ما المتوقع من لقاء ترامب - نتنياهو؟!!..مؤشر التصعيد في غرب آسيا
مقالات
ما المتوقع من لقاء ترامب - نتنياهو؟!!..مؤشر التصعيد في غرب آسيا
فراس ياغي
26 كانون الأول 2025 , 16:39 م


كتب الأستاذ فراس ياغي

*عندما سقطت "السماء على الأرض" في إسرائيل يوم السابع من تشرين/ أكتوبر، كل شيء تغير، ومعنى التغيير هنا يأتي في كل سياق، تغيير في العقيدة الأمنية وإنعكاس ذلك على الجيوبولتيك السياسي "الجغرافيا السياسية" مرتبطا بالقاعدة الإقتصادية التي يُخطط لها الأمريكي والشركات الإحتكارية المتعددة الجنسية، وبالذات شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي، لذلك في كل مُقترح أو مشروع يُطرح الآن نَسمع فقط عن تسخير التكنولوجيا والذكاء الصناعي كتعبير واضح عن المستقبل المنظور الذي يؤسس لواقع جيو اقتصادي سياسي جديد.

*والجميع يعلم أن التداعيات الإقتصادية التي يعاني منها الإقتصاد الأمريكي تفرض نفسها وبقوة على مختلف بقاع العالم وتعكس نفسها بقوة في إستراتيجية الأمن القومي الذي تبناها الرئيس ترامب، إستراتيجية إخضاع الفضاء الحيوي الجيوسياسي لأمريكا متمثلا في الأمريكيتين، وإستراتيجية الأمن "لإسرائيل" والإقتصاد في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.*

*ومن واقع ما حدث خلال عامين كَ تداعيات للطوفان، نَستنتج أن السابع من تشرين/أكتوبر كان ولا يزال ليس سوى حجة للمخططات المُعدّة سلفا وبالذات لِمنطقة غرب آسيا، بمعنى أنهم كانوا يُخططون للقيام بحدث أمني كبير يتكؤون عليه فيما كانوا عازمين على فعله وهم يفعلونه الآن.*

*الطوفان سبق خُططهم وأربكهم وكاد أن يؤدي بهم لهزيمة ساحقة لو إنتبهت وفكرت جبهات المقاومة وإيران خارج صندوق التفكير التقليدي.*

*قلنا الكلام اعلاه لنقول لكل من يعتقد ان ما يحدث في منطقتنا ولا يزال ليس بسبب السابع من تشرين/أكتوبر، بل هو إمتداد حقيقي للمخطط الأصلي، الذي أعلنه لاحقا الرئيس ترامب في إستراتيجيته للامن القومي من جهة، وللواقع الإسرائيلي ذي التركيبة الداخلية المُعقدة من جهة اخرى، هذه التركيبة التي أطاحت حتى الآن بمفهوم الثقافة الليبرالية الغربية وكشفت حقيقة وجوهر الحركة الصهيونية القومية والدينية والتي إستولت على مقاليد الحكم عبر الانتخابات وتشكلت أكثر حكومة يمينية صهيو دينية مرت على إسرائيل، وإرتبط ذلك أيضا بوضع رئيسها نتنياهو المتهم ويحاكم بقضايا فساد ورشوة وخيانة الامانة، مما زاد المشهد تعقيدا.*

*اليوم ونحن على أعتاب العام الجديد، وقبل اللقاء المصيري المرتقب في نهاية شهر كانون اول/ديسمبر بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وبعد ان توقفت المعارك العنيفة التي حملت صِفة الوحشية والإبادة والتطهير العرقي والتدمير الممنهج من قبل جيش الإحتلال وبدعم ومشاركة أمريكية وغربية، وحل محلها معارك تندرج في نطاق الضغوطات السياسية والخروقات العسكرية الإسرائيلية، وفي محاولة لتحويل المُنجز العسكري التكتيكي إلى مُنجز سياسي إستراتيجي جوهره إقتصادي، إلا أن المُخطط فشل في تحقيق أهدافه، فلا زالت المقاومة في غزة ولبنان مُسلحة وباقية وتُرمم نفسها ومتمسكة بسلاحها، ولا تزال اليمن انصار الله تُشكل الهاجس والتهديد الأكبر بما يتعلق بالممرات والمضائق البحرية ولِ ثروة الطاقة من بترول وغاز في أكثر المناطق حيوية للامريكي والعالم، ولا تزال إيران تُعد العدة وتتجهز بسرعة تُسابق الزمن تحضيرا لأي حسابات جديدة خاطئة بعد معركة الإثني عشرة يوما.*

