في مقابلة خاصة، تحدث المذيع والمؤرخ ديفيد أولوسوغا مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن سنوات رئاسته ومذكراته الجديدة التي تحمل عنوان "أرض الميعاد".
وخلال السطور التالية نتعرف على أبرز سبع قضايا طرحت في هذه المقابلة.
حققت المذكرات مبيعات وصلت إلى نحو 890 ألف نسخة في الولايات المتحدة وكندا خلال أول 24 ساعة من طرحها في الأسواق، وهو رقم قياسي لدار نشر "بينغوين راندام هاوس"، ومن المتوقع أن تحتل "أرض الميعاد" مرتبة المذكرات الرئاسية الأكثر مبيعا في التاريخ.
1. "أرض الميعاد" كتاب عن المثابرة والأمل
"أرض الميعاد" هو عنوان الجزء الأول من مذكرات أوباما عن سنوات رئاسته، والذي يتناول السنوات السابقة لحملته الرئاسية وفترة ولايته الأولى.
يؤمن أوباما بفكرة مفادها أننا "إذا كنا مثابرين ومتفائلين، يمكننا أن نجعل الأمور أفضل. إن لم يكن من أجل أنفسنا، فمن أجل المستقبل بالتأكيد".
ويوضح أن عنوان كتابه يشير إلى قصة النبي موسي الذي خرج ببني إسرائيل من مصر. وبعد أربعين عاماً من التيه في الصحراء، مات وهو يرى أرض الميعاد دون أن يصل إليها.
قال أوباما بمذكراته إن الرئيس الروسي كان يذكّره ببارونات السياسة الذين التقى بهم في بدايات حياته المهنية في ولاية شيكاغو.
وأضاف أنه كان "مثل حاكم مقاطعة، ولكنه لديه أسلحة النووية وحق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، ذكرني بوتين في واقع الأمر بنوعية رجال كانوا يديرون شيكاغو ، هم شخصيات صارمة تتمتع بدهاء لا تأبه للعاطفة، يعرفون ما يعرفونه، لم يبتعدوا عن تجاربهم الضيقة، كانوا يعتبرون المحسوبية والرشوة والابتزاز والاحتيال وأحداث العنف المتفرقة أدوات شرعية للتجارة".
وصف أوباما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "صارم وداهية وغير عاطفي"
2. يقول إن قضية العرق أحد خطوط الصدع المركزية في التاريخ الأمريكي
وضع أوباما اللمسات الأخيرة على كتابه خلال صيف هذا العام، في ظل احتجاجات واسعة النطاق وتجدد المطالبات بالمساواة العرقية والعدالة.
ويقول: "قضية العرق بمثابة خيط لا يمر بين صفحات الكتاب فحسب، وإنما خلال رئاستي أيضا. إنها تمثل أحد خطوط الصدع المركزية في التاريخ الأمريكي، إنها خطيئتنا الأصلية".
وبينما كان يتابع تطورات أحداث الصيف، بداية من مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد إلى ردود الفعل التالية، شعر أوباما بـ"مزيج من اليأس والتفاؤل، اليأس بسبب استمرار الدور المزمن الذي يلعبه العرق والتحيز في نظام العدالة الاجتماعية بهذه الصورة الصارخة، والتفاؤل الهائل بأننا نرى تدفقاً من النشاط الاحتجاجي والاهتمام الذي يفوق أي شيء رأيناه من قبل، وكان سلمياً، مدروساً، منظماً ومتعدد الأعراق."
قال أوبامابمذكرته إن الرئيس الفرنسي السابق جمع "كل الانفعالات العاطفية والخطب المبالغ فيها"، كان أشبه بـ "شخصية من لوحات تولوز لوترك".
"كانت المحادثات مع ساركوزي ممتعة ومستفزة، يداه تتحركان دائما، وصدره يبرز إلى الأمام مثل ديك البانتام، كان مترجمه الشخصي إلى جانبه دائما يعكس بلهفة كل إيماءاته وإيقاع صوته، مع انتقال المحادثة من الإطراء إلى المبالغة ثم إلى هدفها الحقيقي، لم يكن يبتعد على الإطلاق عن مهمته الأساسية، فهو لابد أن يحتل بؤرة الحدث، ويُنسب إليه فضل أي شيء جدير أن يُنسب إليه فضله".
قال أوباما إنه أحب "شجاعة وطاقة" الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي
3. يعتقد أن أمريكا بيت منقسم على نفسه
يقول أوباما: "نحن منقسمون للغاية في الوقت الحالي، بالتأكيد أكثر مما كنا حين خضت سباق الرئاسة عام 2007 وحين توليت المنصب عام 2008".
