كتب الأستاذ حليم خاتون:
أمس كان يوماً عادياً في مصر. لم يحتفل أحد بذكرى الثورة المصرية التي أسقطت حسني مبارك.
ربما هي ذكرى العزاء لوصول الإخوان "المسلمين" إلى السلطة يومها. تخلّص الشعب المصري من حكم مبارك ليبتليَ بنظام الخليفة المُبجّل، صديق شيمون بيريز ودولة "إسرائيل"، محمد مرسي،
الذي بدلاً من السير بمصر إلى الأمام، أرجعها إلى القرون الوسطى، ما شجّع الفاسدين في الجيش على حزم أمرهم والوصول إلى أعلى الهرم وإيصال مصر إلى قعره. البؤس وجه من أوجه الأزمات. بؤس اجتماعي، بؤس اقتصادي، بؤس تعليمي، بؤس أيديولوجي، بؤس معيشي، بؤس وطني....وبؤس على كل الأصعدة. ليست مصر وحدها الغارقة في البؤس. إنه العالم العربي كله. لكن في بلدان الخليج، تم تغليف البؤس بالشوكولا بفضل الأموال الفائضة. جاهلية بائسة بالعقيدة، مُغلّفة بالمال... الى حين يصادره موظف من الدرجة العاشرة في الإدارة الأميريكية. هذا المال يتم استهلاكه في قتل أحرار العرب. عندما يعمّ البؤس كل القطاعات، تزيد حدّة الأزمة، فتنزل الجماهير إلى الساحات. الأحزاب والحركات الثورية، تعرف متى تنزل إلى الساحات وتقود الجماهير، وتقود الثورة. هي وُجدت لأجل هذا. كلما زاد وعي وثورية هذه الأحزاب والحركات، زاد وزنها في التاريخ. الأحزاب التاريخية هي تلك التي تخطف اللحظة وتسبق الجماهير بخطوة. الأحزاب التاريخية تنظم صفوفها وتتهيأ لهذا اليوم؛وحين تدّق الساعة يتحرك الثوريون ويوجِّهون الجماهير إلى حيث يجب، وتُقام سلطة الشعب الثورية. هذا ما حصل مع الثورة البلشفية في روسيا، حين رأى فلاديمير إليتش لينين ما لم يستطع غيره أن يراه. هذا ما حصل مع الحزب الشيوعي الصيني بعد تخبّط عدة سنوات، فبدأ ماوتسي تونغ مسيرة الالف ميل (mile) بالخطوة الأولى التي أوصلته إلى تحرير كل البّر الصيني. هذا ما رآه فيدل كاسترو فاستهزأت أمريكا بقدرة بضع عشرات من الثوار من هزيمة جيش باتيستا في كوبا. لكن الغرب عامة، والإمبرياليةالأميريكيةليسوا بالغباء الذي يعتقده الكثيرون من الثوار. الإمبريالية الأميريكية تتعلم دوما، وقد تعلمت من خيباتها. تعلمت من كوبا، فأسقطت غيفارا في بوليفيا. إذا كان على الأحزاب الثورية استباق الجماهيربيوم لاغتنام اللحظة التاريخية؛ فالإمبريالية اليوم، تستبق اللحظة التاريخية بيومين أو ثلاثة، ليس لإجهاض الثورة، بل لسرقتها.
الإمبريالية تعلمت الدرس. محاولة إجهاض الثورة بالجيوش والأمن والثورة المضادة، هو الكي عندما تفشل في سرقة الثورة. لذلك، ذهب أوباما إلى جامعة القاهرة وضحك على الشعب المصري، وعلى مبارك بكلمَتَي: "السلام عليكم". صدّق المصربون باراك حسين أوباما. لكنّ مشروع أوباما، لم يكن يحمل أي سلام أو تحية للشعب المصري. مشروع أوباما كان إنهاء القضية الفلسطينية على أيدي أبنائها.
كل تذلّل محمود عباس وانهزاميته أقنعت الدولة العميقة في أمريكا أن هذا الجوكر،وبقية الجواكر العرب، أعجز من أن يحشدوا الجماهيرعلى أكثر من مباراة كرة قدم.
إذاً، فليستلم"الإسلام" البريطاني الأمريكي، المتمثل بالإخوان، السلطة.
تركيا مَثَلٌ حيٌّ جيد. "إسلام" سياسي أطلسي يخدم أمريكا بامتياز. في تونس كانت النهضة جاهزة، وهي القوة الجماهيرية الأقوى والاكثر تنظيما.
في مصر كان تنظيم الإخوان..
في الساحة الفلسطينية، تم إقناع خالد مشعل و"ركوب" حماس.
في مصر وتونس، سُرقت اللحظة الثورية. وفشلت الجماهير في تحقيق أبسط الحقوق. في فلسطين استطاعت أمريكا دقَّ إسفينٍ لا زالت آثاره ظاهرة، بين حماس ومحور المقاومة.
