كتبت فاطمة سلامة:
مقالات
كتبت فاطمة سلامة: "شمال الليطاني قبل "جردة الحساب": تنازلات بلا ثمن".
25 كانون الأول 2025 , 11:03 ص


عادةً ما يُجري الأفرادُوالجماعاتُ والمؤسساتُ والشركاتُ، وما إلى هنالك، "جردة حساب" مع نهاية كل عام، أو ما يُعرف في علم "الإدارة" بجردة نهاية العام.

تُسهم الجردةُ، بشكلٍ كبير، في اتخاذِ القراراتِ اللاحقة، إذ تُبنى الخطواتُ القادمةُ بناءً على النتائج.

إلا في لبنان، مع الأسف، فلطالما سيطرت نظريةُ "العشوائية" على مختلفِ المجالات،وغالبًا،ماتُطلَقُ التصريحاتُ دون أيّ جردةٍ لما سبق؛ وعلى سبيل المثال، قبل أيامٍ، أشار رئيسُ الحكومةِ نوّاف سلام، في تصريحٍ صحفيّ، إلى أنَّ المرحلةَ الثانيةَ من خطةِ الجيش لحصرِ السلاح ستبدأ قريباً شمال الليطاني.

الخبرُ بطبيعةِ الحال سيُفرح، عن غير قصدِ دولتِهِ، حكومةَ العدوّ، ولكن ثمّة سؤال بديهي جدًا يُسأل:"ما الذي حقّقه لبنان بعد أكثر من عام على إقرار اتفاق وقف إطلاق النار؟. لتأتي الإجابة وبكل بساطة، وربما من أشخاص لا باعَ لهم في السياسة والعسكر بـ"لا شيء مُطلقًا". وعليه، أليس الأجدى بالمعنيين في لبنان أن يُمسكوا ورقةً وقلما، مع نهاية العام الحالي، ويُجرون جردةً شاملةً لما التزم به لبنان، وما حقّقه الجيشُ اللبنانيّ، وفي المقابل جردة شاملة لما ارتكبته "إسرائيل"؟.

الجردة المذكورة لا تحتاج إلى شهادة "دكتوراة"، فقط تحتاج إلى عين مجرّدة من الحسابات السياسية والطائفية والخارجية، ترى الحقيقة كما يجب، ليتبيّن أنّ لبنان قام بأكثر مما يتوجّب عليه، من "حصر السلاح"، إلى إقحام "مدني" في التفاوض، وإلى المزيد من التنازلات دون ثمن، فيما العدو لم يُقدّم "صفرًا فاصلة"، بل على العكس زاد من "عربدته" وخروقاته التي لم تقف عند حدّ، وليتبيّن أيضًا أنّ "الدبلوماسيةَ" التي يتفاخر بها بعضُ اللبنانيين، لم تُتَرجمْ من الدولِ المعنيةِ بوقفِ إطلاقِ النار سوى بـ"انحيازية" لمصلحة العدوّ. فبأي منطقٍ يغامرُ لبنانُ بأوراقِ قوَّتِه؟وهل يتقبّلُ"العقل" البشريُّ الطبيعيّ تقديمَ لبنان المزيدَ من التنازلات؟ ولِمصلحةِ مَنْ هذا الأمر؟.

وزيرُ الخارجيةِ الأسبقُ، عدنان منصور ينطلق من السؤال الأساس:"ما الذي حقّقه لبنان؟" ليبني مقاربته في هذا الإطار. وفق قناعاته، قبل الحديث عن الانتقال إلى شمال الليطاني، علينا مراجعةُ المرحلةِ السابقة.

منذ الاتفاقِ على وقفِ إطلاقِ النار، في27تشرين الثاني 2024، وحتى اليوم، يُطرَحُ سؤالٌ واضح: "ما الذي حقّقهُ لبنانُ من هذا الاتفاق؟".

برأي منصور، لم يتحقّقْ شيءٌ، على اعتبارِ أنَّ "الإسرائيليّ" يذهبُ بعيدًا في اعتداءاتِهِ اليومية، مُنْذُ الساعاتِ الأولى لِلِاتفاق؛وهذا الأمرُ ينسحبُ أيضًا على لجنةِ "الميكانيزم"، باعتبارِ أنها آليةُ مراقبةِ الاتفاقِ الذي تمَّ التوافق عليه، وتفعيله.

يُشدِّدُ منصور على أنّ "إسرائيل"، حتى الآن، ما زالت تمارسُ الأعمالَ العُدوانية على لبنان، وتستمِرُّ في اعتداءاتِها اليوميةِ المتكرّرة، الَّتي تُلحِقُ الأضرارَ الماديةَ، وتقتلُ العديدَ من الضحايا.

وهنا يبرُزُ السؤال :

"إذاً، ما الذي حققناه قبلَ أن ننتقلَ إلى مرحلة ثانية؟".

ويَليهِ سؤالٌ آخر :

"هلِ الغايةُ من ذلكَ أنْ تُسَلِّمَ المقاومةُ كاملَ أسلحتِها؟

ونحن نعلمُ أنَّ المقاومةَ تَرَكَتِ المجالَ للدولةِ اللبنانية، وعلّقَتِ الآمالَ عليها وعلى الجيش اللبناني الذي انتشر بشكل واسع في الجنوب اللبناني،وقام بواجبِهِ على أحسنِ وجه. لكنَّ "إسرائيلَ" في المقابلِ لم تُعْطِ لبنانَ شيئًا.

