من باب المندب إلى تقسيم اليمن: الحرب التي خاضتها إسرائيل بدماء غيرها
مقالات
من باب المندب إلى تقسيم اليمن: الحرب التي خاضتها إسرائيل بدماء غيرها
عدنان علامه
25 كانون الأول 2025 , 11:27 ص


عدنان علامه -عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

1) باب المندب: العقدة الإسرائيلية القديمة

منذ قيام الكيان الصهيوني، شكّل مضيق باب المندب هاجسًا استراتيجيًا دائمًا لإسرائيل، باعتباره الشريان البحري الذي يربطها بآسيا وشرق أفريقيا.

حاولت إسرائيل، بالتنسيق مع بريطانيا قبل انسحابها من اليمن، الإبقاء على وجود عسكري مباشر يضمن لها حرية الملاحة، لكن فشل هذه المحاولات أجبرها على البحث عن بدائل أقل كلفة وأكثر خبثًا.

2) من القاعدة العسكرية إلى تفكيك الدولة

بعد فشل الرهان البريطاني، انتقلت إسرائيل إلى خطة جهنمية قوامها تفكيك اليمن ذاته، وتحويله إلى كيان ضعيف ممزق لا يملك قرار السيادة على مضائقه. هنا برز الدور الأمريكي، الذي مهّد عبر نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، لتجاوز الرقابة المصرية التاريخية على البحر الأحمر، وتأمين حرية الملاحة الإسرائيلية دون صدام مباشر مع القاهرة.

3) العدوان بذريعة "الشرعية"

تحت غطاء "إستعادة الشرعية" ، شُنَّ عدوان عربي واسع على اليمن، في حين أن الذريعة نفسها كانت ساقطة قانونيًا؛ فعبد ربه منصور هادي إنتُخب لمرحلة انتقالية مدتها سنتان فقط، وانتهت شرعيته الدستورية قبل اندلاع الحرب، ما يجعل التدخل العسكري عدوانًا مكتمل الأركان لا سند له في القانون الدولي.

4) تقاسم اليمن:

السعودية شمالًا والإمارات جنوبًا

لم يكن الهدف القضاء على الحوثيين، بل تقاسم اليمن ونهب ثرواته. أُنيط بالسعودية ضبط الشمال سياسيًا وأمنيًا، بينما تولّت الإمارات السيطرة على الجنوب، وموانئه، وسواحله، ومقدراته الاقتصادية، في عملية احتلال مقنّع تحت مسمى “التحالف”.

5) الموانئ… والسيطرة الإماراتية شبه الكاملة

فرضت الإمارات نفوذها على موانئ عدن، المكلا، المخا، بلحاف وغيرها، وحوّلتها إلى أدوات نفوذ إقليمي. وحده ميناء الحديدة شكّل عقدة حقيقية، نظرًا لموقعه المباشر على البحر الأحمر وارتباطه الحاسم بمعادلة مضيق باب المندب.

واحتلت الإمارات مجموعة جزر سقطرى والتي تحولت إلى مركز صهيوني متقدم لجمع العلومات في حليج عدن ومضيق هرمز. كما احتلت الإمارات جزيرة ميون (بريم) في باب المندب وانسأت فيها مطارًا حربيًا بعد تهجير سكانها.

6) معركة الحديدة والتدخل الأممي

عندما فشلت القوة العسكرية في إخضاع ميناء الحديدة، فاندلعت معركة ضارية كادت تغيّر ميزان البحر الأحمر، فتدخل المجتمع الدولي سريعًا، وصدر قرار من مجلس الأمن يفرض ترتيبات “أممية” على الميناء، لا لحماية المدنيين كما رُوّج، بل لمنع سيطرة الحوثيين عليه، وضمان ألا تتحول ورقة باب المندب إلى يد يمنية مستقلة.

7) إسرائيل: المستفيد بدون خسارة نقطة دم واحدة

خلال كل هذه السنوات، كانت إسرائيل الرابح الأكبر دون أن تخسر جنديًا واحدًا؛ يمنٌ منهك، سيادة ممزقة، وممرات بحرية مؤمّنة لصالحها بدماء غيرها.

8) لحظة الانقلاب: إسناد غزة

مع بدء حرب الإسناد اليمني للشعب الفلسطيني، انهارت المعادلة التي بُنيت لعقود. فحُرمت إسرائيل فعليًا من حرية الملاحة في باب المندب، وتحوّل الممر من ضمانة أمن إلى كابوس استراتيجي، في سابقة تاريخية غير مسبوقة.

9) الانتقام عبر الجنوب اليمني

أمام هذا الإذلال، لجأت إسرائيل إلى أدواتها الإقليمية، وعلى رأسها الإمارات، لتحريك الجنوب اليمني سياسيًا وأمنيًا. فالتصعيد الإعلامي حول “استقلال الجنوب”، وتحريك المجلس الانتقالي، وإشعال بؤر التوتر، ليست حراكًا عفويًا، بل محاولة مدروسة لإشغال الحوثيين، واستنزافهم داخليًا، وإعادة طرح مشروع تقسيم اليمن كعقاب سياسي للحوثيين.

10) الخلاصة

فما يجري في جنوب اليمن اليوم ليس شأنًا محليًا، بل إمتداد مباشر لمعركة غزة وباب المندب.

فالتقسيم يُعاد طرحه كسلاح، والجنوب يُستخدم كورقة ضغط، لأن اليمن كسر أحد أخطر المحرّمات الإسرائيلية: "أن تبقى الملاحة الإسرائيلية آمنة بلا ثمن".

وإنَّ غدًا لناظره قريب

25 كانون الأول/ ديسمبر 2025