نجح علماء من جامعة ولاية ميشيغان في ابتكار أول نموذج قلبي بشري مُصغَّر قادر على محاكاة الرجفان الأذيني، وهو أحد أكثر اضطرابات نظم القلب شيوعا وصعوبة في العلاج. وقد نُشرت نتائج هذا الإنجاز العلمي في مجلة Cell Stem Cell المرموقة، ما يمثل خطوة فارقة في أبحاث القلب والأوعية الدموية.
لماذا يُعد الرجفان الأذيني تحديا عالميا؟
يصيب الرجفان الأذيني نحو 60 مليون شخص حول العالم، ورغم انتشاره الواسع، لم يشهد علاجه أي دواء ثوري جديد خلال الثلاثين عاما الماضية، ويعود السبب الرئيسي إلى غياب نموذج بشري دقيق للقلب يمكن من خلاله دراسة المرض بشكل مباشر، بدلا من الاعتماد على تجارب غير مكتملة على الحيوانات أو بيانات غير مباشرة.
ما هو النموذج القلبي البشري المُصغَّر؟
النماذج القلبية التي طوّرها الباحثون هي قلوب بشرية ثلاثية الأبعاد مُصغَّرة، لا يتجاوز حجمها حجم حبة العدس، تم تنميتها مخبريا من خلايا جذعية بشرية متبرع بها.
وتتميّز هذه النماذج بما يلي:
احتواؤها على حجرات قلبية واضحة
وجود شبكات وعائية داخلية
امتلاكها نظم نبض منتظم يمكن ملاحظته حتى بالعين المجردة
ويقود هذا المشروع العالم آيتور أغويري، الأستاذ المشارك في الهندسة الطبية الحيوية والمتخصص في تطور الأنسجة.
الدور الحاسم للخلايا المناعية في اضطراب النبض
تحقق الاختراق العلمي الحقيقي عند إضافة الخلايا المناعية (الماكروفاج) إلى النموذج القلبي المُصغَّر. ففي القلب البشري الطبيعي، تلعب هذه الخلايا دورًا مهمًا في تكوين الأنسجة، لكنها قد تسهم أيضا في حدوث الالتهاب المرتبط باضطرابات نظم القلب.
وعند تعزيز الإشارات الالتهابية داخل النموذج القلبي:
أصبح النبض غير منتظم
ظهرت أنماط كهربائية تشبه الرجفان الأذيني
وعند استخدام دواء مضاد للالتهاب، لوحظ تحسن جزئي في انتظام النبض، ما يؤكد العلاقة المباشرة بين الالتهاب واضطراب النظم القلبي.
نموذج أقرب إلى قلب الإنسان البالغ
يُعد هذا النموذج القلبي المُصغَّر أول نظام بحثي يجمع بين:
تطور أنسجة القلب
الاستجابة المناعية
النشاط الكهربائي غير المنتظم
ضمن نموذج واحد متكامل. كما تمكن الباحثون من محاكاة شيخوخة القلب مخبريًا، لجعل النموذج أكثر تمثيلًا لظروف القلب البشري المتقدم في العمر، حيث تزداد احتمالية حدوث اضطرابات النظم.
آفاق طبية واسعة تتجاوز الرجفان الأذيني
لا تقتصر أهمية هذا الإنجاز على مرض واحد فقط، بل تفتح هذه التقنية آفاقا واسعة، من أبرزها:
الاختبار السريع لفعالية وسلامة أدوية القلب
تقييم مخاطر السُمية القلبية للأدوية الجديدة
تطوير علاجات تمنع حدوث اضطراب النظم من الأساس بدلا من الاكتفاء بتخفيف أعراض
وقد بدأت الجامعة بالفعل التعاون مع شركات دوائية وتقنية حيوية لاستخدام هذه النماذج القلبية المُصغَّرة في تقييم مركبات علاجية واعدة.