عند النظر إلى السماء في فجرٍ صافٍ أو قبيل الغروب، يلفت كوكب الزهرة الأنظار فورا بسطوعه اللافت. ويُعرف الزهرة باسم نجم الصباح أو نجم المساء، وهو ثاني أكثر الأجرام السماوية لمعانا في سماء الأرض بعد القمر. لكن ما السبب الحقيقي وراء هذا اللمعان الاستثنائي؟
الزهرة ألمع من معظم النجوم
يوضح الباحث أنتوني مالاما من مركز حماية السماء المظلمة والهادئة التابع للاتحاد الفلكي الدولي، أن:
كوكب الزهرة أكثر سطوعًا بنحو 100 مرة من نجوم الدرجة الأولى
على مقياس القدر الظاهري المستخدم في علم الفلك، كلما كانت القيمة أكثر سالبية زاد السطوع
يبلغ قدر الزهرة نحو -4.14
بينما يبلغ قدر نجم الشعرى اليمانية (يريوس)، وهو ألمع نجم في السماء، نحو -1.47
العامل الأول: القدرة العالية على عكس الضوء
يُعد السبب الرئيسي لسطوع الزهرة هو ما يُعرف بـ البياض (Albedo)، أي نسبة الضوء الذي يعكسه الجرم السماوي.
بحسب العالم سانجاي ليماي من جامعة ويسكونسن–ماديسون:
بياض الزهرة يبلغ 0.76
أي أنه يعكس 76% من ضوء الشمس الساقط عليه
للمقارنة:
الأرض تعكس نحو 30%
القمر يعكس 7% فقط
المرآة المثالية تعكس 100%
غلاف سحابي كثيف من حمض الكبريتيك
يرجع هذا البياض المرتفع إلى:
غلاف سحابي كثيف يحيط بالكوكب بالكامل
يمتد على ارتفاع يتراوح بين 48 و70 كيلومترا فوق سطح الزهرة
يتكون في معظمه من قطيرات دقيقة من حمض الكبريتيك
هذه القطيرات بحجم بكتيريا تقريبا، لكنها فعالة للغاية في تشتيت ضوء الشمس
ويؤدي هذا المزيج من السحب والضباب إلى عكس الضوء بكفاءة عالية جدا.
هل الزهرة هو ألمع جرم في النظام الشمسي؟
رغم سطوعه الشديد، فإن الزهرة ليس أكثر الأجرام عكسا للضوء في النظام الشمسي.
فالقمر إنسيلادوس التابع لكوكب زحل يمتلك بياضا أعلى قليلا (نحو 0.8).
لكن: إنسيلادوس أبعد عن الشمس بما لا يقل عن 13 ضعفا مقارنة بالزهرة
الزهرة أقرب إلى الشمس ويتلقى ضوءا أقوى بنحو 176 مرة
لذلك يظهر الزهرة أكثر لمعانا من الأرض رغم أن إنسيلادوس يعكس نسبة أعلى من الضوء
العامل الثاني: قرب الزهرة من الأرض
تلعب المسافة دورا مهما في سطوع الزهرة:
متوسط المسافة بين الأرض والزهرة: 170 مليون كيلومتر
أحيانا يكون عطارد أقرب إلى الأرض، لكنه أصغر حجما
قطر الزهرة يبلغ 12,104 كيلومترات، ما يجعله يبدو أكثر إشراقًا
لماذا يَخفت سطوع الزهرة أحيانا؟
لا تبقى المسافة بين الأرض والزهرة ثابتة:
عند أقرب اقتراب، تكون المسافة نحو 38 مليون كيلومتر
يحدث ذلك عند ما يُعرف بـ الاقتران السفلي، عندما يقع الزهرة بين الأرض والشمس
ورغم القرب الشديد:
يبدو الزهرة خافتا جدا
لأن جانبه المضيء يكون غير مرئي تقريبا من الأرض
أطوار الزهرة تشبه أطوار القمر
كما أوضح العالم ليماي:
الكواكب الداخلية تُظهر أطوارا شبيهة بأطوار القمر
أفضل رؤية لسطح الزهرة المضاء تكون عندما يكون على الجهة المقابلة للشمس (الاقتران العلوي)
لكن في هذه الحالة يكون بعيدا جدا عن الأرض ويبدو صغيرا وخافتا
ظاهرة بصرية تشبه قوس قزح
يصل الزهرة إلى أقصى سطوع له عند ما يُعرف بـ نقطة اللمعان الأعظم:
عندما يظهر على شكل هلال رفيع
يحدث ذلك عادة قبل أو بعد الاقتران السفلي بنحو شهر
تشير دراسة عام 2006 إلى أن:
قطرات حمض الكبريتيك تقوم بتوجيه الضوء نحو الأرض
تُعرف هذه الظاهرة باسم التوهج (Glory)
وهي من نفس عائلة الظواهر البصرية التي ينتمي إليها قوس قزح
هل يمكن رؤية كوكب الزهرة نهارا؟
نعم، في بعض الحالات:
عندما يكون الزهرة في أقصى درجات السطوع
يمكن رؤيته حتى في وضح النهار كنقطة لامعة قرب القمر
الخلاصة العلمية
يرجع السطوع الاستثنائي لكوكب الزهرة إلى مزيج من:
غلافه السحابي عالي الانعكاس
قربه من الشمس
قربه النسبي من الأرض
أطواره المختلفة التي تغيّر كمية الضوء المرئي
وبحسب دراسة حديثة، يتراوح قدر سطوع الزهرة بين -4.92 و-2.98، وهو ما يجعله مرئيًا معظم أيام السنة، حتى من داخل المدن.