يرجع أوباما بعض أسباب الانقسام هذا إلى عوامل اجتماعية واقتصادية مثل تزايد عدم المساواة، والانقسامات بين أمريكا الريفية والحضرية، وردود الفعل على العولمة.
إنها مشكلة يراها تتكرر حول العالم. "الناس يشعرون كما لو أنهم يفقدون مكانهم على سلم التقدم الاقتصادي، وبالتالي يتفاعلون، ويمكن إقناعهم بأن هذا الأمر يرجع لخطأ المجموعة هذه أو تلك".
مضيفاً أن الرئيس ترامب أجج نيران الانقسام من أجل مكاسب سياسية.
ذكر أوباما بمذكراته انه يُشار إلى المستشارة الألمانية ميركل على أنها "ثابتة، وصادقة، وصارمة من الناحية الفكرية، ولطيفة بالفطرة".
ويقول أوباما إنها ارتابت فيه في البداية، بسبب بلاغته ومهارته في الحديث.
ويضيف: "لا أقصد الإساءة، اعتقدت زعيمة ألمانيا أن النفور من ديماغوغية محتملة قد يكون شيئا صحيا".
وصف أوباما ميركل بأنها "صادقة" و"لطيفة
4. يقول باراك أوباما إن تآكل مفهوم الحقيقة ونظريات المؤامرة لم تجد نفعا
" أسهمت نظريات المؤامرة وما يسميه البعض بتآكل الحقيقة في تعميق الانقسامات بصورة هائلة"، هكذا قال أوباما خلال المقابلة، محذراً من مخاطر عدم الإخلاص للحقيقة.
وتآكل الحقيقة هو مفهوم شاع في وقتنا الراهن في الإشارة إلى الاختلاف المتزايد حول الحقائق والتفسيرات التحليلية للحقائق والبيانات؛ وزيادة في حجم التأثير الناجم عن الرأي والتجربة الشخصية مقابل الحقائق؛ وتراجع الثقة في مصادر المعلومات التي كانت تحترم سابقاً. وهو ما ينعكس في انتشار الأخبار المزيفة وهيمنة تلقي الكثير من الوقائع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح أوباما:" يمثل وباء فيروس كورونا مثالاً كلاسيكياً لصدمة الواقع"، مضيفا أن تجاهل الحقائق بشأن التغير المناخي يمكن أن يؤدي إلى تداعيات "بطيئة" لكنها "أكثر تدميرا".
وأشار أيضا إلى أن الأمر "يحتاج إلى أكثر من جولة انتخابات واحدة لكي يتم إحداث تغيير"، فبالإضافة إلى المعايير واللوائح المعمول بها في الصناعة، يقتضي تحدي المعلومات الخاطئة تغييرا، بحيث يستمع الناس لبعضهم البعض ويفكرون بشكل نقدي أكثر.
ويقول "يجب أن نقر على الأقل بوجود حقائق معينة، قبل أن نبدأ في مناقشة ما ينبغي علينا أن نفعله حيال هذه الحقائق".
وجد أوباما الزعيم التركي أردوغان "يتحلى بالود ويستجيب عموما لطلباتي".
وأضاف: "بيد أنه في كل مرة كنت أستمع فيها إليه وهو يتحدث، كانت قامته الطويلة تنحني قليلا إلى الأمام، صوته متقطع النبرة، ترتفع نغمته في ردة الفعل على الشكاوى المختلفة أو الإساءة المتصورة. تكوّن لدي انطباع قوي بأن التزامه بالديمقراطية وسيادة القانون قد يستمر بشرط أن يحافظا على سلطته".
5. التقدم يصاحبه رد فعل عنيف
يقول البعض إن فترة رئاسة أوباما أدت إلى تدهور العلاقات العرقية داخل الولايات المتحدة، لكنه يختلف مع ذلك، قائلاً "لم أر أبداً أن انتخابي كان تعبيراً عن مرحلة ما بعد العنصرية في أمريكا"، بل على النقيض، أظهرت تلك الانتخابات "تغييراً في المواقف" بين غالبية الأمريكيين.
ويرى أوباما أن رد الفعل العنيف جزء من طبيعة التقدم.
"الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن البلاد كانت أفضل حالاً بعد ثماني سنوات مما كانت عليه حين تسلمت المنصب. وعلى مدى ثماني سنوات كان الأطفال السود والبيض والإسبان والآسيويون وأطفال السكان الأصليين يكبرون وهم يتعلمون أنه يمكن لشخص أسود أن يشغل أعلى منصب على وجه الأرض".
يوصف رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ بأنه "حكيم ورصين وشريف جدا"، وأنه "مهندس رئيسي للتحول الاقتصادي في الهند".
لاحظ أوباما أن سينغ كان "تكنوقراطيا متواضعا، كسب ثقة الناس ليس من خلال مناشدة عواطفهم، بل من خلال رفع مستويات المعيشة، والحفاظ على سمعة طيبة لأنه لم يكن فاسدا".
