تشير دراسة علمية حديثة إلى أن زيادة صلابة أنسجة القولون، الناتجة عن الالتهاب المزمن، قد تسهم في تطور وانتشار سرطان القولون والمستقيم المبكر (Early-onset CRC)، وهو النوع الذي يُصيب الأشخاص دون سن الخمسين.
الدراسة قادها باحثون من مركز UT ساوث ويسترن الطبي، ونُشرت في مجلة Advanced Science، وقد تفتح نتائجها الباب أمام أساليب جديدة للوقاية والعلاج من هذا النوع الخطير من السرطان.
تقدم علمي في تحديد الفئات المعرّضة للخطر
قالت الدكتورة إيمينا هوانغ، أستاذة الجراحة ونائبة رئيس الأبحاث الجراحية في UT ساوث ويسترن، إن هذه الدراسة تمثل خطوة متقدمة نحو تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بسرطان القولون المبكر، إضافة إلى تطوير استراتيجيات علاجية جديدة.
وشارك في الدراسة باحثون من جامعة تكساس في دالاس، في تعاون بحثي متعدد التخصصات.
دور القوى الميكانيكية في نشوء السرطان
من جانبه، أوضح الدكتور جاكوبو فيروتزي، أستاذ الهندسة الحيوية المساعد، أن هذه الدراسة هي الأولى التي تُبرز الدور المحوري للقوى الميكانيكية الحيوية في تطور سرطان القولون المبكر.
وبيّن أن تصلّب الأنسجة الضامة لا يغيّر بنيتها فحسب، بل يؤثر أيضا في الإشارات الكيميائية داخل الخلايا السرطانية، مما يدفعها إلى سلوك أكثر عدوانية.
تزايد مقلق في حالات سرطان القولون لدى الشباب
يُصنَّف سرطان القولون والمستقيم الذي يظهر بعد سن الخمسين، دون أسباب وراثية، على أنه سرطان تقليدي أو متفرق، وقد انخفضت معدلات الإصابة والوفيات المرتبطة به خلال العقود الثلاثة الماضية.
في المقابل، ارتفعت بشكل ملحوظ معدلات الإصابة والوفيات بسرطان القولون الذي يظهر قبل سن الخمسين. ومنذ عام 2020، بات هذا النوع يشكّل نحو 12% من جميع حالات سرطان القولون والمستقيم المشخّصة في الولايات المتحدة.
ولا يزال السبب الرئيسي لهذا الارتفاع غير واضح حتى الآن.
الالتهاب المزمن كعامل محتمل
تركّزت معظم الأبحاث السابقة على دور نمط الحياة، والسمنة، والعوامل البيئية في التسبب بالتهاب مزمن في الأمعاء، والذي قد يقود إلى السرطان.
غير أن العلاقة المباشرة بين الالتهاب المزمن وسرطان القولون المبكر لم تكن مفهومة بشكل كافٍ.
منهجية الدراسة والنتائج الأساسية
أوضحت الدكتورة هوانغ أن الالتهاب المزمن يؤدي بمرور الوقت إلى تندّب الأنسجة، مما يزيد من صلابتها تدريجيا. وهذه الظاهرة معروفة بدورها في تطور أنواع أخرى من السرطان، مثل سرطان الثدي والبنكرياس.
لاختبار هذه الفرضية، حلّل الباحثون عينات نسيجية من مرضى خضعوا لجراحة استئصال أورام القولون في مستشفيي ويليام بي. كليمنتس الجامعي وباركلاند هيلث، شملت:
19 عينة من مرضى سرطان القولون التقليدي
14 عينة من مرضى سرطان القولون المبكر
وتضمنت العينات الأنسجة السرطانية والمناطق السليمة المحيطة بها.
أنسجة أكثر صلابة قبل تشكّل الورم
أظهرت الاختبارات أن الأنسجة السرطانية وحتى غير السرطانية لدى مرضى سرطان القولون المبكر كانت أكثر صلابة بشكل ملحوظ مقارنة بمرضى السرطان التقليدي، مما يشير إلى أن التصلّب قد يكون قد حدث قبل ظهور الورم.
دور الكولاجين في زيادة الصلابة
بحث العلماء عن سبب هذه الصلابة المتزايدة، ففحصوا بروتين الكولاجين المسؤول عن التندّب. وتبيّن أن الكولاجين في عينات السرطان المبكر كان:
أكثر كثافة
أطول وأكثر نضجا
أكثر انتظاما في اتجاهه
وهو ما يؤكد الدور المركزي للتندّب الناتج عن الالتهاب المزمن.
كما أظهرت تحاليل النشاط الجيني ارتفاعًا في التعبير عن الجينات المرتبطة بـ:
أيض الكولاجين
تكوين الأوعية الدموية
الالتهاب
وكلها عوامل تدعم فرضية أن الالتهاب المزمن يقود إلى تصلّب الأنسجة.
تأثير الصلابة على سلوك الخلايا السرطانية
لاحظ الباحثون أيضا زيادة نشاط مسار جزيئي يُعرف باسم التحويل الميكانيكي للإشارات (Mechanotransduction)، حيث تحوّل الخلايا القوى الميكانيكية إلى إشارات كيميائية.
وعند تنمية خلايا سرطان القولون على أسطح مختلفة الصلابة، تبيّن أن:
الخلايا تنقسم بشكل أسرع على الأسطح الأكثر صلابة
نماذج العضيات ثلاثية الأبعاد نمت بشكل أكبر وأسرع في البيئات الصلبة
آفاق جديدة للتشخيص والعلاج
تشير هذه النتائج إلى أن البيئة النسيجية الصلبة قد تلعب دورا رئيسيا في بدء نمو سرطان القولون المبكر وتسريع تطوره.
ويرى الباحثون أن:
استهداف مسارات التحويل الميكانيكي قد يوقف أو يبطئ تطور المرض
تطوير اختبارات تقيس صلابة القولون قد يساعد في الكشف المبكر عن الأشخاص المعرّضين للخطر، على غرار دور تنظير القولون في الكشف عن السرطان التقليدي