*إذا الملفات التي تم فتحها منذ عامين لم تُغلق بعد، وإجتماع ترامب نتنياهو سوف يبحث في كيفية إغلاق هذه الملفات بما يؤسس للتغيير الجيو سياسي الذي يتبجح فيه نتنياهو، والسلام بالقوة الذي يبحث عنه ترامب، سلام مفهومه إخضاع الدول ونهب ثرواتها وتحويلها حارسة لأمن إسرائيل وبإشراف الإسرائيلي نفسه.*

*اشير هنا إلى أن الملفات التي سيتم بحثها والتي سيتقرر مصيرها في إجتماع منتجع "مارلاغو" في ميامي في ولاية فلوريدا، يتحكم فيها عناصر عدة تتعلق بمفهوم التوافق والتباين بين الأمريكي والإسرائيلي، رغم أن الإثنان لديهم تفاهم إستراتيجي ثابت.*

*وبين الثابت والمُتغير تظهر العناصر التي تؤثر في التوافق او التباين، والعناصر هي:*

*اولا- دول إقليمية متحالفة مع امريكا او تابعة وظيفيا لها.*

*ثانيا- الإنقسام الداخلي في دول الملفات "فلسطين، لبنان، اليمن، إيران، سوريا، والى حد ما العراق"، إنقسام أساسه سياسي بامتياز، ولكن يتم تحويره لمفاهيم طائفية أو لمفاهيم ومسميات الصراع ضد "الأسلمة السياسية".*

*ثالثا- المفهوم الأمني الجديد في العقيدة الأمنية الإسرائيلية ما بعد سابع تشرين/أكتوبر، "المنع" أو الضربات الإستباقية، وهذا يتطلب حرية حركة ومناطق عازلة.*

*رابعا- الانتخابات الإسرائيلية التي تتصدر مشهد عام 2026 وهذا سيدفع أكثر نتنياهو للذهاب نحو التصعيد لكي يؤكد للجمهور الإسرائيلي وبالذات اليميني منه بأنه "سيد الأمن" الذي يجب أن يبقى على رأس الحك.*

*خامسا- العنصر الترامبي...وهو عامل يبحث عن حسم وإنجاز سريع لأهداف شخصية وإقتصادية، مما ينعكس على عقلية القوة وتسهيل إستخدامها، خاصة مع وجود إستعداد إسرائيلي لتصدر مشهد العنف بشكل ظاهر ومباشر ودعم أمريكي علني بالعتاد والسلاح والغطاء الدبلوماسي، ومشاركة فعلية في الخفاء.*

*بالنظر للعناصر أعلاه نستطيع قراءة طبيعة اللقاء يوم الأثنين القادم في "ميامي" بين الرئيس ترامب ونتنياهو، بأنه لقاء حاسم سيتم فيه الإتفاق او الإختلاف على مستقبل منطقة غرب آسيا.*

*تقديري،*

*ان لا خلافات بين الطرفين، بقدر ما هو مجرد تباين في نوع الأدوات والسياسات التي يجب إستخدامها في المرحلة القادمة بما يتعلق بمجمل الملفات، خاصة ان الطرفان متفقين على أن أمن إسرائيل من امن أمريكا، وأن قوة إسرائيل تحفظ المصالح الأمريكية، وأن التفوق النوعي لإسرائيل عسكريا هذا من الثوابت الأمريكية، وأن الرئيس ترامب هو أكثر رئيس أمريكي خدم إسرائيل، وعليه، فإن لقاء الأربع عيون سوف يضع خارطة طريق لكيفية التعامل مع الملفات التي فُتحت منذ الطوفان، وبحيث يتم مقايضة ملف بِ ملف وفق شروط ومحددات لا تمس الجوهر المتعلق بأمن إسرائيل وتخدم المصالح الأمريكية، وكأن اللقاء يندرج في مفهوم الصفقات الإقتصادية، هذا إذا اخذنا بعين الإعتبار أن الرئيس ترامب ومبعوثيه ليسوا سوى رجال اعمال ورجال صفقات، هذا ما يعلمه نتنياهو، وهو يجيد التعامل مع رجال الأعمال وسوف يتعامل مع اللقاء وفقا لذلك.*

*صحيح ان الرئيس ترامب بحاجة اللوبي الصهيوني والإنجيلي بسبب الانتخابات النصفية للكونغرس ومجلس الشيوخ، وصحيح أن نتنياهو بدأ حملته الإنتخابية مبكرا خوفا من الذهاب للانتخابات المبكرة في حزيران بسبب الخلافات وبالذات على قانون التجنيد، كما ان عام 2026 هو عام الانتخابات في إسرائيل، وهذه عوامل تؤثر على الطرفين وستكون حاضرة في لقاء التاسع والعشرين من ديسمبر.*

