تخفيف التوتر وتعزيز مرونة الدماغ عبر الكتابة اليدوية
دراسات و أبحاث
تخفيف التوتر وتعزيز مرونة الدماغ عبر الكتابة اليدوية
26 تشرين الثاني 2025 , 13:14 م

تشير الأبحاث الحديثة في علم النفس وعلم الأعصاب إلى أن الكتابة اليدوية ليست مجرّد وسيلة لتدوين الأفكار، بل هي ممارسة علاجية قوية تؤثر بشكل مباشر على الدماغ، وتساعد في تعزيز القدرة على التكيّف والتعامل مع الضغوط اليومية. وتؤكد هذه الدراسات أن تحويل المشاعر والأفكار إلى كلمات مكتوبة لا يخفف العبء النفسي فحسب، بل يُحدث تغييرات ملموسة في بنية الدماغ، مما يدعم مرونته واستقراره الانفعالي.

الكتابة كأداة للتحول الداخلي

تعدّ الكتابة نشاطاً معرفياً عميقاً، يمكنه تحويل الحالة النفسية من الإحباط والتوتر إلى صفاء ذهني ووضوح أكبر. وتشير الدكتورة إميلي روناي جونستون، الأستاذة المشاركة في جامعة كاليفورنيا في ميرسيد، إلى أن الكتابة تساعد الإنسان على التعبير عن ألمه وفي الوقت نفسه خلق مسافة عاطفية عنه. وهذا التحوّل هو جوهر "المرونة النفسية" التي نحتاجها لمواجهة تحديات الحياة اليومية.

ورغم أن المجتمع غالباً ما يصوّر المرونة النفسية كصفة استثنائية أو نتيجة تدريب طويل، إلا أن هذه الدراسات تثبت أنها قد تبدأ من عادات بسيطة نمارسها يومياً … مثل الكتابة.

الكتابة التعبيرية: علاج نفسي مثبت علمياً

منذ ثمانينيات القرن الماضي، عمل عالم النفس جيمس بينيبكير على تطوير تقنية "الكتابة التعبيرية" لمعالجة التجارب الصادمة. وتقوم هذه التقنية على الكتابة المتواصلة عن الأحداث المؤلمة، مما يساهم في:

خلق مسافة آمنة بين الشخص وبين ذكرياته

تقليل العبء المعرفي الناتج عن كبت المشاعر

تحويل الألم إلى تجربة يمكن التعامل معها بوعي

عندما يدوّن الشخص معاناته، يُرسل دماغه إشارة بأنه لم يعد بحاجة لحمل هذا العبء داخلياً.

كيف تغيّر الكتابة طريقة عمل الدماغ؟

تحويل المشاعر والأفكار إلى كلمات نشاط عصبي معقّد يشمل:

تنشيط الذاكرة عبر استرجاع الأحداث

معالجة هذه الذكريات وإعادة تنظيمها ذهنياً

صياغة التجربة في شكل مكتوب

هذا الدمج بين التفكير واللغة والحركة اليدوية يساعد على ترسيخ الذكريات (عملية تسمى توحيد الذاكرة)، مما يمكّن الشخص من فهم مشاعره وإعادة تقييم تجاربه العاطفية.

وتؤكد الأبحاث أن هذه العملية تساعد العقل على التحرر من التوتر، والعودة للتركيز على اللحظة الحالية.

الكتابة تهدّئ مراكز الخوف وتنشّط مراكز التفكير

أظهرت دراسات التصوير العصبي أن مجرد تسمية المشاعر، سواء بالكلام أو بالكتابة يمكنه:

تهدئة اللوزة الدماغية المسؤولة عن الاستجابات العاطفية الحادة مثل الخوف والقلق

تنشيط القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن اتخاذ القرار وتنظيم السلوك

وبالتالي، تساعد الكتابة على الانتقال من ردود الفعل الغريزية "القتال أو الهروب" إلى الاستجابات الهادئة الواعية.

حتى المهام البسيطة مثل كتابة قائمة مهام يومية تنشّط مناطق التحليل والتخطيط في الدماغ، مما يعزّز القدرة على التركيز.

الكتابة ليست مجرد مهارة حياتية، بل هي علاج نفسي متاح للجميع.

من خلال التعبير عن المشاعر على الورق، يمكن للعقل استعادة توازنه، وتخفيف التوتر، وبناء مرونة ذهنية قادرة على مواجهة الضغوط اليومية.

المصدر: Science Mail