كتب الأستاذ حليم خاتون:
عدّة مرّات حاول ترامب الِانسحاب من سوريّة، فوقفت الدولة العميقة ضدّ هذا الِانسحاب وأجبرته على ابتلاع لسانه والبقاء هناك، في التنف خصوصاً، وحيث تتواجد قسد أيضا.
ولأنّ غروره لا يسمح له بالِاعتراف بالخضوع لأيٍّ كان، حتّى ولو كان للدولة العميقة، راح ترامب يبرّر هذا البقاء بحجّة السيطرة
و"سرقة" النفط السوري.
هل كان قد شرب الكحول وفقد عقله، حين أصدر الأمر بالِانسحاب من سوريّة، قبل أن تُعطّل الدولة العميقة قراره؟!
الأرجح أنّ ترامب وازن الأمور، ورأى أن هذا البقاء سوف ينتهي إلى خسارات أكثر من طاقة أمريكا على التحمّل.
بنظره، ثمن البقاء أكبر مما قد تحصل عليه أمريكا في النهاية عندما تُعقد التسوية، حسب اعتقاده طبعا.
ولكنّ الدولة العميقة، يهمّها الكيان، ولازالت مقتنعة بأن دور إسرائيل الِاستعماري لم يأفل بعد.
إذاً، الوجود الأمريكي في سوريّة هو بشكل أساسي خدمة لكيان العدو.
صحيح أن ترامب يكره إيران، ويكره أكثر، حزب الله؛ وصحيح أنه خدم الكيان الصهيوني كما لم يفعل أي رئيس أمريكي قبله... لكن الصحيح هو أن ترامب لا يمكن أن يحبّ إسرائيل أكثر من حبه لنفسه، ولأمريكا "العظيمة" التي لا يراها إلّا من خلال نفسه.
منذ شهور والصهاينة لا يتوقفون عن استهداف سوريّة، وتحديداً البنى التحتية للقوات الإيرانية.
إسرائيل تعرف أن التنف، والحدود العراقية السورية هو الأساس في كسر وحدة محور يمتدّ من اليمن وصولا إلى فلسطين.
الكيان يخشى غزّة بالتأكيد.
القطاع سوف يشكِّل يد الكمّاشة الجنوبي يوم الإطباق على فلسطين المحتلّة.
لكن رأس الهجوم الساحق الذي سوف يُنهي الكيان بالضربة القاضية سوف يأتي من الشمال، من لبنان وسوريا تحديدا.
في الحرب العالميّة الثانية، كانت الفِرق الألمانية الأساسية على الجبهة الشرقية، لأن الخطر كان يأتي من الِاتحادالسوفياتي.
المقارنة بين الجبهتين الشرقية والغربية كان يبيّن أنّ القيادة الألمانية كانت على حق.
وفعلاً، رأس الهجوم الساحق الذي انتهى بهزيمة النازية وسقوط الرايخ، جاء تحديداً من الشرق.
الصهاينة، يعرفون جيداً أنّ البناء الذي يجري في سوريّة هو كمالة البناء الذي جرى في لبنان.
عاجلاً أم آجلاً، سوف تقتنع الدولة العميقة أنّ الحرب خاسرة وأنّ الكيان سوف يزول.
الأمريكيون سوف يبقون حتى ما قبل النهاية.
لكنّ قوى الِاستعمار التي أوجدت إسرائيل لخدمة مشروعها الٱِستعماري لن تكون مستعدة لإرسال الجنود ليموتوا في سبيل الشرطي الكلب. الكلب مدرّب وعليه فداء صاحبه وليس العكس.
هنا دخل الدبّ الروسي. روسيا التي استفادت من الإيرانيين والقوات الرديفة، غير مستعدّة لخسارة سوريّة، آخر موقع لا زالت تتواجد فيه على المتوسط.
هنا بدأ المشروع الروسي يصطدم بالأماني القومية العربية وحلفائهم الإيرانيين.
إنّ قول لافروف: إنّ روسيا تستطيع تأمين "مصالح" الكيان في سوريّة، هو خطوة ناقصة تقوم بها روسيا.
صحيح أن النظام لا زال يعاني من الإرهابيين والِانفصاليين الأكراد والأطماع التركية، لكنّ أيّ نظام قد يقبل، ولو مواربة، بحماية الكيان سوف ينتهي إلى مزبلة التاريخ.
لا شفاعة لأيٍّ كان في هذا الأمر، بما في ذلك "الأصدقاء" الروس.
بالتأكيد، كان تحالف المحور مع روسيا أهم عوامل إسقاط المشروع الإمبريالي في سوريا.
كانت أهداف الروس تلتقي مع أهداف المحور.
ربحت روسيا وعادت دولة "عظمى"، غير كاملة الأوصاف، كما أيام الإتحاد السوفياتي لكنها عادت.
المحور حقق 80٪ من المهمّة المتعلّقة بسوريّة.
منع المحور المشروع الإمبريالي في سوريا من النجاح إلى حدّ بعيد.
حتى هنا كانت الأهداف تلتقي 100 بالمئة مع الروس.
أما بقيّة المشروع: تحرير فلسطين،
فهذا لا يعجب الروس.
في الكيان 20٪ من المستوطنين هم من أصول روسية.
هؤلاء يشكلون حالة.
هل ترضى إيران بالخضوع للإرادة الروسية؟
هل يرضى النظام... هل يرضى الحزب؟
في الرياضيات،
هناك احتمالان،
1-إماالمشي بالمشروع الروسي، ما سوف يؤدّي بالنهاية إلى المراوحة ضمن نفس الأوضاع،عشرات السنين في أحسن الأحوال، والوصول في النهاية إلى الهزيمة الضمنيّة عبر التطبيع بمباركة روسية أمريكية.
2-وإما إفهام "الأصدقاء" الروس بفداحة ما يفعلون، وتكثيف الجهود للقيام بحرب شعبيّة، مشابهة لما فعلته المقاومة العراقية يوم طردت الٱِحتلال الأمريكي من أرض الرافدين.
ولأنّ حزب الله، ولأنّ الجمهورية الإسلامية، لا يزالان على نفس الموقف الجذريّ، فالصراع سوف يستمر.
ولأنّ إرادة الشعوب لا يمكن أن ترضخ، فسوف يُهزم الإرهاب مرة أخرى، وسوف يلحق به الِانهزاميون.
إنه القدر.
قدرنا أن ننتصر،بوجود الحلفاء أو بدونهم.
فليحذر الكلّ.
الحرب في سوريّة لم تنتهِ.
المعركة طويلة.
إما حياة حرةكريمة.... وإما الشهادة.