في زمن تتقاطع فيه المصالح وتتشابك المؤامرات، تتأرجح أمتنا العربية والإسلامية في تحالفات صادقة تحمل استقرارها ووحدتها، وبين تخالفات خفية تغذي الفرقة وتزرع الشقاق بين شعوبها وحكوماتها. لقد أضحى فهم جينالوجيا الصراع أمرا لا محيد عنه، لأن المسرح الاستراتيجي يشهد على محاولات تفكيك الدول وبث الخوف والفوضى الخلاقة، واستغلال ذريعة محاربة الإرهاب، الذي هو في حقيقته ورق ة رابحة للعدو الغاصب، وسيده الطاغوت الأكبر المدعوم ماليا من بعض عشاق العروش المرصعة، أولئك الذين يغدقون أمولا خيالية على أدوات الفوضى، فيما كان الأولى أن تستثمر في شباب وشابات الأمة العربية والإسلامية وتمكينهم في مشاريع البناء والتقدم والإزدهار.
وسط هذا المشهد، تتجلى جمهورية إيران الإسلامية، بقيادة حكيمة وشعب واع، كقلعة فولاذية منيعة، شامخة تحمي مصالح الأمة وحقوق المستضعفين. منذ إنتصار ثورة 1979 المباركة حيث سار مفجرها قدس الله سره على نهج العدل والوعي، و استمر لواء الوحدة مرفوعا بقيادة آية الله علي خامنئي دام ظله، دعيا الحكام والشعوب إلى رص الصفوف والتقارب بين جميع أبناء المذاهب الإسلامية ونبذ أي خلاف يستغله المحتل الغاصب.
كما تجلت باكستان الشقيقة لجارتها إيران كدرع وواحة للوعي الجمعي، داعية إلى تقوية الصلات بين الجيوش والشعوب العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه تذكر بإن الوحدة هي المعقل ضد أي مشروع استدماري يسعى إلى نهب الثروات وإحلال الفوضى.
أما عن بعض رموز الأبراج الزجاجية المضيئة، أكتفي بالإشارة إلى تصرفاتهم المالية والقراراتية عبر رمزيات دقيقة، لتظل مواقفي منزهة وراقية، وتحفظ توازن الموقف التحليلي.
إن قراءة ”التحالفات والتخالفات" تتطلب تأملا فلسفيا عميقا وفكرا إستراتيجيا، فكل تدخل خارجي أو دعم مالي أو حملة إعلامية مضللة يهدف إلى تغذية الفتنة وإضعاف الروابط بين الشعوب.
أيضا للإعلام المخطط له بعناية دورا في نشر الشكوك والخلافات لتبدو المصالح العليا متفرقة، فيما الحقيقة أن العدو المحتل يسعى باستمرار لإضعاف الأمة.
من هنا تبرز أهمية الوعي القرآني والأخلاقي، الذي يوجهنا إلى التحاب والتواد والتراحم بين المسلمين والمستضعفين وهذا ما نادت به قيادة ثورة 1979 المظفرة منذ اضاءة جذوة انتصارها.
إقتداء بقوله عز وجل: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا). ”آل عمران:103"
هذه الآية العطرة ترسم خارطة الطريق نحو رص الصفوف ونبذ الفرقة التي يزرعها أعداء الأمة الإسلامية. كما توضح الآية الكريمة أن التشتيت يخدم أعداء الأمة، بينما الوحدة تصون الحرية والإستقلال. إن إستراتيجية طهران وحنكة وحكمة قيادتها ليست مجرد خطاب نظري، بل تطبيق عملي متجذر في الثقافة والفكر والسياسة، مستندة إلى القرآن الكريم وسيرة آل البيت الأطهار. داعية كل الحكومات والشعوب إلى المناصرة والمواساة للمظلومين دون التفريط بالهوية.
ولنا في سماحة السيد علي خامنئي ”دام" المثال الذي يحتذى به، حيث تتجلى الحكمة والرص للصفوف والوحدة والصمود والوعي والتضامن والتقارب، لتصبح منهجا عمليا لجميع الشعوب الراغبة في استقرار أمتها وتحقيق العدالة والمناصرة للمستضعفين. فلنوحد الصفوف، ولنتكانف ولنتعاضد لصد أي عدوان. هكذا تتحقق الحكمة بالبلاغة. وفي نهاية مطافي هنا مع السادة القراء والمتابعين: أؤكد أن الأمة الواعية المتماسكة وحدها قادرة على مواجهة أي مخطط استدماري، لتبقى مقدساتها وثرواتها ومستقبل أجيالها في مأمن. ومرة أخرى ومن منطلق الإحترام العميق لمواقف باكستان الشقيقة الداعمة للوحدة، يصبح من واجب كل مفكر وباحث وكاتب حر أن يدافع عن الحقيقة وينشر الوعي، ويحافظ على لغة الإتزان.
مفكر كاتب حر، فنان وطني شامل وإعلامي سابق في الغربة.