6. يشعر أن الشباب أكثر تقبلاً للاختلاف
يجد أوباما أملاً عظيماً في الطريقة التي تفكر بها الأجيال الشابة بشأن الاختلاف والمساواة. "هم يعتقدون أننا علمناهم، وأن مدرسيهم علموهم، رغم أننا لا نعتقد في ذلك".
ويقول "لا يهم إن كنت في جوهانسبرغ أو بوينس أيريس أو هو تشي منه. إنهم يتشاركون نفس الأسلوب. إنهم يتقبلون صدام الحضارات. هم معتادون على الموسيقى والمأكولات والكتب والرقصات من كل مكان".
"اعتقد أن السؤال سيصبح كيف يمكننا أن نخلق مؤسسات تعكس هذه الروح الجديدة؟".
يرى أوباما أن مؤسساتنا الحالية تركت الناس يشعرون بالقلق وعدم اليقين وعدم الاستقرار. لذا نحتاج لإيجاد "مؤسسات جديدة تسمح لنا بأن نكون شاملين للجميع، ولكن مع الاستجابة لاحتياجات الناس اليومية أيضا".
كان أوباما معجبا بفاتسلاف هافيل، أول رئيس لجمهورية التشيك بعد الثورة المخملية، لكنه وجد خليفته فاتسلاف كلاوس أكثر إثارة للقلق.
قال أوباما إنه كان يخشى من أن يمثل الرئيس المتشكك في أوروبا الصعود الشعبوي اليميني في شتى أرجاء أوروبا، ويجسد "كيف تسببت الأزمة الاقتصادية (2008-2009) في تأجيج الحث القومي، والمشاعر المناهضة للمهاجرين، والشك في الاندماج ( الأوروبي)".
وأضاف: "بدأ المد المفعم بالأمل للديمقراطية والتحرير والاندماج، الذي اجتاح العالم في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، في الانحسار".
التقى أوباما فاتسلاف كلاوس (في الوسط) والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف (يسار) في براغ عام 2010
7. يشعر بتفاؤل حذر حيال المستقبل
على الرغم أن أمريكا "مليئة بالعيوب والتناقضات"، يؤمن أوباما بقدراتها.
ويشدد على القول "التاريخ لا يسير في خط مستقيم، قد يكون متعرجاً وقد يتحرك للوراء. إذا كنت أمريكياً من أصول أفريقية خلال فترة إعادة الإعمار ما بعد الحرب الأهلية فربما كنت تشعر بالتفاؤل الشديد. وبعد ذلك بخمسة عشر عاماً، ربما كنت متشائماً للغاية بسبب حدوث انكماش اقتصادي هائل".
ومع ذلك فإن عمل دعاة إلغاء عقوبة الإعدام وأنصار حق التصويت والحركات العمالية، ومؤخراً حركة الدفاع عن حقوق المثليين ومزدوجي الجنس والعابرين جنسياً يعبر عن "مسار تصبح فيه الديمقراطية الأمريكية أكثر شمولا".
ويشرح أوباما أن " هذا جزء مما يدور حوله كتاب "أرض الميعاد". أي الرغبة في أن يُنمي الشباب هذا التفاؤل الحذر بأن العالم يمكن أن يتغير. لكن عليك أن تكون جزءاً من هذا التغيير".
وصف أوباما في مذكراته ديفيد كاميرون، المحافظ الذي تلقى تعليمه في كلية إيتون، وشغل منصب رئيس وزراء بريطانيا خلال الفترة من 2010 إلى 2016 بأنه "هاديء وواثق"، وأنه كان يتمتع "بثقة طبيعية لشخص لم تتعرض حياته لضغوط شديدة من قبل".وقال أوباما إنه كان يشعر بارتياح تجاهه كشخص ("أحببته شخصيا، حتى عندما كنا نختلف")، لكنه لم يخف حقيقة عدم اتفاقه مع سياساته الاقتصادية.
وكتب: "التزم كاميرون على نحو وثيق بعقيدة السوق الحرة، فبعد أن وعد الناخبين بأن برنامجه الرامي إلى خفض العجز وتخفيض الخدمات الحكومية، فضلا عن الإصلاح التنظيمي وتوسيع رقعة التجارة، سيفضي إلى حقبة جديدة للقدرة التنافسية البريطانية".
أضاف أوباما: "بدلا من ذلك، كما كان متوقعا، سقط الاقتصاد البريطاني في ركود أعمق".
ديفيد كاميرون وباراك أوباما يلعبان الغولف خلال زيارة الرئيس الأمريكي عام 2016
المصدر
وكالات أمريكية+بي بي سي
