كشفت دراسة دولية حديثة عن آلية التدهور الكيميائي لأحد أشهر أصباغ القرن التاسع عشر والعشرين: اللون الأخضر الزمردي. هذا الصباغ اللامع الذي أحبّه فنانون كبار مثل فان غوخ وكلود مونيه وإدوارد مونك كان يخفي وراءه مشكلة خطيرة أدت إلى تغيّر ألوان عدد من اللوحات الشهيرة، إضافة إلى سميّته العالية وذلك بحسب مانشر في موقع ساينس ميل.
اكتشافات جديدة حول صباغ «الأخضر الزمردي»
الأخضر الزمردي هو صباغ اصطناعي يعتمد على أرسينيت النحاس، ظهر خلال التقدم الكيميائي في زمن الثورة الصناعية الثانية. ورغم جاذبيته اللونية، لاحظ الفنانون مبكراً أنه مع مرور الزمن يبدأ في:
فقدان لمعانه
التشقّق
التحول إلى درجات داكنة أو باهتة
إصدار مركبات سامة للغاية
ومع تطور أساليب التحليل الحديثة، بات من الممكن رؤية ما يحدث داخل طبقات الطلاء بدقة غير مسبوقة.
تحقيق علمي على لوحة «الإنترِيغ» الشهيرة
قام فريق الباحثين بدراسة لوحة «الإنترِيغ» (1890) للفنان البلجيكي جيمس إنسور، المحفوظة في متحف الفنون الجميلة الملكي في أنتويرب. اعتمد العلماء على:
تحليل غير تدميري مباشرة على اللوحة
دراسة عينات ميكروسكوبية دقيقة
فحص أصباغ مصنّعة في المختبر
مقارنة النتائج مع أنبوب طلاء تاريخي كان يستخدمه الفنان إدوارد مونك نفسه
هذا النهج متعدد المستويات سمح بفهم شامل لطرق تدهور الصباغ.
كيف تدمر الرطوبة اللوحات؟
أظهرت الدراسة أن الرطوبة تؤدي إلى تكوين مركّب يسمى الأرسينوليت، وهو مادة تجعل الطبقة اللونية:
هشّة
قابلة للتشقق
عرضة للانفصال عن القماش
ومع مرور الوقت، يبدأ الطلاء في الانهيار من الداخل.
الضوء هو العدو الأكبر للون الأخضر
بينما تلعب الرطوبة دوراً خطيراً، إلا أن الضوء تبيّن أنه العامل الأشد خطراً. فقد اكتشف العلماء أن الأشعة الضوئية تؤكسد مركبات الزرنيخ في الصباغ، مما يؤدي إلى تكوين طبقة سطحية باهتة ذات لون أبيض شاحب تُفقد اللوحة بريقها الأصلي.
وهذا هو الانحلال الذي لوحظ في لوحات فان غوخ ومونك ومجموعة واسعة من الأعمال الكلاسيكية.
حلول جديدة لحماية الأعمال الفنية
يقترح الباحثون اعتماد تقنيات متقدمة لتحديد التلف قبل ظهوره للعين المجرّدة. أهم هذه الأساليب: التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء (Reflectance Infrared Spectroscopy)
وهي تقنية غير تدميرية تُمكّن العاملين في المتاحف من اكتشاف بدايات التدهور دون لمس اللوحة، بما في ذلك:
تغيّر التركيب الكيميائي
ظهور مركبات ناتجة عن الرطوبة
علامات مبكرة على أكسدة الزرنيخ
يسمح ذلك بإجراء التدخلات الوقائية في الوقت المناسب لحماية الأعمال الفنية قبل تضررها بشكل لا يمكن إصلاحه.
تُعد نتائج هذه الدراسة خطوة مهمة في مجال حفظ التراث الفني العالمي، إذ توضح بدقة كيف يتفاعل الضوء والرطوبة مع أصباغ القرن التاسع عشر، وتقدم للمتاحف طرقاً حديثة للحفاظ على الأعمال الفنية الخالدة من التدهور.