كتب حليم خاتون:
مقالة الكاتب قاسم قصير والردود عليها، والتفاعل معها، يجعل من الضروري ومن الواجب إعادة البحث في موقف حزب الله من السلطة، رغم أهمية ما يحدث الآن في أمريكا ووجوب متابعة هذه الأحداث، لما قد تحمله من تغيُّرات، ولو غير سريعة الحدوث، ولكنها شبه حتمية، وقد تفوق في تأثيراتها على العالم، وفي منطقتنا خصوصا، تأثيرات سقوط الاتحاد السوفياتي.
عنوان حزب الله والسلطة، هو في الحقيقة عنوان واسع جداً ويجب على من يتناوله أن لا يقتصر على مقالة، مهما طالت، لن تستطيع بسهولة تناول موضوع بحثي اقتصادي اجتماعي طبقي سياسي جامع بامتياز.
هل أخطأ الكاتب قاسم قصير؟
في عدة كتابات لي، كنت شديد الانتقاد لتعفّف حزب الله عن استلام السلطة في لبنان؛ ما يجعلني في موقف يبدو معادياً، أو على الأقل، مخاصماً لموقف الأستاذ قصير الذي أحرص جداً على متابعته، حتى قبل قراءة مواقفه ودعوته ل"ويستفاليا" عربية مطلوبة جداً في المنطقة.
إن أيّ حزب، وليس فقط حزب الله، يقول: إنه لا يريد استلام السلطة، هو إما منافق، وإما قصير الرؤيا.
حزب الله بالتأكيد ليس حزباً منافقاً.
إذاً ما الأمر؟
ولماذا يتأبى الحزب هذا الطريق، برغم تملكه قلوب أكثر من نصف اللبنانيين، وليس فقط البيئة الشيعية فيها.(وفي هذا، نقطة قوة وضعف للحزب في آن واحد)؟
في أحاديث مقتطفة للسيد نصرالله تعود إلى ما قبل الانهيار الاقتصادي الكبير بكثير، ربما إلى فترة التسعينيات، قال السيد كلمة جوهرية وقد تختصر الكثير من البحث؛قال السيد:
إن المقاومة، وتحرير الأرض يتطلب من حزب الله إعطاء الدم، بذل الدم.
في هذا، ليس عند الحزب والمقاومة أي مشكلة ( انطلاقا من وطنيته وحسينيته).
أما في محاربة الفساد، ( ومحاربة الفساد، يعني تلقائيا أخذ السلطة، ولو بالقوة)، فهذا يعني أخذ دماء الآخرين ( بمعنى آخر، الحرب الأهليةوقتال الآخرين) وهذا ما لا يريده حزب الله وما لا تريده المقاومة.
لقد فتّش الكاتب قاسم قصير عن حل لهذه المشكلة، ولكنه انطلق من توصيفٍ خاطىءٍ لها، ما جعله يخرج بعلاج خاطىء.
إن الانطلاق من تخطئة العلاقة مع إيران أو حتى من تناول أمور فقهية يجوز الاجتهاد فيها، وقبولها أو رفضها، كولاية الفقيه مثلاً، هو توصيف خاطىء للمشكلة 100٪ .
إن علاقة الحزب مع إيران ليست فقط علاقة رابح رابح مرحلية.
إن العلاقة مع إيران، حتى ولو كان المرء، لسبب أولآخر،لايوافق على ولاية الفقيه ( وهذا أيضاً بحث طويل له مرتكزات وله اعتراضات)؛ إنّ هذه العلاقة تحمل، في الصراع العربي الصهيوني، كل مقومات الستراتيجيا شبه المُقدّسة.
والتقديس هنا ناتج عن حتمية الدفاع عن هذه العلاقة طالما أنّ ما يوجد اليوم في إيران، هو نظام جمهورية إسلامية منفتحة على كل الديانات، وعلى كل الحضارات، باستثناء الاستعمار والإمبريالية.
لقد ورثت الجمهورية الإسلامية الأممية الثورية حتى دون إدراك منها لهذاالإرث.
إن موقف الجمهورية الإسلامية، ليس فقط مع عدالة قضايا المحيط العربي والإسلامي، بل مع أمريكا اللاتينية، هو خير دليل، في الوقت الذي تمارس فيه جمهورية الصين الشعبية مثلاً، الِاشتراكية الجزئية في داخل الصين،وتتعامل مع الخارج بالمنهجية نفسها للإمبرياليات الغربية.
إنّ التحالف مع إيران هو العنصر الأساس، إذا أردنا استرجاع فلسطين، ليس لأن فلسطين قضية دينية أو قومية، رغم صحة هذين التوصيفين، بل لأن تحرير فلسطين هو قضية يرتبط بها السموّ البشري والإنساني، والذي يتطلب محاربة كل محاورالشرفي العالم، غربية كانت أم شرقية.
ثم إنّ ولاية الفقيه بحدّ ذاتها هي نوع من أنواع الديموقراطية، لأنه، وكما يجب أن يعرف الأستاذ قصير، لم يعد تعريف الديموقراطية في القرن الحادي والعشرين يقتصر على الجانب العددي للأمور.
فالأغلبية العددية في مجتمع الحمير مثلاً، قد تجعل من حمارٍ، رئيساً منتخبا.
وهذا أيضا، أي تعريف الديموقراطية الحديثة، بحث آخر، لسنا بصدد مناقشته.
إنّ آلية انتخاب الولي الفقيه لها تشابهات في أعرق الديموقراطيات التي لا تستند إلى التراكم العددي البحت، حيث يُضاف على المُجمّعات التقريرية في الِانتخاب، قامات وطنية وأكاديمية غير مُنتخبَة.
لكن يجب الِاعتراف، أن ما طرحه الأستاذ قاسم، أعاد إظهار مشكلة السلطة في لبنان، ودور حزب الله في داخل هذه السلطة.
وإذا كان الأستاذ قاسم قد رأى الحل في تخلّي حزب الله عن ذاته، فإن آخرين يطلبون من الحزب التخلي عن كل مبادئه، ليس فقط في القضايا في فلسطين واليمن والعراق وسوريا، بل حتى في لبنان، حيث أن أمريكا مستعدة حتى لجعل السيد ملكاً على كل العرب إذا هو جيّش قوته لصالحها، بعد أفول أو قرب أفول الدور الرادع الذي كان الكيان الصهيوني يقوم به.
ومرة أخرى وأخرى المطلوب من حزب الله ليس التخلي، لا عن ذاته، ولا عن مبادئه.
المطلوب من الحزب تزعم جبهة من المنظمات والتيارات الوطنية، التي لم تتورط في الفساد،على غرار الجبهة الوطنية التقدمية التي كان حزب البعث في سوريا يحكم عبرها؛ دون أن يعني ذلك التشبه بالفساد الذي كان سائداً في سوريا.
نحن هنا نتكلم عن الشكل.
يجب إيجاد إطار عابر للطوائف والمذاهب، يلتزم بالقضايا الوطنية والقومية والإنسانية التي يؤمن بها الحزب، وبأسرع وقت ممكن، ثم المبادرة إلى استلام السلطة وإنقاذ البلد من بين أنياب تلك الكلاب التي تتناهش عليه، وتتناتش ثروات شعبه المسكين.
لا أحد يقول بسهولةِ هذه المهمة، ولكن مَن يرى طريقاً أخرى الإصلاح(غير"إصلاحية أبو ملحم" التي أثبتت فشلها)، فليتفضل.