حوار مع نارام سرجون.. أسئلة وأجوبة ستنشر على أجزاء  فمن هو نارام؟ الجزء الأول
أخبار وتقارير
حوار مع نارام سرجون.. أسئلة وأجوبة ستنشر على أجزاء فمن هو نارام؟ الجزء الأول
16 شباط 2021 , 22:25 م
هذا حوار موقع "فينيكس" مع نارام سرجون، ولأنه حوار غني وطويل فسوف أقسمه إلى ثلاثة أجزاء وأنشره على مدار ثلاثة أيام :      الجزء الأول ( ١ من ٣) :    - أعتبر نفسي الكاتب الأكثر حرية.. و سيأت

هذا حوار موقع "فينيكس" مع نارام سرجون، ولأنه حوار غني وطويل فسوف أقسمه إلى ثلاثة أجزاء وأنشره على مدار ثلاثة أيام : 


 
  الجزء الأول ( ١ من ٣) : 
 
- أعتبر نفسي الكاتب الأكثر حرية.. و سيأتي يوم أكشف فيه عن اسمي الحقيقي. 

-صفحتي مجرد محاولة لتوزيع الكمامات ضد هذه الغازات السامة والجراثيم التي تنشرها قاذفات السموم، وهي مثل جرعات اليود التي توزع على الجمهور للتقليل من خطر الاشعاعات الذرية

 
أجرى موقع فينكس مقابلة مع نارام سرجون ونشرها يوم أمس الأول الاثنين 15 / 2 / 2021 على الموقع .. وكان هناك حوار وتفاعل بين السؤال والجواب .. بين نارام والكاتبة حنان حمود التي وضعت الاسئلة .. 
 
يقول نارام عن الحوار : 
 
 أحسست في اجاباتي انني كنت في منتهى الصراحة والبساطة وأنني كنت كمن يجلس في جلسة حوار عميق مع النفس واعتراف امام الذات .. حيث لايستطيع الانسان في حديثه الى نفسه ان يخفي اية كلمة يخشى ان يراها الناس او يسمعوا خطواتها على شفتيه ولو كانت حافية تمشي على رؤوس اصابعها تريد ان تتسلل خلسة .. في الحوار الذاتي لايوجد ركن مظلم في النفس كي تندس فيه الكلمات التي لايريد الانسان ان يقولها او ان ان يتجاهلها .. ولاتقدر كلمة ان تختفي وهي تسير على الشاطئ الرملي الذي تلتقي فيه الروح بالجسد مثل البحر والشاطئ ..ولايقدر ان ينكر الانسان اية كلمة في داخله او ان لايعترف بنسبها اليه والى روحه ..

كان لقاء يشبه الاعتراف مع الذات لأن الاسئلة كانت مباشرة وصريحة .. لاحظت ان اجاباتي كانت تسترسل .. ولكنني كنت كمن يسير على الشاطئ الذي لاينتهي .. وطال مشواري وأنا أرى اثار خطواتي على الرمل .. ولم أكترث بالغروب لانني كنت اكتب حوارا داخليا مع نفسي رغم انه جاء على شكل.. 

مقدمة الصحفية المحاورة : 
  
من الصعوبة بمكان أن تحاور شخصاً لا تعرفه.. لا تعرف ملامحه، لكنة صوته.. حتّى أنّك تجهل اسمه الحقيقي و طبيعة عمله و عمره.. الخ..

ومن الصعوبة أيضا أن تتعامل مع هذا التناقض الغريب والأليف معاً.. إذ أنت تجهله عياناً، بيد أنّك تعرفه بحدسك و إحساسك و (ربما) أفكارك، ففي داخلك تعرفه كل المعرفة.. أتراه يساهم في تشكيل ضميرنا و تكويننا المعرفي الراهن؟ ربما.

"نارام سرحون" ليس قائداً سياسياً ولا منظراً لحزب.. ليس ألفريد هيتشكوك، كي يدير مسرحاً للإثارة.. وهو ليس محرراً لدى الجزيرة، كي يبث الأوهام.

هو من يفكك الحدث.. يعمل كخبير متفجرات.. كطبيب شرعي يبحث عن الأدلة والبراهين.. يفتش، يقرأ، يجري اتصالاته ويعود لمكتبه.. يجمع ويحلل بحياد وعلمية لينتج من المعطيات مقالاً يؤثر ايجاباً بالرأي العام.