*هنا يظهر السؤال المهم، ما هو المتوقع من اللقاء؟ هل منطقة غرب آسيا ذاهبة للإستقرار والهدوء أم ذاهبة للتصعيد؟*

*أعتقد بل أكاد أن أجزم بأن القادم لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال هدوء وإستقرار، والسبب الأساسي مرتبط بِ عاملين، الاول: طببعة الإئتلاف اليميني الصهيو ديني المتطرف الحاكم في إسرائيل ووضع نتنياهو الشخصي؛ والثاني: توق الرئيس ترامب للحسم وتحقيق إنجازات سريعة.*

*تتضح هنا مقولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر "بِأن في إسرائيل لا يوجد سياسة خارجية بل سياسة داخلية"، ونضيف الى الداخلية ايضا أمنية، وعليه استطيع التقدير بأن مُخرجات اللقاء سوف تعتمد على المُدخلات التي سيقدمها نتنياهو على الطاولة، ومجمل هذه المُدخلات ترتبط بالقوة وإستخدام القوة لفرض أجندة الرئيس ترامب في المنطقة والتي هي نفسها أجندة نتتياهو، مع ذلك ستظهر تباينات لكنها لن تصل لدرجة التناقض والخلاف غير القابل للحل، أعتقد من وجهة نظري ستكون مخرجات اللقاء وفقا للتالي:*

*أولا: ملف غزة*

*سيتم مقايضته بملف الضفة، بحيث تَصمت الإدارة الامريكية كما تفعل الآن إلى حد ما عن ممارسات الحكومة و المستوطنين في الضفة مقابل البدء بتطبيق المرحلة الثانية من خطة العشرين للرئيس ترامب وبشكل تدريجي ودون ان يشمل ذلك إنسحاب إسرائيلي من الخط الأصفر إلى الخط الأحمر حيث سيم تأجيله حتى يتم العثور على جثمان "ران غويلي" و الاتفاق على طبيعة ومهمات قوة الإستقرار الدولي، وأيضا استمرار البحث في كيفية نزع سلاح حماس وبداية الإعمار عبر مفاوضات بين طواقم الطرفين، كما ان الفيتو على الوجود التركي سيتم التفاهم عليه وفق حل وسطي يؤدي لوجود امني وبعثة رسمية عسكرية تركية في غزة ولكن بشكل رمزي، اي سيتم التوافق على بدء المرحلة الثانية عبر تشكيل مجلس السلام واللجنة الإدارية الدولية العليا وحكومة تكنوقراط محلية غزية وقوة شرطية فلسطينية تنتشر في مناطق غرب الخط الأصفر، وفتح معبر رفح وفق آلية عام 2005، وسوف يراهن نتنياهو على فشل خطة الرئيس ترامب بسبب تعقيدات الوضع الداخلي الغزي ونتيجة للإنقسام الفلسطيني الداخلي وعبر المماطلة الإسرائيلية.*

*ثانيا- ملف سوريا*

*سوف يضغط الرئيس ترامب على نتنياهو بوقف الهجمات على سوريا، ونتنياهو سوف يتحدث عن الواقع غير المستقر في سوريا وتأثيره على امن إسرائيل والتخوف من طبيعة الحكومة القائمة في سوريا، لذلك سيتفق الطرفان على التسريع لإنجاز الإتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل وهذا ما يتم الحديث عنه الآن في وساءل الإعلام العبري، أي الامور ذاهبة وفق الرؤيا الإسرائيلية، ولكن عبر الوساطة الأمريكية وعبر منع التصادم مع تركيا، وسوف يظهر للسطح من جديد مفهوم اللا مركزية عنوانا للتوصل لحلول مع المكونات والأقليات، وفي نفس الوقت سوف تتحجج إسرائيل لاحقا بعدم إستقرار الدولة السورية ومخاطر ذلك على أمنها إستراتيجيا مما يبقي الأمور تراوح مكانها ويبقى الوضع بالحد الأدنى على ما هو عليه الآن إن لم يذهب للأسوأ.*

*ثالثا- الملف اللبناني*

*سيتحدث الرئيس ترامب عن مهلة جديدة تُعطى للحكومة اللبنانية لكي تعمل على نزع سلاح حزب الله، لكن نتنياهو سيؤكد ان لا فائدة من ذلك مع عدم إعتراضه، بل سيوافق على مفهوم المهلة لفترة زمنية محددة، مع الأخذ بعين الإعتبار أن المهلة قد تأتي بعد أن يأخذ نتنياهو ضوء أخضر لعمل عسكري إسرائيلي محدود في لبنان، ضربات جوية مؤلمة لكنها محدود في الجغرافيا والزمن، وتكون بمثابة إختبار لقدرة حزب الله على التحمل دون رد، واذا ما تم ذلك فسوف يتم الحديث بعدها عن فترة زمنية للحلول الدبلوماسية وفق رؤيا سحب السلاح، وإذا ما رد الحزب فالأمور قد تتصاعد إقليميا لأن إيران لن تسمح بالقضاء على الحزب وتحت أي ظرف.*

