ثقافة
عندما بدؤوا بسلخ جلد الشاعر ، شُحب وجهه ، فقال له القاضي ساخراً: «إذا كنت الحق كما تدعي فلماذا بدأ وجهك بالشحوب؟ فرد عليه نسيمي قائلا: «الشمس تشحب دائماً عند المغيب.. لتشرق من جديد».
https://www.youtube.com/watch?v=eVrZQRECvCk
في عهد السلطان العثماني «مراد الأول»، ظهر من يُدعى فضل الله بن محمد التبريزي المعروف بالحروفي. وقد دعا «التبريزي» تيمورلنك الى هذا المذهب ؛ فعزم تيمورلنك على قتله .
مذهبه بقى بعده الى منتصف القرن السابع عشر الميلادي.
وتمذهب به شاعران هما عماد الدين نسيمي.. ومريده الشاعر «رفيعي».
كتب الشاعر أعماله الغنية والخلاقة، بثلاث لغات - التركية (التركية الأذربيجانية) والفارسية والعربية وقد وصلنا الكثير من أعماله المكتوبة بالتركية (لغته الأم) والفارسية. إن الشاعر قد كتب وصنع الشعر الكلاسيكي في مختلف أشكال الفن وأنواعه (الغزل، والقصائد، والمستزاد، والعروض، والرباعيات، والمثنويات، إلخ)، كما وضع نسيمي أسس القصيدة الفلسفية باللغة الأم في الأدب الأذربيجاني.
و برع نسيمي في نظم حزنه ومعارضته بقوة بأسلوب جميل وقيم تحمل معاني الشجاعة والعاطفة والتشويق.
أسلوبه:
حاول النسيمي أن يعكس العلاقة المباشرة التي لا تنضب بين الخالق وعبده من خلال فلسفته الخاصة واستخلص دارسو مجموعة النسيمي الشعرية التركية «الديوان» أنه قد مرّ على صعيد تطوره الفكري والفني الشعري بمرحلتين أساسيتين:
•مرحلة ما قبل التقائه المعلم فضل الله الأسترابادي ـ مؤسس المذهب «الحروفي» والذي أُتهم بالهرطقة وأُعدم في عام 1393
حيث تأثر النسيمي بعمق بأعمال كبار شعراء الصوفية مثل أحمد يسوي (ت.1166) وجلال الدين الرومي ويونس إمره (1240-1321) والتأثر الأكثر كان بكتابات الحسين بن منصور الحلاج شهيد المتصوفة الأول.
وقد ظهرت آثار ذلك بجلاء في قصائده الأولى، كما ظهرت في شعره في الوقت نفسه أغراض شعر الغزل الدنيوي كالشوق والفراق واللقاء بجمالية فريدة ذات طابع تجديدي. وقد كان النسيمي آنذاك من أتباع الشيعة الاثني عشرية، وعبّر في كثير من قصائده عن إيمانه هذا بإسهاب وعمق تصويري.
• المرحلة الثانية ترتبط بالتقائه المعلم فضل الله الأسترابادي في مدينة باكو، وكان بمنزلة المنعطف الحاسم في مصيره؛ إذ إعتمدت على تفسير الوجود والكون مستعيناً بتأثره بالكتب السماوية إضافة إلى عناصر من التراث الإيراني القديم.
وسرعان ما صار النسيمي بمنزلة خليفة المعلم في الحركة الصوفية الحروفية، فتغيرت مضامين أشعاره وإيقاعاتها، ولقَّب نفسه في قصائده الجديدة لأول مرة بالنسيمي أسوة بمعلمه الذي لقَّب نفسه بـ "نعيمي"
ولما كان الإنسان أجمل تمظهر لعملية الخلق الإلهي، فقد تجلى الله في أحسن خلقه. ولما كان وجه الإنسان أبرز أجزاء جسمه وهو قابل للتفسير بالقيم العددية، فعلى الإنسان اكتشاف نفسه وفهمها كي يجد طريقه إلى الله.
سبب تكفيره وطريقة قتله :
تجاوز النسيمي في حماسته لإيمانه كل الحدود التقليدية والنمطية المتعارف عليها دينياً واجتماعياً، وكان تأثيره في الناس سريعاً وعميقاً، مما جعله خطراً على الدولة المملوكية في سورية التي قررت التخلص منه.
