كتب ؛ محمد سعد عبد اللطيف .مصر
إذا دققنا قليلاً نعلم أن لا شيء ثابتاً، ليس حولنا فقط، وإنما على جميع محاورنا الكونية، فالمادة غير ثابتة، والزمن غير مطلق، الاستثناء الوحيد يكمن في سرعة الضوء التي لا تتغير،
لذلك (لا تستطيع أن تبقي في النهر مرتين )
فمنذ حوالي 500 عام قبل الميلاد كان ميلاد الفيلسوف الباكي . وسماه بعض القدماء .المعتم . المعروف في الوسط العلمي (هيراقليطس) . من بلاد اليونان . يدقُّ ناقوس الخطر في الربع الاول من القرن الحالي ليوقظ النيام ويرفع عصاه ليعيد موكب الجماهير إلى منبع الحكمة، حكمة التغيير .أعداء الآمس أصدقاء اليوم .وأصدقاء الأمس أعداء اليوم .منذ أيام كان الكيان الإسرائيلي العدو الاول واليوم الصديق . واليوم نعيش مع رواية الاديب الروسي(ديستوفسكي ) الأخوة الأعداء داخل القطر الواحد أعداء . لنغوص في بحور المعرفة والحكمة ماقاله الفيلسوف (هيراقليطس )
(لاتسطيع أن تبقي في النهر مرتين ) لآن المياه متجددة . ومع خريطة سياسية جديدة للعرب وناموس الحياة الجديدة . يقول صاحب الفكر الماركسي كارل ماركس . لاتستطيع عبور النهر مرتين . ليشكل للإنسان حيرةً في معنى هذه الحياة الزاخرة بالحيوية والنشاط والاتساع والتكاثر، فهل الحياة مولودة هذا العالم؟ أم العالم هو مولودها؟ مؤكدٌ أن كل مولود بشري سيغادر هذه الحياة من دون مبرر، على الرغم من وجود الأمراض والحوادث وانتهاء العمر الفني والحروب، وأيضاً نحن دخلنا الحياة بمبرر، ولكن من دون إرادة منا، والذي نمتلكه وندركه هو وجودنا بين المرحلتين، ونحن لا نعرف ما كان، رغم أننا نبحث ونغوص في الماضي اللامتناهي الأبعاد، وأيضاً نجهد في التخيّل، لنعرف ما سيكون، ففي الشهور الماضية في مصرنا المحروسة عشنا مع عملية الاستحقاق وعملية الأنتخابات البرلمانية . كان شعوري أن
ناموس الحياة في مسقط رأسي علي
علي الصعيد المحلي بدأ في أختفاء وجوه وصعود وجوه أخري .سألني صديقي لماذا هذا التشاؤوم .وكانت الصدفة ونظراتي حول بناية قديمة كانت في عصرها .(قصر ) وحولها بيوت من الطين اللبن . والأن هي خاوية علي عروشها. هكذا هي سنة الحياة في الحركة والتغيير .وتذكرت فلسفة الفيلسوف
هيراقليطس. والنهر .فقررت ان اكتب مقالي هذا .بعد ما توقعت من التغيير كانت حكمة الفيلسوف الباكي .حاضره في فكري وذهني من أختفاء شخوص من مسرح الفوز بمقعد في البرلمان رغم ان التاريخ أخبرنا عن رجال عاديين غيروا تاريخ
شعوبهم .وعلي سبيل المثال (لولا دا سلفا ) ماسح الاحذية في البرازيل أنقذ البرازيل من حالة الافلاس واصبحت سادس أقتصاذ في العالم .
الفليسوف( المعتم )رفض أن يشارك في حكم المدينة التي ولد فيها، أو يشرِّعَ لها القوانين لا عن أنانية ، بل لاعتقاده بأن دستور هذه المدينة ومواطنيها قد بلغوا من الفساد حدًّا يعجز معه عن إصلاحهم: من الخير للأفيزيين أن يشنقوا أنفسهم واحدًا واحدًا، وأن يتركوا المدينة لغير الذكور فهم الذين طردوا هرمودوروس (أحد أصدقاء هيراقليطس) أكرم رجالهم قائلين له: ليس مِنَّا من يفضلنا في الكرامة، وإن وُجِدَ فينبغي له أن يعيش في بلدٍ آخر وعند قوم آخرين .وراح هيراقليطس يعبِّر عن احتقاره المر للجماهير الذين يسميهم بالكثيرين والذين يرقدون على حد قوله: «شباعًا كالبهائم» ويُسفِّه آراءهم ويزري بشعائرهم وطقوسهم، إيمانًا منه بأن الواحد حين يكون عظيمًا يفضل عنده عشرة آلاف وأخذ يُسلِّط نظرة القاضي القاسية على أسلافه، فهو يعترف أن هوميروس هو أحكم اليونانيين جميعًا، ولكنه ينصح هؤلاء اليونانيين مع ذلك بأن يطردوه من مدينتهم، وينهالوا عليه وعلى الشاعر أرخيلوخوس ضربًا بالسياط ولم ينجُ الشاعر هزيود من هجومه المفزع، ولا نجا أعظم اليونانيين من لسانه السليط، إنه يتهمهم جميعًا بأنهم علَّموا الناس أن يحشوا رءوسهم بالحفظ والمعرفة، إن الفيلسوف الباكي كان الغائب الحاضر الأن في المشهد السياسي العربي . في منطقة قال عنها في اول زيارة لة عندما تولي حقيبة الخارجية السيد( هنري كيسنجر ) قال عنها منطقة متعجرفة معقدة . لابد أن نصنع التغيير .فذهب علي شاطيء بحيرة طبريه ونظر الي الشاطيء الأخر للقوات السورية المرابطة لابد من تحريك المياه الراكدة من حالة لاحرب ولاسلام كانت بداية التفكير في حرب تحريك بإعلان حرب أكتوبر 73. لتكون بداية التغيير في الخريطة السياسية واليوم ناموس الحياه يعود مع التطبيع والتغيير . كما قالها .الفيلسوف الباكي . علي عروش العرب .
