت المأخوذ من مصابيح الأضرحة، وحمله الحجاج معهم في أوانٍ صغيرة كتذكار روحي مقدّس.
الكنيسة كمُنتِج للزيت في العصور المتأخرة
سرعان ما أصبحت الكنيسة ذاتها منتجاً لزيت الزيتون. فالسجلات من القرن السادس تشير إلى تبرعات من بساتين الزيتون للأديرة، بينما تكشف الحفريات عن معاصر زيت بُنيت داخل المجمعات الكنسية.
وعلى جِرار أُخرِجت من سفينة غارقة قرب مايوركا تعود للقرن الرابع، ظهرت رموز مسيحية وعبارة «زيت حلو»، ما يرجّح أنه زيت معدّ للطقوس والشفاء مصدره الأديرة الإسبانية.
استمرارية الرموز حتى العصر الحديث
ورغم تغيّر التقاليد عبر الزمن، لم تختف رمزية الزيت. ففي تتويج الملك تشارلز الثالث عام 2023، تم جمع الزيت من جبل الزيتون، وتحضيره في الأديرة، وتقديسه في القدس، في استمرار واضح لسلسلة رمزية عمرها قرون.
تطبيقات حديثة: فوائد صحية مؤكدة
وكانت «Наука Mail» قد ذكرت سابقاً أن علماء من البرازيل اكتشفوا أن إضافة زيت الزيتون البكر الممتاز إلى غذاء فئران تعاني السمنة ساعد في منع الالتهاب في منطقة الوطاء بالدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن تنظيم الجوع والتمثيل الغذائي.