لذلك، قبل الانتقالِ إلى المرحلةِ الثانية، علينا مراجعةُ الحسابات. علينا مراجعةَ الدُّوَلِ المعنيةِ في الشأنِ اللبنانيّ. ما الذي فَعَلَهُ لبنان؟ وما الذي فعلته "إسرائيل"؟

وهل يُعقلُ أن يتساوى المعتدي والمُعتَدى عليه، يُضيف منصور.

على هذا الأساس، فإنّ الانتقال إلى المرحلة الثانية ــ والغايةُ منها تسليمُ السلاحِ شمالَ الليطاني ــ يعني الاستسلامَ للعدوِّ "الإسرائيلي"، ليفعلَ ما يشاء، يقولُ منصور الذي يُشير إلى أنّ العدو يعرف حينها، أنّ لبنانَ يتراجعُ دونَ حصولِ أيِّ رَدِّ فعلٍ من جانبه، وهذا الأمرُ غيرُ مقبول.

نحنُ نستندُ إلى القرار 1701 وعلى لبنانَ أنْ يُراجِعَ المعنيينَ من الدول، ويُبْلِغَهم بأنّهُ احترمَ القرار 1701 ونَفَّذَهُ على الأرض جنوب الليطانيّ، لكن "إسرائيل" لم تحترمه. وإذا كان التعاطي مع المسألة من جانب واحد، أي من جانب بلدنا، فعلى لبنان السلام. لأننا بذلك نقول للعدو "الإسرائيلي" أن يفعل ما يشاء على الأرض اللبنانية، وأن يستبيح الأجواء والبحر والبردون أن يكونَ هناكَ أيُّ ردِّ فِعلٍ من لبنان، وفقًا لمنصور.

وفي سياق مقاربته، يشير منصور إلى أن هناك قراراتٍ أمميةً صادرةً عن مجلسِ الأمنِ الدَّوْلي ترتبط بالقرار 1701، وتدعو إلى انسحاب "إسرائيل" من الأراضي المحتلة،قبل الحديثِ عن تطبيق الـ1701، وهنا يسأل المتحدّث: "هل احترمت"إسرائيلُ"القراراتِ الأمميةَ السابقة؟

كيف يُمكنُ للبنان أن يتجرّد من قوته في الوقت الذي تستمر فيه "إسرائيل" في اعتداءاتها اليومية؟ بالنسبة لمنصور، لا يمكن أن نفصل الـ1701 عن باقي القرارات الأممية، القرارات الأممية تُركّز على انسحاب "إسرائيل" ووقف إطلاق النار. فلتوقف "إسرائيل" اعتداءاتها، بعد ذلك، نستطيع أن نقول كيف يمكن للدبلوماسية أن تتحرّك، يختم منصور مقاربته.

هل حقّقت الدبلوماسية شيئًا منذ عام حتى اليوم؟ يُجيب وزير الخارجية الأسبق على السؤال المذكور، فيلفت إلى أن لبنان رفع في البداية شعار :"بالدبلوماسية نستطيع أن نحرّر الأرض، وبالدبلوماسية نستطيع أن نجعل "إسرائيل" تحترم وقف إطلاق النار والانسحاب من النقاط المحتلة، وتسليم الأسرى"، والمقاومة وضعت نفسها في تصرف الدولة اللبنانية على أساس أن الدبلوماسية تُثمر من خلال المفاوضات والاتصالات وعلاقات لبنان مع الدول المؤثرة والفاعلة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكن هل حققت هذه الدبلوماسية وقف إطلاق النار؟ هل حقّقت الدبلوماسية وحدها انسحاب "إسرائيل" من جنوب لبنان؟ هل جعلت الدبلوماسية "إسرائيل" توقف اعتداءاتها اليومية؟ بل على العكس من ذلك.

وفق قناعات منصور، فإنّ الدبلوماسية التي لا تستند إلى القوة، وإلى موقف لبناني موحّد لا تستطيع أن تحقق الغايات، وفي الداخل اللبناني مع الأسف الشديد، هناك انقسام في الموقف السياسي تجاه المقاومة و"إسرائيل" والتطبيع، وهذا ليس جديدًا بل يعود إلى سنوات عديدة، فهناك مواقف ترتبط بجهات وأجندات خارجية، وتتماشى مع سياسات خارجية، خاصةً عندما يكون الخارج ضد موقف وطني في الداخل اللبناني، فهذه الفئات أو هذه المجموعات تصطف إلى جانبها، يعني مثلًا عندما نجد أن الولايات المتحدة الأميركية لديها سياسة معينة في لبنان، هناك من يرتبط بالسياسة الأميركية وبكل تأكيد هناك تناغم بين الدولة والفئات الموجودة في لبنان.

وهنا، يُعيد منصور ويُشدّد ــ انطلاقًا من خبرته الدبلوماسية الطويلة ــ على أنّه إذا لم يكن هناك موقف وطني جامع لا يستطيع لبنان عندئذ بدبلوماسيته أن يقف بشكل كبير أمام كل ما يتعرض له من اعتداءات وضغوط. أما عندما يكون هناك موقف وطني لبناني جامع وموحّد تستطيع الدولة والحكومة اللبنانية والمسؤولون أن يقفوا بكل قوتهم في وجه كل ما يتعرضون لهُ من ضغوطٍ وابتزازات، وأيضًا من نفوذ.