مقالات
"اللّتلتة"… موهبة واختصاص‎
حسن علي طه
8 كانون الأول 2025 , 10:40 ص

كتب حسن علي طه

الـ"لتلتة" من الفعل لَتَه، وفاعلها يُسمّى لتّلات. وهي كلمة شعبية بسيطة، لكنها تُصيب المعنى بدقّةٍ لا تبلغه الفصحى حين نقول ثرثار. فاللتّلات شخص موهوب… نعم موهوب، وجريء في موهبته، قادر على رسم مشهدية كاملة من خياله، يدافع عنها وكأنها حقيقة مُنزلة، ويستشهد بكل أدوات الإقناع، وصولًا إلى ذكر “مراكز دراسات” لا وجود لها أصلًا، بل ويختلق لها أسماءً وهمية على طريقته الخاصة.

واللتلتة ليست حكرًا على فئة دون أخرى؛ فهي ممتدّة في كل طبقات المجتمع. فقد تجد اللتّلات سائق تكسي، أو بائع صحف، أو طبيبًا، أو “دكتورًا” في أي اختصاص… وربما بلا أي اختصاص أصلًا! ومع كثرة لتلتته، يتحوّل لقب “الدكتور” إلى اسم ملازم له، يُنادى به حتى ينسى الناس اسمه الحقيقي، ولا يُصوّب لهم، فهذه من لوازم “المهنة” ومتطلبات شهرتها.

فاللتلتة موهبة عابرة للطبقات، جامعة لكل فئات المجتمع. فاللتّلات الطبيب مثلًا يقنعك بأنّك لست موجوعًا بل “تتدلّل”، والجرّاح قد يهنّئك بنجاح العملية ويعزّيك في الوقت نفسه بموت المريض. أمّا السائق واللحّام، فيرسمان لك مشاهد كاملة بتفاصيل دقيقة لا تملك معها إلّا التسليم “لخلاصة معلوماتهما الخاصة”.

ويبقى كل ذلك ضمن إطار الظرف الزماني والمكاني وحدودهما الطبيعية… إلى أن يظهر الصنف الأخطر: اللتّلاتون الفيروسيّون؛ أولئك الذين ينتشرون كالأوبئة، يحيكون مشهديات تستند إلى مصادر وهمية ومراكز دراسات غير موجودة. يحتلّون الشاشات ومواقع التواصل وصدور الصالونات، يقدّمون “نظريات” ما أنزل الله بها من سلطان، ويقلبون الحقائق، فيجعلون النصر هزيمة والهزيمة نصرًا، كلٌّ وفق هوى انتمائه.

والأدهى من ذلك أنّ لهم جمهورًا واسعًا يتابعهم كما تُتابَع العرّافات، وكأنّ كلامهم وحيٌ لا يأتيه الباطل.

يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة:

“عندما تنهار الدول يزداد في المجتمع الرعب والفوضى، حيث يكثر المنجّمون والمتسوّلون والمدّعون، بينما يضعف صوت الحق ويختلط الصدق بالكذب. في هذه المرحلة، يصبح الانتماء قبليًّا على حساب الانتماء الوطني والقومي.”

وهذا تمامًا ما نعيشه اليوم… بين “الدكتور” داهش و”الخبيرة” ليلى عبداللطيف.

ويبقى الأمل بالحكيم اللطيف.