توصل علماء من جامعة نورث وسترن الأميركية إلى اكتشاف مفاجئ قد يغيّر طريقة فهم وعلاج الالتهاب الرئوي . فقد أظهرت دراسة جديدة أن الميكروبيوم الخاص بالرئة، أي مجتمع الكائنات الدقيقة المقيمة فيها، يؤثر بشكل مباشر في كيفية تطور المرض، واستجابة المريض للعلاج، واحتمالات التعافي أو التدهور.
وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Cell Host & Microbe العلمية المتخصصة، وراجعتها هيئة تحرير علمية مستقلة.
ما هو ميكروبيوم الرئة؟
يعتقد كثيرون أن الميكروبيوم يقتصر على الأمعاء أو الجلد، إلا أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن الجهاز التنفسي يمتلك أيضا ميكروبيومًا خاصا به.
وتوضح الدكتورة إيريكا هارتمان، الباحثة الرئيسية في الدراسة: “لفترة طويلة، كان الاعتقاد السائد أن الرئتين معقمتان، ولا تظهر فيهما الميكروبات إلا عند حدوث عدوى. لكن تبيّن أن هذا غير صحيح”.
كيف أُجريت الدراسة؟
اعتمد الباحثون على:
عينات من رئات مرضى مصابين بالالتهاب الرئوي
متابعة تطور الميكروبيوم والاستجابة المناعية بمرور الوقت
وشملت الدراسة أكثر من 200 مريض مصاب بحالات حرجة في وحدات العناية المركزة. وتم تحليل أنواع البكتيريا وكمياتها داخل الرئتين، إلى جانب قياس التغيرات في الجهاز المناعي.
سمات مشتركة لدى المرضى الأكثر تعافيا
كشفت النتائج أن المرضى الذين تعافوا بشكل أفضل اشتركوا في خاصيتين أساسيتين:
1. ميكروبيوم الرئة لديهم كان شبيها بميكروبيوم الفم
2. المنظومة الميكروبية كانت ديناميكية ومتغيرة، وليست مستقرة وثابتة
ويشير الباحثون إلى أن هذا التغير المستمر قد يساعد الرئة على التخلص من مسببات المرض بشكل أكثر فعالية.
الالتهاب الرئوي: مرض غير متوقع
بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، يُدخل الالتهاب الرئوي نحو 1.2 مليون شخص سنويا إلى أقسام الطوارئ في الولايات المتحدة وحدها.
ورغم انتشاره، لا يزال المرض:
صعب التنبؤ بمساره
متفاوت الاستجابة للعلاج حتى بين مرضى يتلقون الدواء نفسه
وتوضح هارتمان: “الالتهاب الرئوي يُعرَّف بأعراضه، وليس بمسببه. وفي كثير من الحالات، لا يستطيع الأطباء تحديد ما إذا كان ناتجًا عن بكتيريا أو فيروس أو فطريات”.
أربعة أنماط ميكروبية مختلفة (Pneumotypes)
بعد تحليل البيانات، صنّف الباحثون مرضى الالتهاب الرئوي إلى أربعة أنماط ميكروبية مميزة داخل الرئة، أطلقوا عليها اسم Pneumotypes:
1. نمط تهيمن عليه بكتيريا شبيهة بتلك الموجودة في الفم
2. نمط تهيمن عليه بكتيريا الجلد
3. نمط مختلط (فم + جلد)
4. نمط تهيمن عليه بكتيريا Staphylococcus aureus
أي الأنماط أكثر خطورة؟
أظهرت الدراسة أن:
المرضى ذوي النمط الشبيه بميكروبيوم الفم كانوا الأكثر تعافيا
الأنماط الشبيهة بالجلد أو المختلطة لم ترتبط بوضوح بالتحسن أو التدهور
المرضى الذين سيطرت لديهم المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus) سجلوا أسوأ النتائج الصحية
العلاقة بين المناعة والميكروبيوم
لاحظ العلماء أن:
تغيرات الميكروبيوم ترافقها تغيرات في الاستجابة المناعية
كلاهما يتطوران معا خلال مسار المرض
وتقترح إحدى الفرضيات أن جهاز المناعة معتاد على الميكروبات الشبيهة بتلك القادمة من الفم، نظرًا للاتصال المستمر بين الفم والجهاز التنفسي، ما يجعله أكثر كفاءة في التعامل معها.
الميكروبيوم المستقر خطر محتمل
من النتائج اللافتة أن أسوأ الحالات ارتبطت بميكروبيوم رئوي مستقر جدا وغير متغير.
وتشرح هارتمان: “النظم البيئية الصحية تحتاج إلى المرونة. فإذا كان المجتمع الميكروبي ثابتا بشكل مفرط، فقد لا يمتلك القدرة على طرد المسببات المرضية”.
آفاق طبية واعدة
تشير هذه النتائج إلى إمكانات واسعة في المستقبل، من بينها:
التنبؤ بمصير المرضى بدقة أكبر
تصميم علاجات بالمضادات الحيوية مخصصة لكل مريض
تطوير علاجات تدعم الميكروبات المفيدة في الرئة بدلا القضاء عليها
ويأمل الباحثون أن تسهم هذه المعطيات في تحسين فهم أحد أكثر الأمراض التنفسية غموضًا وخطورة.
تؤكد هذه الدراسة أن الالتهاب الرئوي ليس مجرد عدوى تقليدية، بل هو معركة معقدة بين الميكروبات والجهاز المناعي داخل الرئة. وقد يكون مفتاح تحسين العلاج مستقبلاً في فهم ميكروبيوم الرئة والتعامل معه كجزء أساسي من الخطة العلاجية.