*رابعا- الملف الإيراني*

*سيقدم نتنياهو ملف إستخباري كامل للرئيس ترامب حول التحضيرات العسكرية الإيرانية ومخاطر الصواريخ البالستية على إسرائيل والمنطقة، إضافة للحديث حول ما تقوم فيه إيران من ترميم لبرنامجها ومفاعلاتها النووية، لكن الرئيس ترامب لن يذهب بعيدا وسيتم التوافق على إعطاء فرصة للضغوط على إيران ووفق أيضا مهلة زمنية محددة يتفق عليها الطرفان، أي ان الجولة القادمة بين إسرائيل وإيران سيم تأجيلها تحت عنوان مزيد من الضغط والمراقبة والمتابعة ولكنها قادمة حتما وفي المنظور القريب أي قبل الإنتخابات الإسرائيلية بفترة قصيرة.*

*خامسا- ملف اليمن*

*سيتم ربط الملف بالملف الإيراني واللبناني، أي أن التعامل معه سيكون وفقا لما سيفعله الحوثيين في حالة حدث تصعيد مع لبنان أو إيران، غير ذلك سيؤجل البت فيه حتى يتم إغلاق بقية الملفات.*

*إجمالا،*

*كل الملفات ترتبط بالرؤية الإقليمية من دول حليفة وتابعة لأمريكا، ففي ملف غزة سيكون هناك تباين بسببها ولكن سيتم إحتواءه والإستمرار في المحافظة على وقف إطلاق النار وفق الصيغة الإسرائيلية مع البدء التدريجي البطيء في تطبيق المرحلة الثانية من خطة ترامب".*

*في الملف اللبناني سيتم دعم التوجهات الإسرائيلية لأن جزء من هذه الدول الإقليمية وجزء من المكون اللبناني السياسي يلتقي في الأهداف مع إسرائيل، بمعنى ان جبهة لبنان أكثر الجبهات معرضة للتصعيد.*

*في جبهة إيران الأمر اكثر تعقيدا، لأن القرار بخصوصها هو قرار أمريكي وخليجي قبل أن يكون إسرائيلي، ولكن خطة ترامب لمنطقة غرب آسيا عبر توسيع الإتفاقيات الأبراهامية والإرتكاز لمبدأ التزاوج بين الأمن والإقتصاد يتناقض كليا مع أي إستقرار على الجبهة الإيرانية، لذلك الأمريكي الصهيوني ترامب والصهيوني نتنياهو سيتفقان على موعد جولة الحرب القادمة مع إيران.*

*سوريا سيتم التعاطي معها وفق مطالبات الدول الإقليمية المتحالفة مع أمريكا والتي تطالب بإعطاء فرصة للرئيس الشرع لتثبيت حكمه، لكن نتنياهو سيطلب الضغط على الحكومة السورية لتلبية المطالب الإسرائيلية، وفي نفس الوقت ستعمل إسرائيل على إفشال كل خطط ومفهوم وحدة الأرض وسيادة الدولة السورية إما عبر إستغلال وضع الأقليات وبالذات الكردية والدرزية او عبر عدم الإنسحاب من جنوب سوريا.*

*لقاء ترامب نتنياهو سيؤدي إلى تضييق الفجوات والتباينات التي تحدث عنها الإعلام الإسرائيلي بالذات رغم تضخيمها، ولن يذهب نتنياهو مطلقا لأي هدوء او إستقرار في المنطقة دون ما يسميه التغيير الجيوسياسي، أي إخضاع الدول التي تحد إسرائيل في غرب آسيا "لبنان، سوريا، غزة" أما "الضفة" فهي الجائزة الكبرى من حيث فرض السيادة والضم على أغلب الجغرافيا فيها، ومن يعتقد أن المنطقة ذاهبة لأي إستقرار فالأمور مشتبهة عليه ويعيش في صندوق تحليلات ما قبل السابع من تشرين/أكتوبر، حكومة اليمين الصهيو ديني المتطرفة في إسرائيل ومعها الفاسد نتنياهو لا رادع لهم سوى أن يتعرضوا لضربة كبيرة أو هزيمة محدودة.*