حين يعلن نتنياهو «النصر الكامل»: قراءة في الشرق الأوسط الجديد
مقالات
حين يعلن نتنياهو «النصر الكامل»: قراءة في الشرق الأوسط الجديد
وائل المولى
31 كانون الأول 2025 , 10:27 ص

‏لم يكن لقاء دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2025 محطةً دبلوماسية عابرة، بل لحظة سياسية كاشفة عن انتقال الشرق الأوسط إلى طور جديد من إعادة التشكيل. إعلان نتنياهو «النصر الكامل» لم يكن شعارا موجّها للاستهلاك الداخلي فحسب، بل تعبيرا عن ثقة متنامية بأن المشروع الإسرائيلي بات يحظى بغطاء أميركي يسمح له بالمضي قدما ضمن عملية أوسع لإعادة ترتيب الإقليم.

‏اللافت في اللقاء لم يكن فقط ما قيل، بل ما لم يُتم نفيه . فترامب، المعروف ببراغماتيته الصريحة، امتنع عن وضع خطوط حمراء حقيقية أمام سياسات نتنياهو، لا في فلسطين، ولا في سوريا، ولا في لبنان، ولا حتى في الملف الإيراني ولاحتى تركيا . هذا الغياب المتعمّد للقيود يمكن قراءته بوصفه «ضوءًا أخضر» غير معلن، يمنح إسرائيل هامش حركة واسعا لإدارة الصراعات بدل تسويتها، بما يخدم إعادة هندسة موازين القوة في المنطقة.

‏هذا المسار ليس وليد اللحظة. فمنذ تفكك بنى الدول المركزية عقب الربيع العربي، دخل الإقليم مرحلة تفكيك الأدوار قبل تفكيك الكيانات. لم تعد قوى مثل حماس وحزب الله تُستهدف فقط كخصوم عسكريين، بل كعناصر في منظومة إقليمية يُراد إعادة ضبطها تمهيدا لعزل إيران وتقليص نفوذها. وفي هذا السياق، يأتي الضغط المتصاعد على طهران كجزء من استراتيجية استنزاف طويلة النفس، لا كقرار حرب فوري، وإن ظل الخيار العسكري حاضرا كورقة ضغط دائمة.

‏في الملف السوري، يتجلى هذا المنطق بوضوح. فالنبرة الإيجابية التي استخدمها ترامب حيال «مرحلة جديدة» في سوريا لم تُترجم إلى التزامات عملية تُقيّد إسرائيل. الحديث عن «أمل باتفاق أمني» يعكس رغبة أميركية عامة بالاستقرارفي سوريا ، لكنه يقرّ ضمنيًا بعجز واشنطن أو عدم رغبتها في كبح اليد الإسرائيلية، ما يعزز فرضية التفويض الضمني بدل الشراكة المعلنة.

‏لبنان بدوره يبقى ساحة جاهزة للاختبار. فالتكامل الأميركي–الإسرائيلي في مقاربة هذا الملف يوحي بأن خيار التصعيد لا يزال مطروحًا، وإن كان مضبوط الإيقاع، تحكمه حسابات التوقيت والكلفة، لا اعتبارات الردع الأخلاقي أو الاستقرار طويل الأمد.

‏أما البعد الأوسع، فيتجاوز ساحات الصراع التقليدية ليصل إلى تركيا نفسها. فرغم موقعها كحليف أطلسي، تبدو أنقرة اليوم محاطة بحزام ضغوط متكامل: من الجنوب السوري غير المستقر، إلى شرق المتوسط حيث يتبلور تحالف إسرائيلي–يوناني–قبرصي يحمل أبعادا أمنية وطاقوية تتجاوز الغاز إلى إعادة رسم موازين النفوذ البحري. هذا التحالف لا يهدف فقط إلى تقليص الدور التركي، بل إلى تطويقه استراتيجيا، ومنعه من التحول إلى لاعب إقليمي مستقل يفرض معادلاته الخاصة.

‏في هذا السياق، لا تبدو تركيا شريكا كاملا في ترتيب المنطقة، بل طرفا يُراد ضبطه وتحجيم هامش حركته، وربما تحميله كلفة خياراته السابقة، سواء في سوريا أو في شرق المتوسط.

‏في الخلاصة، لا يشير إعلان «النصر الكامل» إلى نهاية الصراعات، بل إلى محاولة لفرض ترتيب جديد للمنطقة وفق منطق القوة والهيمنة المدروسة. غير أن التاريخ القريب للشرق الأوسط يُظهر أن المشاريع التي تُبنى على فائض الثقة غالبا ما تصطدم بمفاجآت غير محسوبة. فهل سينجح نتنياهو فعلا في تحويل هذا التفويض الدولي إلى نصر مستدام؟ أم أن تعقيدات الإقليم، وتداخل ساحاته، ستُنتج مفاجآت قادرة على قلب الموازين وإعادة خلط الأوراق من جديد؟