ثلاثة أيام بلياليها طبيعية.
مقالات
ثلاثة أيام بلياليها طبيعية.
علي وطفي
3 كانون الأول 2025 , 21:34 م


وصل الرجاء والأمل مع البابا إلى (قطعة السماء) لبنان و غادرا معه كما دائما. زيارة كاسابقاتها من زيارات الاحبار العظماء ، فهي تحمل معها دعم و إسناد نفسي ومعنوي لا غير، و خاصة في الظروف الحالية نتيجة وضع الأقليات بشكل عام و المسيحية خاصة…. فهي لا تحمل أي بعد سياسي مستقل و مؤثر إلا إذا كانت مدعومة بقرار دولي وازن ، لا يخفى على أحد ان تطويب اي بابا يمر عبر السياسة ، التجارب أثبتت أن رئيس دولة الفاتيكان و رأس الكنيسة الكاثوليكية بالعام يعبر في السياسة عن التوجه الأمريكي الغربي واليوم نحن في اهزوجة "المسار الابراهيمي للسلام ، و ربما لم ينتبه الكثيرون لكلمة رئيس اللبناني عندما أشار إلى "أننا كلنا اولاد ابراهيم " .! و كلام الحبر الأعظم عن السلام جاءت مؤكدة على هذا المستوى. الزيارة رعوية ذات فائدة من خلال وضع لبنان في دائرة الأضواء فترة الزيارة إلى ان نرى نتيجة عملية بعد انتهاء الاحتفالية التي في الظاهر تظهر الخصوم المحليين و كأنهم على قلب رجل واحد مع زحمة حضور الوجوه والشخصيات المسلمة ، و ما أصلحه البابا "لاوون" مؤقتا ولو بالصورة سرعان ما تفسده السياسة عندما تعود الطبقة السياسية إلى وراء المتاريس الاعلامية الاجتماعية و السياسية التي ترفع منسوب المواجهة إلى حد الانفجار بين شعوبه المتناقضة التي لا تشبه بعضها كما هو جاري اليوم ،فهذا المنسوب العدائي فاق كل الحدود المنطقية ، حيث أكثر من نصف رعيته ضد المقاومة سابقا ولاحقا و خلال حرب الإسناد ، حتى تبين أن هناك تطابق بينها و نتنياهو على نفس الهدف و لنقل نصف المجتمع المسيحي يدعم حربا جديدة على حزب الله ناسه لبنانيون اخوة لهم (شركاء في الوطن) علنا و جهارا نهارا ما عدا القلة القليلة لا يعادون المقاومة ، إنه اللامنطق ، فذات يوم تحالف هؤلاء مع بيغن و شارون ضد المقاومة الفلسطينية و حلفائها اللبنانيين و معهم الكثير من المسيحيين في صفوف الحزب القومي السوري و الشيوعي ، و المضحك انه أطلقوا على أنفسهم (المقاومة المسيحية) بهدف إقامة كانتون مسيحي و كان لهم ذلك لفترة قصيرة ، بينما يعيرون المقاومة بأنها إسلامية التي ندافع عن نفسها و أرضها في الجنوب اليوم ، بكلتا الحالتين، اما كان سيدنا عيسى (المسيح) مقاوما ؟ و هل هذا نوع من الشوفينية عند هؤلاء .؟ ربما !.

لاشك أن الوجود المسيحي العربي كان قبل الإسلامي العربي ولكن الكل عرب في الجذور و لا يخفى على الجيل القديم اليوم و على الذي قبله كيف كانت نظرة هذا المكون للجوار العربي مثلا: السوري و الفلسطيني و حتى الخليجي قبل الحرب الأهلية و كيفية تعاملهم بفوقية باستثناء مع من يملك نفوذ و مال اي( البرجوازية السوري و الفلسطينية ) التي هي من صنع نهضة اقتصاده، إلا أن كان منهم رجالات بحق علامات فارقة في المشرق شكلوا طابعة فكري وثقافي ، فحافظوا على التراث و اللغة العربية و أصدروا كتب و قادوا حركة تنوير و وعي و ثقافة و شكلوا علامة مضيئة لكل المشرق و هم أرباب السياسة و منهم المفكرين و كانوا بوابة المد القومي اليساري العلماني ضرورة تهدف بذات الوقت كي لا يغرقوا في بحر الإسلام السياسي فنقلوا لنا من الغرب النظريات في الاجتماع ، الفلسفة و السياسة و تشكيل تيارات و احزاب مدنية و تصدروا حركة الفن و الإبداع و الانفتاح في مجتمعات متعددة الأعراق و الطوائف و تمتعوا بحماية خاصة من فرنسا و الغرب لذلك ترى الموارنة ـ العرب الشرقيون ( أنطاكية ) التحقوا بمرجعية الغرب (الفاتيكان) على عكس الآخرين و هو ما أعطاهم تأثير و حماية سياسية و مادية انجبت شبه كيان سياسي (متصرفية جبل لبنان) و من ثم لبنان الصغير إلى الكبير من قبل تلك الأنظمة مقابل تأمين مصالحها.

واضح أن البطريركية المارونية منذ تأسيسها في لبنان عملت وتعمل في السياسة التي طغت عن الديني الرعوي ظهر ذلك على سبيل المثال جلياً خلال زيارة البابا يوحنا الثاني (صاحب فكرة لبنان ليس فقط كيان سياسي بل " رسالة " للمحبة و السلام والتعايش ).