في لبنان، بعض الإختلاف. في لبنان، المقاومة قوية؛ هناك تعدّد ديني وطائفية وشيء من الضبابية في تحديد الهويةالوطنية.
في لبنان، الإخوان المسلمون أضعف من أن يظهروا في أي تجمُّع جماهيري.
تمَّ شحن العملاء من بقايا 14 آذار، لكن في لباس ال NGO'S اليسار مشرذم: شيوعيون ضائعون. بعثيون مضروبون ومكروهون. ناصريون مقسومون في عدة فرق.
حزب الله خائف على السلم الأهلي... أحزاب السلطة الحريرية لاهية في تهريب الأموال، ربما باستثناء أمل، ليس لشيء؛ فقط لغبائها وإيمانها بلبنان (الأخضر!!).
في تونس ومصر، حيث إخوان الشياطين تمت سرقة اللحظة الثورية
ببساطة. في بلاد الشام، الأمر مختلف. في سوريا تم تسليح "المعارضة"، لأن المطلوب ليس فقط النظام، بل حتى الدولة الوطنية. يجب إسقاط الدول الوطنية، حتى ولو كانت نتاج سايكس بيكو.
الهدف هو صبغ الشرق الأوسط بالصبغات الدينية والطائفية والمذهبية، كي تكون شبيهة بالدولة"اليهودية". وتشجيع الذبح المتبادل، سواء على طريقة داعش، أو على الطريقة اليمنية، حيث يبرع حزب "الإصلاح" الإخواني، في أشد المواقف بشاعة في تاريخ اليمن الحديث.
في اليمن، تم ابتداع شرعية صورية وهمية. لبس ابن سلمان ثياب الماريشالات، فظن نفسه نابليون الذي سوف يجتاح اليمن كما اجتاح هتلر بلجيكا في أقل من أسبوع.
في لبنان، لا زال الكثيرون من بيئة المقاومة مصرّين أنّ ما جرى في لبنان هو فقط...، هو مجرد مؤامرة.
وحده السيد حسن يستطيع وصف الحراك بالثورة، حتى يقتنع هؤلاء ويقبلون بهذا. حتى السيد قال: إنّها بدأت عفوية، وهم لا زالوا مصرّين على عمالتها.
عندما قال السيد: إنّ الحزب غير مستعد للمضي في أجندة غيره، وانسحب من الميدان وتركها وترك الجماهير تحت رحمة الرعاع من جهة، وتحت قيادات مشرذمة، أقلية منها، فقط أقلية، تابعة لأمريكا؛عندها، تخلى الحزب عن اللحظة التاريخية. الحزب الخائف من سفك الدم في نزاع داخلي، نسي في لحظة، أن تاريخ الشعوب يُكتَب غالباً بالدم. انسحب الحزب من اللحظة التاريخية تاركاً الأمور في أيدي قضاء يتراوح بين الِاهتراء والفساد (يا ما أحلى الفساد الإيطالي أيام المافيا في صقلية).
أساساً، يومها لم يطلب أحد من الحزب تنفيذ أي أجندة؛ كل ما كان مطلوباً:ترك الجماهير تثور، وتفرز قيادات ثورية، طالما الحزب "'مُعتكف"" عن أي أداء إيجابي.
هو انسحب وسحب الجماهير معه، فساهم في إسقاط فكرة الثورة، وسمح لپولا يعقوبيان وأصحابها بسرقة أهداف هذه الثورة. اليوم، حين يطلب سركيس نعوم مثلاً من الحزب استلام السلطة الأمنية، هل سوف يفعل؟
17 تشرين فشلت أن تكون ثورة لأن الأحزاب الثورية لم تكن موجودة. هل كان هدف أمريكا إسقاط الدولة في لبنان، كما حاولت في سوريا؟ كل شيء يدل على ذلك.
عقيدة أمريكا، على الأقل مع ترامب، هي كذلك. لبنان، إما أن يكون لنا أو لا يكون. إذا كانت هذه عقيدة أمريكا، كما ذُكر أعلاه، هل سوف يظل حزب الله مُنكفئا؟
هل يخاف الحزب من الفشل؟ من يخاف الفشل لا ينجح أبداً. الخوف من الحرب الأهلية يكون بالتهيّؤ لظروفها، وليس الاعتكاف وانتظار معجزة سماويّة. كما أنجز الحزب التحرير بمعجزات أبطاله، عليه اجتراح ما يماثل للداخل. لاأحد يقول: إن الوضع سهل، وإن الطريق بلا حفر.
إذا كان الحزب ينتظر إجماعاً لدعوته لأخذ السلطة؟ هذا لن يحدث. في المقاومة أيام التحرير، كانوا يطعنونه في الظهر؛ فكيف في استلام السلطة؟ كما في مصر، كذلك في لبنان. نحن ندفع ثمن انتمائنا إلى دول سادت فيها عقلية البرجوازية المتوسطة والبرجوازية الصغيرة. حتى القوى المفروض فيها أن تكون ثورية لا تجرؤ على الذهاب إلى الحلول الجذرية.