تشهد فنزويلا اليوم مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخها الحديث، في ظل تصاعد التحركات الأميركية ضد النظام الحاكم في كاراكاس، والتي تراوحت بين العقوبات الاقتصادية والتصعيد العسكري في محيط البلاد. وفي الوقت الذي تصف فيه واشنطن خطواتها بأنها تهدف إلى مكافحة تهريب المخدرات ومواجهة الجريمة المنظمة، يرى كثيرون أن هذه التحركات تعكس رغبة أوسع في إعادة رسم خرائط النفوذ في أمريكا اللاتينية.
منذ إعلان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو رفع حالة التأهب العسكري وإجراء تدريبات واسعة تشمل القوات الجوية والبحرية، بدا أن البلد يدخل مرحلة من الاستنفار الداخلي، تعكس مخاوف النظام من أي تحرك خارجي محتمل. وفي الوقت نفسه، أغلقت شركات الطيران رحلاتها إلى فنزويلا، فيما وصفه مراقبون بأنه انعكاس للضغوط الأمنية والاقتصادية المتزايدة على الدولة.
إدراج الولايات المتحدة لشبكات مرتبطة بالجيش الفنزويلي على قوائم “الإرهاب” أضاف بعدا قانونيا ودبلوماسيا جديدا للتصعيد، ما يمكّن واشنطن من توسيع نطاق الضغوط الاقتصادية والسياسية على النظام الحاكم. ويأتي هذا ضمن ما يُعرف في التقارير الغربية بـ “المرحلة الجديدة” من العمليات الأميركية في الكاريبي، والتي قد تتضمن تحركات عسكرية محدودة أو دعما للمعارضة الداخلية.
على الرغم من حدة هذا التصعيد، يبقى السؤال الأهم حول انعكاس هذه الإجراءات على الداخل الفنزويلي والمنطقة ككل. فمن جهة، قد تواجه الدولة أزمة اقتصادية ومعيشية أكبر، ما يزيد من موجات الهجرة والنزوح. ومن جهة أخرى، قد يفتح الوضع الباب أمام إعادة تقييم سياسات المحور الدولي تجاه فنزويلا، بما يشمل روسيا والصين، اللتين لعبتا دورًا في دعم النظام اقتصاديا واستراتيجيا خلال السنوات الماضية.
يبقى أيضا عامل الرد الشعبي والجيش الفنزويلي، وهو ما قد يحد من أي تدخل مباشر، إذ يشكل الاستقرار الداخلي عنصر قوة يحمي البلاد من الانزلاق نحو نزاع مسلح واسع. وفي هذا السياق، يمكن القول إن أي خطوات أميركية مستقبلية ستحتاج إلى دراسة دقيقة للتوازن بين الأهداف السياسية، التكلفة العسكرية، والتداعيات الإنسانية.
في نهاية المطاف، يظهر الوضع في فنزويلا نموذجا معقدا للتداخل بين السياسة الداخلية والضغوط الدولية، ويطرح أسئلة حول دور القوى الكبرى في إعادة تشكيل النفوذ، وفاعلية العقوبات والتهديدات العسكرية في تحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى. وبينما يتابع العالم هذا التصعيد بحذر، يبقى الخيار الأقوى دائما هو الحوار والتسوية، لتجنب تفاقم الأزمة الإنسانية والحفاظ على استقرار المنطقة.