ها هو ذا هيراقليطس يبرز من بين الأمواج الأبدية وينادي: لست ُ أرى إلا التحول والتغيُّر، لا تخدعوا أنفسكم ولا تلوموا حقيقة الأشياء، بل لوموا قصر نظركم إن ظننتم أنكم تبصرون أرضًا ثابتة في بحر الكون والفساد. أنتم تخلعون على الأشياء أسماءً، وكأنما هي ستبقى إلى الأبد، ولكن النهر الذي تنزلون فيه للمرة الثانية ليس هو نفس النهر الذي نزلتم فيه أول مرة. كل شيء في الوجود في صراع وتغيُّر دائمَين، فما من شيء إلا وهو في صراع مع الضدِّ المقابل له، وما من شيء إلا وهو في صيرورة متصلة وتحول مستمر، ونهر الحياة يسيل على الدوام؛ فنحن لا ننزل فيه مرتين. ومن العبث أن نتشبث بالموجة إذ لا تلبث. أمواج أخرى أن تجرفنا، ولا يلبث تيار الماء أن يتجدَّد تحت أقدامنا. أنت تنزل في النهر الواحد ولا تنزل فيه؛ ذلك أن النهر الواحد لا يبقى نفس النهر، وأنت أيضًا لا تبقى على ما أنت عليه، فنحن ننزل في نفس الأنهار ولا ننزل فيها، ونحن نكون ولا نكون ذلك أننا نتغير على الدوام، وإن احتفظنا أمس واليوم وغدًا بأسمائنا. كل شيء يسيل على الدوام، كل شيء يخطو إلى الأمام ولا يبقى على حاله، كل شيء يتغير ويتبدل، وما لشيء على وجه الأرض من ثبات، وكل ما هو موجود فلا بد له أن يهوي إلى العدم، إن كان يريد أن يتشبث بالوجود، والدهر طفل يلعب، ويُرتِّب الأحجار على لوحٍ كبير، وما أروعه من لعب ملوكي يقوم به طفل صغير: نهار وليل، شتاء وصيف، حرب وسلام، شبع وجوع. وتعمُّ الحرب وينشب الصراع بين جموع الأشياء، وينشأ كل ما في الوجود بمقتضى الصراع والتنازع؛ فالحرب هي أم الأشياء وملكتها جميعًا، تجعل البعض آلهةً وأبطالًا، وتجعل البعض الآخر بشرًا، وتحيل البعض عبيدًا، كما تجعل غيرهم أحرارً غير أن الأضداد تلتقي في النهاية، والأعداء لا يلبث الصلح أن ينعقد بينهم، ويجتمع الكل وما ليس بكل، ويتألف المتجانس والمتنافر، وينسجم القوس مع الوتر. وليس معنى هذا أن الصراع سيتوقف إلى الأبد، أو أن تيار الحياة سيجفُّ، وعجلتها ستكفُّ عن الدوران، بل معناه أن التحول مستمر، وإن كُنَّا سندرك الثبات من وراء التحول؛ ذلك أنه يتفرق ثم يتجمَّع، ويبتعد ثم يقترب، ولا يلبث المجتمع أن يتفرق من جديد، ولا يلبث القريب أن يبتعد. غير أن الواحد في تحوُّله باقٍ، ونفس الشيء هو الحي والميت، والمستيقظ والنائم، والشابّ والعجوز، والحلو والمر، والطريق الصاعد والهابط والمستقيم والملتوي واحد ونفس الشيء، والخير والشر واحد ونفس الشيء أيضًا، إنه عنده هو الكل، كما هو عنده الواحد. والحياة جَرَّة تمزج العسل والمر، والنصر والهزيمة، والليل والنهار بلا انقطاع. وإذا كان نهر الوجود يسيل على الدوام، فإن الأبدي يتدفَّق أيضًا على الدوام في جميع الأشياء، وإنما يكشف الصراع بين الأضداد عن العدالة الكامنة وراءه، وتدلُّ الكثرة المتغيِّرة على الوحدة الباقية.
ولكن ما هو هذا الذي يبقى وإن تحول، ويدوم على رغم التغيُّر والتبدُّل .
إن هيراقليطس يسميه تارة بالإله، وأخرى بالدهر، وثالثة بالطبيعة أو الحقيقة أو الجوهر، إنه عنده هو الكل، كما هو عنده الواحد. النهر الذي يسيل دائمًا وتتغير مياهه في كل لحظة، ويظل مع ذلك هو نفس النهر؛ فأنت تخوض فيه وتحسُّ بتدافع الأمواج من حولك، وانسياب المياه على جسدك، وتعرف أن النهر واحد، ولكنك تعرف أيضًا أن المياه تتغير فيه، والأمواج تذهب وتجيء، وأن حياتك موت لغيرك، كما أن موتك حياة للآخرين، وفي كل لحظة تسبح فيها في النهر يأتيك الدليل على أن النهر واحد ومتغيِّر، وأن جسدك واحد ومتغيِّر أيضًا، وتعرف أن الزمن باقٍ وإن أفنى كل ما فيه؛
. ومع الذكري العاشرة للربيع العربي هل تهب علينا رياح التغيير .مرة أخري أو أنك لا تنزل النهر الواحد مرتَين.
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب مصري وباحث في الجغرافيا السياسية