كتب حليم خاتون:
طرابلس نموذج..
لبنان في الهاوية...
ما حصل في طرابلس لم ينتهِ... ولن ينتهي..
قد تهدأ الأمور. لكنّه هدوء ما قبل العاصفة...
تماما كما الأمر في كلّ لبنان.
نحن في نفق عامودي بلا قعر يصل إلى مركز الكوكب، إلى الجحيم.
كل يوم نهوي أكثر وأكثر محاولين التشبث بأيّ شيء...أيّ شيء، علّنا نتوقّف عن هذا السقوط الحُرّ.
أول أمس، خرجت إحدى الناشطات التي أحترم جدا، الدكتورة كبّارة، وناشدت "زعماء" طرابلس بالإجتماع كما فعل المخاتير لمحاولة فعل شيء، أيّ شيء...
لقد وصل اليأس بالمفكرين إلى درجة التفتيش عن "الدبس من طيز النمس".
هؤلاء "الزعماء" هم ليسوا سبب البلاء وحسب، هؤلاء الزعماء، هم البلاء نفسه.
لقد وصل الأمر بالناس إلى حدّ التعلق بالأوهام، ليس في طرابلس وحدها، بل في كلّ لبنان.
إذا كان شعار "كلّن، يعني كلّن" مرفوضا في تعميم المسؤولية عن ارتكاب الفساد، فإن هذا الشعار صحيح ألف في المئة في اتهام الجميع دون استثناء، بالإهمال، والفشل في منع هذا الإرتكاب للفساد والذي تمادى عقودا، وبشكل متواصل، ودون أيّ رادع، ولا يزال يتمادى حتّى اليوم، وليس في الأفق ما يوحي بأن شيئا يمكن أن يوُقفه عن هذا التمادي.
بكلّ أسف، تنام كلّ الأحزاب والتيارات والمنظمات غير الفاسدة، وهي أقل من قليلة، وتكاد لا تتواجد؛ تنام ولا تخرج علينا بتحليل كامل متكامل عن البنية الإجتماعية والإقتصادية للبنان ولكلّ حزب، ولكل فئة في لبنان.
في إحدى مقابلاته، يقول الناشط جاد غصن أن استلام السلطة في لبنان كان غاية بحدّ ذاتها لكلّ من استلم السلطة، ولم يكن على الإطلاق وسيلة لإدارة حكم البلد في خدمة أهل البلد.
عندما نرى مدى النهب الناتج عن تحاصص أكلة الجبنة، نرى أن غصن مُحقّ تماما في ما قال.
الغريب، أن الأحزاب العقائدية، يمينا ويسارا لم تخرج علينا بدراسة متكاملة وبتصور لأيّة خطة إنقاذ.
تصورات الإنقاذ نجدها عند المفكرين الذين يخرجون على الشاشات؛ لكن صراخهم يبقى صرخا بلا أيّ صدى، وكأنّهم يحدثون أنفسهم في البرية.
قد يكون الدكتور شربل نحاس أحد القلائل الذين وضعوا دراسة عن التركيبة السكانية للبلد، والتي لا يمكن البحث في حلول، دون معرفتها ودون الإرتكاز عليها.
طرابلس أعطت صورة عن ما يحدث في مناطق البؤس السُنيّة.
غدا، قد نرى انفجارا في مناطق البؤس الشيعية، وهي موزعة في أكثر من محافظة.
والذي يتوهم بعدم وجود مناطق بؤس مسيحية، عليه فقط زيارة المناطق الشعبية المسيحية وعدم الإكتفاء بالنظر إلى مناطق
الأحزاب البرجوازية المسيحية.
بكل أسف أيضا وأيضا، تبين أن لبنان ليس فقط مجموعة مزارع طائفية ومذهبية.
لبنان مجموعة مزارع تابعة لأفراد.
لا زلنا نعيش في زمن الإقطاع.
لبنان مُقسّم إلى إقطاعات. في كل إقطاع يوجد ديك أو أكثر.
إقطاعات مع شيء من العبودية الحديثة.
عبيد في الداخل، ولكن أهم هؤلاء العبيد، هم عبيد الخارج، المغتربون.
لم يكن المغتربون يعرفون أنهم عبيد يعملون ويرسلون كل جناهم إلى اسياد البلد الذين برعوا في التخفّي وفي وضع اليد على كلّ ما جنوه.
رياض سلامة ليس استثناء.
"إذا كان ربّ البيت بالطبل ضاربا..."
إنهم طبقة ال0.85٪ من اللبنانيين. إنهم حوالي الخمسين الف لبناني الذين يشكًلون طبقة الأوليغارشيا التي نهبت ولا زالت تنهب البلد.
فقراء طرابلس خرجوا، فأخرجت الأوليغارشيا بعض الغوغاء والرعاع للتخريب على الأرض وتخويف الناس من الإستمرار خوفا من أن تصل الموسى إلى لحاهم.
فقراء طرابلس لم يجدوا قوة ثورية واعية تؤطّرهم وتقودهم إلى حيث يجب.
كذلك فقراء لبنان.
لن يجدوا قوة ثورية تقودهم إلى حيث يجب.
الأحزاب، كل الأحزاب التي لم تعطنا ولو تصورا واحدا للحلّ، لا يمكن أن تكون أحزابا ثورية لهذه المرحلة.
صحيح أن الخارج يتآمر علينا.
هذا طبيعي. الخارج يفتش عن مصالحه.
ولكن ماذا عن الداخل؟
"دود الخل منّو وفيه"، يقول المثل.
المجتمع اللبناني مريض.
لم تعد حقن المورفين تنفع.
الاوليغارشيا، ورم سرطاني خبيث من اقوى الدرجات.
يجب بتر هذا العضو فورا والا فعلى لبنان السلام.