بقايا خروف عاش قبل 4 آلاف عام يكشف لغزا قاتلا من تاريخ الطاعون
دراسات و أبحاث
بقايا خروف عاش قبل 4 آلاف عام يكشف لغزا قاتلا من تاريخ الطاعون
18 كانون الأول 2025 , 13:07 م

تمكن علماء من حل جزء مهم من أحد أكثر الألغاز الوبائية فتكا في تاريخ البشرية، بعد اكتشاف أن سلالة قديمة من الطاعون كانت تصيب الحيوانات المستأنسة قبل آلاف السنين. وجاء هذا الاكتشاف عبر تحليل بقايا خروف عاش قبل نحو 4,000 عام، ما يفتح آفاقا جديدة لفهم كيفية انتشار المرض في العصور القديمة.

الطاعون قبل الموت الأسود

خلال العصور الوسطى، تسبب الطاعون الدبلي في وفاة ما يقرب من ثلث سكان أوروبا، عندما انتقلت بكتيريا Yersinia pestis من الجرذان المصابة إلى البشر عبر البراغيث، فيما عُرف لاحقا باسم الموت الأسود.

لكن قبل ذلك بآلاف السنين، وتحديدا في العصر البرونزي قبل نحو 5,000 عام، ظهرت سلالة أقدم من البكتيريا نفسها، انتشرت بين البشر في أنحاء واسعة من أوراسيا لما يقارب ألفي عام، ثم اختفت. وعلى عكس سلالة العصور الوسطى، لم تكن هذه النسخة القديمة تنتقل عبر البراغيث، مما جعل العلماء في حيرة بشأن طريقة انتشارها وبقائها.

أول دليل على إصابة الحيوانات بالطاعون

كشف فريق بحثي دولي، يضم علماء من جامعة أركنساس، عن أول دليل معروف على إصابة حيوان أليف بالطاعون في العصر البرونزي.

فقد عثر الباحثون على الحمض النووي لبكتيريا Yersinia pestis في بقايا خروف مستأنس عاش قبل حوالي 4,000 عام في موقع أركايم، وهو مستوطنة محصنة في جبال الأورال الجنوبية بروسيا الحالية، قرب الحدود مع كازاخستان.

ويُعد هذا الاكتشاف خطوة حاسمة لفهم كيفية انتقال الطاعون القديم عبر القارات.

دراسة دولية متعددة التخصصات

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Cell العلمية المرموقة، وشارك فيها باحثون من:

جامعة أركنساس

جامعة هارفارد

مؤسسات بحثية رائدة في ألمانيا وروسيا وكوريا الجنوبية

وكان من بين أبرز المشاركين عالم الآثار تايلور هيرميس، الأستاذ المساعد في علم الأنثروبولوجيا بجامعة أركنساس.

تحليل الحمض النووي للحيوانات القديمة

يشارك هيرميس في إدارة مشروع واسع لدراسة الحمض النووي للماشية القديمة، بهدف تتبع:

انتشار الأبقار والأغنام والماعز

نشوء المجتمعات الرعوية

تطور الحضارات البدوية والإمبراطوريات

وأوضح هيرميس أن تحليل عينات الحيوانات القديمة غالبا ما يكشف عن مزيج معقد من الحمض النووي، نتيجة التلوث البيئي والبشري، وهو ما يشكل تحديا علميا، لكنه يتيح في الوقت نفسه فرصة لاكتشاف مسببات الأمراض القديمة.

تحديات تقنية معقدة

يواجه الباحثون صعوبات كبيرة في هذا النوع من الدراسات، من بينها:

تداخل الحمض النووي للحيوان مع حمض نووي بيئي وبشري

قِصر أجزاء الحمض النووي المستخرجة (نحو 50 زوجا قاعديا فقط)

تدهور المادة الوراثية بسبب الطهي أو التعرض للعوامل الطبيعية

ورغم ذلك، نجح الفريق في استخراج الجينوم الكامل لبكتيريا الطاعون من عينة غير بشرية، في سابقة علمية.

أهمية الاكتشاف

قال هيرميس إن العثور على الطاعون في عظام خروف من ثقافة سنتاشتا كان بمثابة إنذار علمي، خاصة أن هذه الثقافة معروفة بـ:

بدايات ركوب الخيل

الأسلحة البرونزية المتقدمة

التأثير الوراثي الكبير في آسيا الوسطى

كيف انتشر الطاعون القديم؟

طرح الاكتشاف سؤالا جوهريا: كيف انتشر الطاعون لمسافات شاسعة في العصر البرونزي؟

يرجح العلماء الآن أن الانتشار لم يكن نتيجة تحركات البشر فقط، بل كان نتيجة تفاعل معقد بين:

البشر

الماشية

مستودع طبيعي غير محدد (مثل قوارض السهوب الأوراسية أو طيور مهاجرة)

ويُقصد بالمستودع الطبيعي حيوان يحمل البكتيريا دون أن تظهر عليه أعراض المرض.

دروس من الماضي

في العصر البرونزي، بدأ أفراد ثقافة سنتاشتا في:

تربية قطعان أكبر من الحيوانات

التنقل المستمر

الاحتكاك المكثف بالبيئات الطبيعية

ويرى الباحثون أن هذا التوسع والاحتكاك الوثيق بالحيوانات ربما ساهم في ظهور الطاعون وانتشاره.

ويؤكد هيرميس أن هذا الدرس لا يزال صالحا اليوم، محذرا من أن التوسع البشري غير المدروس في البيئات الطبيعية قد يؤدي إلى عواقب صحية خطيرة.

يقول هيرميس: "علينا أن نحترم قوى الطبيعة وندرك التوازن الدقيق للأنظمة البيئية التي قد نعبث بها".

المصدر: مجلة Cell
الأكثر قراءة السباق مع الزمن
السباق مع الزمن
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً