يجب إلقاء الحجر الفوري على ترامب، لأنه يمهد للعدوان على فنزويلا بحجج لا قيمة لها قانونيًا
مقالات
يجب إلقاء الحجر الفوري على ترامب، لأنه يمهد للعدوان على فنزويلا بحجج لا قيمة لها قانونيًا
عدنان علامه
18 كانون الأول 2025 , 04:29 ص


عدنان علامه -عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

في تصعيد غير مسبوق، أعلن ترامب فرض حصار شامل على فنزويلا، وأعلن "نظام فنزويلا - منظمة إرهابية أجنبية" وفرض حظرًا على ناقلات النفط الفنزويلية؛ وذهب أبعد من ذلك حين برّر هذا الحصار بادعاء «استعادة» أراضٍ وموارد وأموال «سرقتها» فنزويلا من الولايات المتحدة.

فهذا الخطاب لا يعبّر فقط عن تهديد عسكري وشيك جدًا، بل يكشف إنقلابًا خطيرًا على قواعد القانون الدولي، ومحاولة لإعادة إحياء منطق الاستعمار بالقوة تحت غطاء إقتصادي–قضائي واهٍ.

ويطرح هذا المقال سؤالًا قانونيًا مباشرًا: هل يملك ترامب أو الولايات المتحدة أي حق قانوني دولي بالمطالبة بما تصفه واشنطن بأنه «ممتلكات مسروقة» من فنزويلا؟

أولًا: مبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية

يُعدّ مبدأ السيادة الدائمة للدول على مواردها الطبيعية أحد الأعمدة الراسخة في القانون الدولي المعاصر، وقد كُرّس صراحة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 لعام 1962. هذا القرار يمنح الدول الحق الكامل في تأميم واستعادة السيطرة على مواردها الاستراتيجية، بما فيها النفط والغاز، شريطة دفع تعويض عادل عند الاقتضاء. وعليه، فإن ما أقدم عليه الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز عام 2007 من تأميم مشاريع نفطية تسيطر عليها شركة «كونوكو فيليبس» لا يُعد سرقة، بل ممارسة لحق سيادي معترف به دوليًا.

ثانيًا: التأميم في القانون الدولي وليس «الاستيلاء غير المشروع»

فالقانون الدولي يميّز بوضوح بين التأميم المشروع والمصادرة التعسفية. والتأميم، متى تمّ بقرار سيادي وضمن إطار قانوني داخلي، يُعد عملًا مشروعًا، حتى لو تضررت منه شركات أجنبية.

ويتكول النزاع في هذه الحالة إلى نزاع تعويضي مدني، لا يرقى بأي حال إلى نزاع عسكري أو مبرر للحصار أو استخدام القوة. وأقصى ما يتيحه القانون الدولي هو اللجوء إلى التحكيم الدولي أو التسويات القضائية، وليس إرسال الأساطيل وفرض الحصار البحري.

ثالثًا: الأحكام القضائية الوطنية لا تُنشئ حقوقًا دولية بالقوة

غالحكم الصادر عن محكمة أميركية بإلزام فنزويلا بدفع 8.7 مليارات دولار لشركة كونوكو فيليبس هو حكم وطني داخلي، لا يملك أي قوة إلزامية دولية تلقائية؛ وتنفيذ مثل هذه الأحكام يخضع لموافقة الدولة المعنية أو لإتفاقيات تنفيذ متبادلة، ولا يجوز فرضه بالقوة العسكرية أو عبر عقوبات جماعية. واستخدام هذا الحكم ذريعة للحصار أو التهديد بالغزو يُعد إنتهاكًا صارخًا لمبدأ عدم استخدام القوة المنصوص عليه في المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة.

رابعًا: الحصار العسكري كجريمة دولية

فالحصار البحري الشامل، إذا لم يكن مفوضًا بقرار صريح من مجلس الأمن، يُصنّف قانونيًا كعمل عدواني. وفرض حصار على دولة مستقلة بذريعة تحصيل ديون أو تعويضات هو سلوك يعود إلى القرن التاسع عشر، وتخلّى عنه النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. وعليه، فإن أي حصار أميركي على فنزويلا خارج إطار مجلس الأمن يُعد عدوانًا مكتمل الأركان وفق تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة للعدوان لعام 1974.

خامسًا: ازدواجية المعايير وسقوط الشرعية الأخلاقية

في الوقت الذي تعجز فيه الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن حماية مقارّ الأونروا من الاحتلال الإسرائيلي، أو فرض احترام القانون الدولي في فلسطين، تدّعي واشنطن فجأة حرصها على «القانون» حين يتعلق الأمر بمصالح شركاتها النفطية. فهذا الواقع يفرغ أي ادعاء أميركي بالشرعية القانونية من مضمونه، ويحوّل الخطاب القانوني إلى مجرد أداة انتقائية لتبرير الهيمنة وإحتلال أراضي دول مستقلة بالقوة.

سادسًا: السياق الاستعماري التاريخي للإدعاءات الأميركية

غالإدعاء الأميركي باستعادة «ما سُرق»، يتناقض جذريًا مع سجل تاريخي طويل من التدخلات والإستيلاء القسري في أميركا اللاتينية، بدءًا من فنزويلا نفسها عام 1895، مرورًا بكوبا وبورتوريكو وبنما وقناة بنما. هذا السياق لا يُعد خلفية تاريخية فقط، بل قرينة سياسية وقانونية على أن ما يجري اليوم هو إعادة إنتاج لعقيدة الهيمنة القديمة والإستعمار ، لا نزاعًا قانونيًا مشروعًا.

سابعًا: استراتيجية الأمن القومي ونسف النظام الدولي

إن إدراج نصف الكرة الغربي كأولوية قصوى في استراتيجية الأمن القومي الأميركي، مع التعهد بمنع أي قوة خارجية من النفاذ إلى موارده، يمثل نسفًا صريحًا لمبدأ المساواة في السيادة بين الدول. وهذه الاستراتيجية لا تستند إلى القانون الدولي، بل إلى منطق مناطق النفوذ، وهو منطق أُلغي نظريًا مع قيام الأمم المتحدة، ويجري اليوم إحياؤه بالقوة. حتى السلام بالنسبة لترامب يريد أن يفرضه بالقوة.

فمن الناحية القانونية، لا يملك ترامب ولا الولايات المتحدة أي حق بالمطالبة بأراضي أو موارد فنزويلا، ولا يجيز لهم القانون الدولي استخدام الحصار أو القوة لتحصيل نزاع تعويضي مع شركة خاصة.

فما يجري ليس نزاعًا قانونيًا، بل مشروع عدوان استعماري صريح يُغلّف بلغة القضاء والاقتصاد.

لفنزويلا، كما في نهاية القرن التاسع عشر، تُستخدم مجددًا كنقطة انطلاق لإعادة تشكيل نظام دولي قائم على القوة لا على القانون. والتاريخ، الذي يتجاهله ترامب عمدًا، يخبرنا أن هذا المسار لا ينتهي بالسيطرة، بل بانفجارات كبرى تدفع البشرية كلها ثمنها.

وإنَّ غدًا لناظره قريب

18 كانون الأول/ديسمبر 2025