توصل علماء الجيولوجيا إلى اكتشاف علمي مهم قد يُحدث تحولا جذريا في طرق التنقيب عن الذهب حول العالم، حيث أظهرت دراسة حديثة أن نظائر الهيليوم القادمة من أعماق الأرض يمكن أن تساعد بدقة في تحديد مواقع رواسب الذهب المدفونة، خاصة تلك التي نشأت في أعماق الوشاح الأرضي. وقد اعتمدت الدراسة على تحليلات كيميائية متقدمة للغازات المحبوسة داخل معادن غنية بالذهب في كل من اسكتلندا وإيرلندا ونشرت الدراسة في مجلة Geology.
تحليل كيميائي متقدم يكشف أصل الذهب
اعتمد فريق البحث على تحليل مطيافية الكتلة عالي الدقة لدراسة الغازات المحبوسة منذ ملايين السنين داخل معادن الكبريتيد الحاملة للذهب. وقد أظهرت النتائج أن الذهب في هذه الرواسب لا يعود أصله إلى القشرة الأرضية كما كان يُعتقد سابقا، بل إلى أعماق الأرض، وتحديدا من الوشاح الأرضي.
وأوضح العلماء أن هذا التحليل الدقيق مكّنهم من إلقاء ضوء جديد على أصل رواسب الذهب الواقعة تحت اسكتلندا وإيرلندا، وهي مناطق غنية تاريخيا بالتعدين. الهيليوم العميق ودوره في تكوين رواسب الذهب
قال البروفيسور فين ستيوارت من جامعة غلاسكو والمركز الاسكتلندي لأبحاث البيئة (SUERC)، قائد المشروع:
"إن وجود الهيليوم العميق في جميع الرواسب ضمن الحزام الجبلي الكاليدوني يُعد دليلًا واضحًا على أن انصهار الوشاح الأرضي عنصر أساسي في تكوين هذا النوع المهم عالميا من رواسب الذهب."
وأضاف أن التساؤل ما زال قائما حول ما إذا كانت هذه الآلية نفسها تفسّر نشأة معادن أخرى تُعد حيوية للتكنولوجيا الحديثة.
حزام كاليدونيا الجبلي: مسرح الاكتشاف
امتدت الدراسة لتشمل رواسب الذهب الرئيسية في الحزام الجبلي الكاليدوني، الذي يمتد لمسافة تقارب 1,800 كيلومتر من جبال الأبلاش في أمريكا الشمالية وصولا إلى شمال النرويج. وقد تشكّل هذا الحزام قبل ما بين 390 و490 مليون سنة نتيجة تصادم الصفائح القارية القديمة: لورينتيا، وبالتيكا، وأفالونيا.
ويرى الباحثون أن هذه التصادمات العميقة أدت إلى انصهار الوشاح الأرضي وتكوين كتل ضخمة من الغرانيت في مرتفعات اسكتلندا، وهو ما ارتبط مباشرة بتكوّن رواسب الذهب.
نظائر الهيليوم تحسم جدلا علميا قديما
لطالما دار جدل علمي حول ما إذا كانت رواسب المعادن الكبرى ناتجة عن:
انصهار الصخور الساخنة أسفل القشرة الأرضية، أو تحرّك المعادن بواسطة سوائل ساخنة نتجت عن تسخين وتشوه الصخور القشرية أثناء الاضطرابات التكتونية.
وأظهرت نتائج الدراسة أن نسب نظائر الهيليوم (³He/⁴He) الموجودة في معادن الكبريتيد الحاملة للذهب تتطلب مساهمة كبيرة من الغازات البركانية القادمة من الوشاح، ما يؤكد أن حرارة الوشاح عنصر جوهري في تكوين رواسب الذهب.
علاقة مباشرة بين الهيليوم وحجم رواسب الذهب
أكد الفريق البحثي أن نسبة الهيليوم القادم من الأعماق ودرجة حرارة السوائل المعدنية يرتبطان ارتباطا وثيقا بحجم راسب الذهب. وهذا يقود إلى استنتاجين رئيسيين:
1. الذهب يعود في أصله إلى الوشاح الأرضي وليس القشرة.
2. نظائر الهيليوم تمثل أداة جيوكيميائية بسيطة وفعالة لتقدير حجم رواسب الذهب المحتملة قبل البدء بعمليات التعدين المكلفة.
وقال الدكتور كالوم لايل، الجيولوجي الاستكشافي والمؤلف الرئيسي للدراسة: "قد تشكل هذه التواقيع الجديدة لنظائر الهيليوم مؤشرًا رئيسيًا لتحديد الأنظمة المعدنية الكبرى حول العالم."
أهمية الاكتشاف لمستقبل التعدين
تشير هذه النتائج إلى أن استخدام تحاليل الهيليوم قد يُحدث نقلة نوعية في استكشاف الذهب والمعادن الاستراتيجية، من خلال تقليل المخاطر وزيادة دقة تحديد المواقع الغنية بالمعادن، مما ينعكس إيجابا على الاقتصاد وصناعة التعدين عالميا.