بعد عدّة ملاحقات في بلدان عدّة استقرّ ، المقام بالنّسيمي في مدينة حلب التي كانت خاضعةً لحكم المماليك آنذاك ، وسرَت دعوته وتحلّقه حوله الشّباب ، فاستشعرت السّلطة السّياسيّة مع الفقهاء خطورة دعوته ، أمّا الفقهاء فكانوا يرون دعوته إلى الدّين وعلى الشّريعة بما فيها من انحرافات. ، بينما بدأ المماليك يرون فيه خطرًا على استقرار سلامتهم لاتّساع تأثيره وخشيتهم من تحوّل ثوريّته الفكريّة إلى ثوريّة سياسيّة.
وبتحريض من الشّيخ شهاب الدّين أحمد بن هلال الحسبانيّ الشّافعيّ الصّوفيّ ، وبتدبير مكيدة من سلطة المماليك تمثّلت في وضع بعض أوراق المصحف في حقائب النّسيمي وروايات أخرى قالت أنه وضعها في نعليه ومن ثم الوشاية به ؛ ووقف بعد الوشاية أمام القاضي سأله: ما الحكم في اليد التي تعبث بالقرآن؟ فأجاب: تقطع ، فقال: ها أنت أفتيت لنفسك ، فما كان منه إلّا أن أعلن أن يسلّم امره لله...!
وحكم عليه بالإعدام بطريقة في غاية البشاعة وهي السّلخ حيًّا ثمّ تقطيع أعضائه وهو يسلَخ إلى أن تكون النّهاية بقطع رأسه ، وأن يكون ذلك في ساحة عامّة وربط النسيمي إلى مسلخه ، بما في ذلك من محبّيه الباكين عليه ، ليكون عًبرة لهم !
ويقول كتاب «تاريخ الأدب التركي» إن مفتي حلب كان من شهود قتله. وما شهد الكافر وهو يلقى الجزاء على كفره حتى صاح عليه غاضباً وهو يقول: إنه نجس يموت ميتة نجسة، ولو وقعت نقطة من دمه على جارحة من جوارحي لقطعتها! وكان من عجيب الاتفاق أن يُكشط جلد نسيمي، فيصيب المفتي رشاش من الدم، وتسقط على إصبعه، وتنبه إلى ذلك صوفي كان حاضراً، فالتفت إلى المفتي وقالك لقد سقطت نقطة من دمه على إصبعك فاقطعها كما وعدت أيها المفتي».
ويقال إنه عندما بدؤوا بالسلخ، شُحب وجه الشاعر، فقال له القاضي ساخراً: «إذا كنت الحق كما تدعي فلماذا بدأ وجهك بالشحوب؟ فرد عليه نسيمي قائلا: «الشمس تشحب دائماً عند المغيب.. لتشرق من جديد».
من أقواله الفلسفية هذه العبارات ذات الدلالة:
إنك تحتاج كي ترى وجهي
إلى عين تستطيع أن ترى الله.
مختارات من أشعار النسيمي :
•اعلم أيها الإنسان أن نعمة الله هي الإنسان.
وأن سيد الكون هو الإنسان
وأن ذروة الخلق كله هي الإنسان
وأن مالك الأرض والسموات هو الإنسان.
•أنا الجسد والروح
ولكن الجسد والروح لا يسعاني.
•لا إله إلا نحن
نحن نعرف ذلك دون ريب
عندما نرفع القناع عن وجهنا.
•اعطني حبًّا وخذْ الغد لنفسك.
فإن ساعة أقضيها مع حبيبي
لن أبادلها بكل الدهر.
•لقد غصتُ في بحر لا أستطيع عبوره
لقد وقعتُ على كنز خالد لا يدركه الفناء.
لقد دخلت مدينة قناطرها لا يقدر عليها الدمار
لقد وجدتُ قمرًا لا عيب فيه.
•أنا الصدفة واللؤلؤة معًا
أنا الطريق إلى الجنة
ساحة الدنيا لا تسعني
أنا الكنز الإلهي الدفين
أنا العين التي تبصر.
•كوني حبيبتي
فروحي لا تصبوا إلى غيرك.
أنت حبيبة روحي
وروحي لا تصبو إلى غيرك.
إن حديقة ورد وجهك هي جنة النعيم في الفردوس
صور :
"نسيمي " فيلم من انتاج استوديو أذربيجان فيلم في 1973 كان بمناسبة الذكرى الستمائة لمولد الشاعر
تحتضن تربة "حلب" رفات الشاعر الصوفي الأذربيجاني "عماد الدين النسيمي" وذلك في زاويةٍ واقعةٍ في الطرف الشمالي من خندق القلعة تُسمى "زاوية النسيمي
طابع بريدي من الإتحاد السوفيتي صدر في الذكرى الستمائة لمولد عماد الدين النسيمي، 1973