اكتشاف علمي قد يغير مستقبل علاج الملاريا
مقالات
اكتشاف علمي قد يغير مستقبل علاج الملاريا
16 كانون الأول 2025 , 13:57 م

تمكن باحثون بعد عقود من الحيرة العلمية من حل لغز غريب داخل طفيلي الملاريا، يتمثل في بلورات مجهرية من الحديد تدور باستمرار داخل خلاياه. وقد كشفت دراسة جديدة نشرت في مجلة PNAS أن هذه الحركة ناتجة عن تفاعل كيميائي يشبه الآلية المستخدمة في إطلاق الصواريخ، وهو اكتشاف قد يكشف نقطة ضعف خفية يمكن استهدافها دوائيا.

بلورات غامضة داخل طفيلي الملاريا

داخل كل خلية من خلايا طفيلي الملاريا Plasmodium falciparum، يوجد حيز صغير يحتوي على عدد كبير من بلورات الحديد المجهرية.

وطالما كان الطفيلي حيا، تبقى هذه البلورات في حركة دائمة فهي:

تدور بسرعة

تتصادم

ترتد داخل الحيز المغلق

وتتحرك بشكل عشوائي وسريع لدرجة أن الأدوات العلمية التقليدية عجزت لسنوات عن قياسها بدقة.

لكن المثير للانتباه أن هذه الحركة تتوقف فور موت الطفيلي.

ورغم أن هذه البلورات تُعد هدفا رئيسيا لأدوية الملاريا منذ زمن طويل، فإن سبب حركتها ظل لغزا محيرا.

لغز أهمله العلم لسنوات

يقول الدكتور بول سيغالا، الأستاذ المشارك في الكيمياء الحيوية بكلية سبنسر فوكس إكليس للطب – جامعة يوتا:

"الناس لا يتحدثون عما لا يفهمونه، وبسبب غرابة هذه الحركة وغموضها، ظلت نقطة عمياء في علم الطفيليات لعقود."

اكتشاف مذهل: وقود صاروخي داخل كائن حي

تمكن سيغالا وزملاؤه أخيرا من كشف مصدر هذه الحركة الغريبة.

فقد تبيّن أن البلورات تتحرك بفعل تفاعل كيميائي مشابه تماما للتفاعل المستخدم في دفع الصواريخ إلى الفضاء.

وقد نُشرت نتائج هذا الاكتشاف في مجلة PNAS العلمية المرموقة.

كيف تتحرك البلورات؟ «وقود حيوي» غير مسبوق

توصل الباحثون إلى أن البلورات، المصنوعة من مركب غني بالحديد يُعرف باسم الهيم (Heme)، تتحرك نتيجة تفاعل يُحلّل بيروكسيد الهيدروجين إلى ماء وأكسجين.

هذا التفاعل يطلق طاقة

الطاقة تولّد قوة دفع

القوة تُبقي البلورات في حالة دوران مستمر

وتُعد هذه الآلية شائعة في هندسة الطيران والفضاء، حيث يُستخدم بيروكسيد الهيدروجين كوقود للصواريخ، لكنها لم تُرصد من قبل في أي نظام بيولوجي.

وتوضح الدكتورة إيريكا هاستينغز، الباحثة في الكيمياء الحيوية بجامعة يوتا: "لقد استُخدم هذا التفاعل الكيميائي لتشغيل صواريخ ضخمة، لكنني لا أعتقد أنه شوهد سابقا داخل كائنات حية."

دليل قاطع من التجارب المعملية

لاحظ الباحثون أن بيروكسيد الهيدروجين يوجد بتركيزات مرتفعة داخل الحجرة التي تحتوي على البلورات، وهو ناتج فضلات طبيعية لعمليات الأيض لدى الطفيلي.

والأهم من ذلك:

بيروكسيد الهيدروجين وحده كان كافيًا لجعل البلورات المنقّاة تدور، حتى دون وجود الطفيلي

وعندما رُبيت الطفيليات في بيئة منخفضة الأكسجين (ما يقلل إنتاج البيروكسيد)، تباطأت حركة البلورات إلى نصف سرعتها الطبيعية، رغم بقاء الطفيليات بصحة جيدة.

لماذا تحتاج الملاريا إلى هذه الحركة؟

يرجّح العلماء أن هذه الحركة العنيفة ضرورية لبقاء الطفيلي حيا، وذلك لسببين محتملين:

1. التخلص من السموم

بيروكسيد الهيدروجين مادة شديدة السمية.

وقد تساعد البلورات الدوّارة الطفيلي على "حرق" الفائض منها قبل أن يتسبب في تلف الخلايا.

2. تنظيم تخزين الحديد السام

الهيم الزائد سام للطفيلي.

وتمنع الحركة المستمرة البلورات من التكتل، مما يسمح للطفيلي بتخزين كميات أكبر من الهيم بسرعة وكفاءة.

آفاق جديدة: أدوية وروبوتات نانوية

يشير الباحثون إلى أن هذه البلورات تمثل أول مثال معروف في علم الأحياء لجسيم معدني نانوي ذاتي الحركة، ويرجحون أن هذه الظاهرة قد تكون أكثر انتشارا مما نتصور.

تصميم روبوتات مجهرية

قد تُلهم هذه النتائج تطوير:

روبوتات نانوية ذاتية الحركة

تقنيات جديدة في توصيل الأدوية والصناعة

تطوير أدوية جديدة للملاريا

يرى العلماء أن استهداف هذا التفاعل الكيميائي قد يكون قاتلا للطفيلي: "إذا استطعنا تعطيل التفاعل الكيميائي على سطح البلورات، فقد يكون ذلك كافيًا لقتل الطفيلي"، يقول سيغالا.

وتمثل هذه الآلية هدفا دوائيا مثاليا، لأنها مختلفة تماما عن أي شيء موجود في جسم الإنسان، مما يقلل احتمالات الآثار الجانبية الخطيرة.

وتضيف هاستينغز: "كلما حددنا ما يميز هذا الطفيلي عن خلايانا، فتحنا أبوابا جديدة لتطوير أدوية أكثر أمانا وفعالية.

المصدر: مجلة PNAS العلمية