تمكن باحثون في المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية (EMBL) من تطوير أداة ذكاء اصطناعي مبتكرة تعتمد على ما يشبه "اللعبة الليزرية" لتحديد الخلايا التي تحمل بدايات الأخطاء الجينية المرتبطة بالسرطان، هذه الأداة الجديدة المسماة MAGIC، تمنح العلماء ولأول مرة القدرة على تتبّع كيفية نشوء العيوب الكروموسومية داخل الخلايا الحية بدقة غير مسبوقة.
يُعدّ حدوث خلل في الكروموسومات أحد أوائل المؤشرات على تكوّن السرطان، إذ يؤدي تراكم الأخطاء الجينية بمرور الوقت إلى فقدان الخلايا ضوابط النمو الطبيعية، مما يمهّد للإصابة بالأورام.
لماذا تعدّ العيوب الكروموسومية لغزاً يصعب دراسته؟
رغم أن العلماء يعرفون منذ أكثر من قرن، منذ طرح العالِم الألماني ثيودور بوفيري لهذه الفكرة، أن الخلل في عدد أو شكل الكروموسومات قد يكون وراء نشوء السرطان، فإن دراسة هذه الأخطاء كانت دائماً تحدياً كبيراً.
فعدد قليل جداً من الخلايا يُظهر عيوباً واضحة في أي لحظة، كما أن الكثير منها يموت تلقائياً أو يتم القضاء عليه، مما يجعل العثور عليها بالطرق التقليدية مهمة شاقة وبطيئة.
كان الباحثون في السابق يعتمدون على النظر عبر المجهر للبحث يدوياً عن هذه الخلايا النادرة، وهو ما يتيح جمع عدد محدود فقط للدراسة.
تقنية MAGIC: دمج المجهر الآلي والتسلسل الجيني والذكاء الاصطناعي
جاء الحل من خلال الباحث ماركو كوزينزا من مجموعة كوربل في EMBL، الذي طوّر بالتعاون مع زملائه نظاماً ذاتياً يجمع بين:
التصوير المجهري الآلي، وتسلسل الخلية الواحدة (Single-cell sequencing)، والرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي، وأُطلق على هذه التقنية اسم:
Machine learning-Assisted Genomics and Imaging Convergence (MAGIC) , وهي تعمل تماماً كـ لعبة “الليزر تاغ”، إذ تبحث عن "الهدف" وهي الخلايا التي تحتوي على الميكرونوى:
وهي بنى صغيرة داخل الخلية تحوي قطعاً من الحمض النووي المنفصل عن الجينوم الأساسي، وغالباً ما ترتبط بنشوء مشكلات كروموسومية تزيد احتمال تحول الخلية إلى سرطانية.
كيف تعمل MAGIC؟
1. التقاط الصور
يقوم مجهر آلي بالتقاط سلسلة من الصور لعينة الخلايا.
2. تحليل الصور بالذكاء الاصطناعي
يُفحص كل إطار من خلال خوارزمية تعلم آلي مدرّبة على التعرف على الخلايا التي تحتوي على الميكرونوى.
3. “وَسْم” الخلايا بالليزر
عند اكتشاف خلية مستهدفة، يوجه النظام ضوءاً محدداً نحوها باستخدام صبغة ضوئية قابلة للتحويل، تغير لونها عند تعرضها للضوء، مما يسمح بتحديد الخلية بشكل دائم.
4. تحليل الخلايا المعلمة
بعد وسمها، تُفصل هذه الخلايا باستخدام تقنيات مثل التدفق الخلوي، ثم تُخضع لتحليل جيني تفصيلي لمعرفة طبيعة الأخطاء الكروموسومية.
سرعة مذهلة ودقة غير مسبوقة
بفضل الأتمتة الكاملة، أصبح بالإمكان دراسة ما يقارب 100,000 خلية خلال أقل من 24 ساعة، وهي قفزة هائلة مقارنة بالطرائق التقليدية.
أظهرت الدراسة نتائج مهمة منها:
أكثر من 10% من انقسامات الخلايا الطبيعية ينتج عنها خلل كروموسومي.
عند وجود طفرة في جين p53، أحد أهم الجينات الكابحة للورم، يتضاعف معدل حدوث هذه الأخطاء.
كما درس العلماء تأثيرات أخرى مثل مواقع حدوث انكسار الحمض النووي ثنائي السلسلة داخل الكروموسومات.
مستقبل أبحاث السرطان مع MAGIC
تتميز تقنية MAGIC بأنها قابلة للتكيف، إذ يمكن تدريب خوارزميتها على التعرف على ميزات خلوية مختلفة، وليس فقط الميكرونوى. وهذا يمنحها قدرة على دعم اكتشافات مستقبلية واسعة في مجالات البيولوجيا والطب.
وقال الباحث يان كوربل: "طالما يمكن تمييز السمة بصرياً، يمكن — بفضل الذكاء الاصطناعي — تدريب النظام على اكتشافها."
ويشير ذلك إلى أن هذه التقنية قد تغيّر أسلوب دراسة تطور السرطان وطرق رصد الأخطاء الجينية في مراحلها المبكرة.