من مذابح التأسيس إلى هندسة الفوضى الخلاقة... جينالوجيا الدم، اركيولوجيا الجريمة، إستراتيجيات الخراب الممنهج، الشيطان الأكبر أو الطاغوت أو ابليس الأبالسة إن صح التعبير ، تنوعت التسميات و الشيطان واحد، ألقاب تتناسب مع من تأسس على تلال من الجماجم الأولى إلى الحروب الهجينة الحديثة، إنه مشعلها ومؤسسها، إمبرطورية الشر والفوض وصناعة الموت و الحركات التكفيرية الارهابية الدموية التي هو بصانعها ويتظاهر بمحاربتها.
ولد الطاغوت الأكبر على أنهر الدم وتلال جماجم الهنود الحمر والأفارقة المكدسين في سفن الموت، لتتجلى ميتافيزيقيا القهر منذ اللحظة الأولى.
من هناك، شيدت امبرطورية الظلال، حيث تعيد دوائر إستخباراتها رسم الخرائط، وتشيد الفوضى الخلاقة في كل مكان: العراق، لبنان،الصومال، فنزويلا ،ليبيا اليمن وأرض الأبجدية الأولى والعاصمة المأهولة الأقدم تاريخيا. حيث يدرب الارهاب ويحول التكفير، ويحول الخراب الى سياسة ممنهجة والفوضى إلى فن من فنون الهيمنة.
في العراق الشقيق، افرغت كل صنوف الحصار والتدمير، حتى صار البلد مختبرا للفوضى والدم، من أبو غريب إلى معظم المدن الأخرى، ومن مجازر حركات اسلام الناتو إلى تفكيك الدولة و الجيش والشعب معا، كل ذلك تحت شعار الديمقراطية المزعومة، بينما الإعلام المموه يلبس القبح ثوب الحرية. أما بلد الأبجدية، فقد كانت ساحة الهندسة للفوضى الخلاقة: دعم المليشيات تدريب، ضخ أموال، سرقة النفط والموارد، كل ذلك تحت مظلة الشعارات الكاذبة، لتصبح الأرض مسرحا يدار عن بعد.....وفي فنزويلا، أظهرت الامبرطورية: ”امبرطورية الشر الامبريالي" الوجه الحقيقي للنهب: النفط، الذهب، الغاز، وووالخ... وبحجة وذريعة محاربة السموم البيضاء...كل شيئ يسرق باسم الديمقراطية المزيفة، بينما الشعوب تركع بالفقر والحصار. وفي لبنان والصومال، تركت الجروح مفتوحة، لتعود الامبرطورية و تعيد إنتاج الفوضى وكأنها لوحات حرب تطلى بالدم والخراب.
وعلى المستوى الثقافي، مارست أمريكا سياسة الإملاء الاجتماعي والفكري: فرض نماذج قذرة مقززة خارجة عن الفطرة، تشوه الأسرة، وتزعزع التوازن الروحي للمجتمعات، فيما الشعارات الزائفة عن الحرية تتخفى خلف ستار الهيمنة.
وفي سهول الرمال الذهبية والواحات المضاءة والموانئ المشعة و الأبراج الزجاجية، تحول الترليونات وتفرض العقود بدهاء، لتغدو الموارد وسيلة للسيطرة، دون أن يدرك المراقب الجاهل الحيلة المبطنة.
ومع الكيان المحتل الغاصب المارق، أطلقت كل أشكال الحماية المباشرة: فيتو لحماية المعتدي، شرعية لمجازره، صمت كصمت أصحاب القبور على الاحتلال، وإطلاق أيدي قطعان المستوطنين، بينما في عاصمة الزعفران والعرفان طهران وجهت حكومة الطاغوت الأكبر حصارها الإقتصادي والسياسي...فقط لرفض عاصمة الشعب الأصيل والثورة الإسلامية المظفرة الركوع لأمبرطورية الشر والإستكبار والهيمنة، فتصدت الاخيرة بصمود شعبها العريق.
ومرة ثانية أذكر: ودون رتابة، من غوانتونامو إلى أبو غريب، من الانقلابات في أمريكا الاتينية إلى الحروب في أسيا وأفريقيا، يكشف التاريخ مدى الإنحطاط وبطش آلة الهمينة الكابوية الماجنة: من الجماجم الأولى إلى الحروب الهجينة الحديثة، من الإبادة إلى الفوضى الممنهجة، من الخراب المادي إلى تفكيك المجتمعات فكريا وسياسيا.
لكن الأمل باق في شعوب تعرف جينالوجيا المؤامرات، وتستبصر الفوضى الممنهجة، لتنهض بالوعي والمعرفة قبل السلاح، مستندة إلى قوله عز وجل: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان).
فزمن الطغاة مهما طال، آيل إلى الأفول، وزمن الشعوب الواعية يقترب، لتنهض وحدة عالمية وعربية حقيقية، تنهي سياسة الآحادية، وتؤسس للتوازن والعدالة بين الأمم، بعيدا عن الفوضى المفروضة والنهب الممنهج، ليظل الحق ساطعا والضمير حيا، والتاريخ شاهدا.
مفكر كاتب صاحب قلم حر، في الغربة.