كما حصل عند زيارة البابا يوحنا بطرس الثاني إلى دمشق في 4 أيار عام 2001م ، ودخل الجامع الأموي و كأنه بذلك أدخل معه مليار ونصف كاثوليكي الى المسجد الأموي الكبير ، ليكون بذلك أول بابا يدخل مسجد إسلامي في التاريخ، على خطى بولس الرسول و كان من غير المعقول ألا يسير البطريرك مار نصرالله صفير على خطى البابا و يلتحق به في دمشق ! و هو أكبر دليل على موقفها السياسي من دمشق الذي تقدم على الايماني و كان أمر مستهجن من الكثيرين داخل و خارج لبنان في حينه و هل كان من الصواب و الاحترام أن يتصرف البطريرك مار نصر الله بطرس هو رئيس ما يقارب المليون كاثوليكي في لبنان و خارجه رغم أنه حصل على تأكيد بعدم لقاء أو اجتماع له طابع سياسي مع المسؤولين السوريين ، إنما هو ذاته تصرف على أساس سياسي و فوقي من السوريين ومنهم رعيته السورية و هو سوري (شامي) كما عتاة الزعامات المارونية و غيرهم في لبنان ك" آل الجميل و بيت إده ، معوض و عدرا " من العائلات المسيحية السورية و الفلسطينية (شامية) التي نزحت الى ما عرف لاحقا جبل لبنان ..

البابا "لاون الرابع عشر" ليس يوحنا بولس الثاني و الوضع العالمي لا يشبه ما كان في زمن القطبين الذي لعب دورا هاما بدعم أمريكي أطلسي في حربه من أجل هدم المنظومة الشيوعية و كان العمل في بولندا الذي هو من مواطنيها ، اما اليوم في منطقتنا واضح ان الحاكم بأمرها هو نتنياهو مع زمرة اليمين التوراتي المتعصب و الفاتيكان كدولة كاملة المواصفات ، على رئيسها عاجلا أو آجلا زيارة حائط المبكى و إلا ..؟والسؤال ماذا فعل البابا السابق و من قبله الحماية المسيحيين في العراق و سوريا و قبله منذ عقود في فلسطين ..؟

كما لدولة الفاتيكان وظيفة أشد خطورة وأهمية عبر تاريخها و التي تكمن في توظيف شبكة من التجسس للوصول إلى جميع تفاصيل التفاصيل ، فقد أنشأ الباباوات منظمة استخباراتية ضخمة و الهيكلية العمودية للكنيسة الكاثوليكية تخدم استخبارات الفاتيكان بفعالية كبيرة إذ يجمع أكثر من خمسين ممثل بابوي دبلوماسي" و 1500 من رؤساء أساقفة و أساقفة من رجال الدين الكاثوليك في مختلف أنحاء العالم و بشكل منهجي معلومات متنوعة من عشرات الآلاف من مسؤولي الكنيسة الأقل مرتبة وظيفية من التابعين لهم يرسلونها إلى الفاتيكان و تشارك أيضاً العديد من الرهبانيات التي أنشأها الفاتيكان في جمع المعلومات الاستخباراتية كما يستخدم الفاتيكان العديد من المنظمات الكاثوليكية المختلفة، التي توحدها جمعية " العمل الكاثوليكي"، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية الكاثوليكية.

« في أواخر نيسان عام 1948، نشرت صحيفة رومانية مقالاً بعنوان "أنشطة جهاز التجسس الفاتيكاني"، و التوجيهات الجديدة التي أصدرها البابا " بيوس الثاني عشر" إلى جهاز استخباراته مطالبا من جميع المنظمات الكاثوليكية و الرهبانيات و قادة الكنائس بحشد و تفعيل قدراتهم لجمع المعلومات الاستخباراتية ، و أن تجري شبكة استخبارات الفاتيكان بأكملها اتصالات فورية مع مراكز الاستخبارات الأمريكية و البريطانية المحلية و أن تنقل إليها المعلومات العامة التي يمكن استخدامها في مكافحة الشيوعية و المعلومات البالغة السرية إلى مركز استخبارات الفاتيكان الرئيسي.»

نعود إلى قصة " لبنان - الرسالة - التنوع " في التطبيق السيئ لها نجح في لبننة العراق و الآن سورية على نفس الخطى ،لأن التنوع صحيح غنى و عامل وحدة وترابط إنما في مجتمعات فوق الأديان و المذاهب ، مجتمعات لديها من الوعي و حب الوطن يعملون رفع شأنه و بالتالي شأن و حياة ورفاهية مواطنيه هو سر المواطنة و ليس المزارع و المذاهب .

أصبح لبنان علامة فارقة في ديكتاتورية الطوائف و المذاهب و أحزابها و أصر أن لا ديمقراطية و لا حرية مع بدعة التوافق الديمقراطي و لألف سبب و سبب و لا مجال الحوض الان و تحولت ( الرسالة) إلى وصفة علاجية تدميرية لهذا المشرق على ضوء ما جرى في العراق و يعمل عليه في تقسيم المجتمع و الجغرافيا السورية.