دخلنا وشربنا من قهوته.. فكان لنا معه هذا الحوار:


السؤال الاول:

نارام سرجون هل هو فكرة ناتجة عن موقف ما في مكان ما؟ أم تراه فكرة ابنة ظروف سياسية هوجاء؟

الجواب:

قصة الاسم تشبه قصصنا اليومية عندما يولد مولود يحار الابوان في اختيار اسم له وهما يريدان لهذا المولود ان يكون له من اسمه نصيب ولكنه يحمل شيئا منهما ومن أفكارهما أيضا.. فتجدين المسلم يعبّد الاسم (عبدالله.. عبد المعين) او يحمّده.. والمسيحي يعطيه ابعادا انجيلية.. اما الشيوعي فيقرر ان يضع كل الديالكتيك في اسم مولوده، فيما البدوي يختار من البيئة اسما فاذا ولد في الشتاء يسميه (شتيوي) واذا ولد في ايام مرة يسميه (مرار أو مرّة).. وهكذا.. أيضا عند الشعوب الاخرى التي لا تجد في المولود مجرد حامل للجينات والنوع والعرق بل أيضا حاملا للمفاهيم والامال والمهام.

وفي بلادنا مثلا نجد ان أسماء مثل كفاح ونضال وجهاد ووو.. أسماء شاعت في مرحلة الستينات حيث إحدى ذرى الصراع  مع العدو.

لكن الأسماء ايضا تختار ميلادا اسطوريا أحيانا.. فكما تولد الأساطير فجأة ومن غير مؤلف أو كاتب وفيها الابطال والأهوال وتشرب الغضب فإن الأسماء كذلك.. كما حدث مع الشاعر السوري أدونيس الذي نتيجة احباط شعري قرر أن يتقمص شخصية أدونيس الذي يطعنه خنزير بري بأنيابه.

عندما كتبت أول مقالة في الحرب السورية كنت أنجزت المقال الثائر الغاضب.. ولكنني وضعت القلم عندما انتهيت وكأنني اب سيختار لابنه اسماً.. ففي تلك اللحظة خرج كائن آخر مني وانفصل عن سلطتي ونظرت اليه فإذا به يشبهني ولكنه الجزء الغاضب مني.. وبدت لي أصعب مهمة على الاطلاق أن اطلق اسما على ذلك الكائن الاسطوري الذي كتب مقالا يتحدى فيه الدنيا.. ماذا اسمي هذا الشخص الذي خرج مني الآن غاضبا وثائرا؟

هل أعطيه اسمي الحقيقي الذي لايعبر عنه بعد اليوم.. فأنا والكاتب صرنا شخصين مختلفين.. أنا هادئ وديبلوماسي وهو ثائرغاضب يريد أن يمزق الأوراق ويحطم كل قواميس الديبلوماسية ويريد ان يرتدي ثياب العسكر الخشنة والحرب وليس الياقات البيضاء والثياب الرقيقة الحريرية.. فهو في فخ الربيع العربي مثل قطيع من الظباء التي سقطت في فخ الصيادين.. انه امام جمهور هائج متصارع أو تائه خائف.. وكلا الجمهورين لاشيء سيقدر على التعامل معه سوى ذلك الثائر الغاضب.. فالجمهور الهائج سيرى ان هناك غضبا رزينا لايقبل الهياج وسيحمل سوطه بيده.. وأما الجمهور التائه الحائر فأنه يريد ان يسمع من يقويه ويهدئ من روعه ويصارحه دون أن يغشه عن الكارثة التي ستقوده الى الموت اذا لم يتصرف بهدوء .

ثم ان  معرفة الكاتب وملامحه وطوله ولون شعره وعينيه ليست هي المشكلة في الكتابة.. لأن هناك نوعا من القراء تطور بفعل المناخ السياسي والايديولوجي والديني والاقتصادي للبشر.. فلم يعد الكاتب للقارئ مجرد كاتب بل هو حامل لمهمة في صراع ما وهو حتما في معسكر ما.. فتراه يصنف الكاتب الى شيوعي ماركسي أو امبريالي أو رجعي او ملحد او مؤمن تقي او كافر زنديق لاحيّاه الله.. ولذلك فإنه سلفا يحكم على الكاتب.. وسلفا يختار من سيقرأ وماذا سيقرأ.. ومن سيرفض ومن لن يوافق على آرائه بالمطلق.. العبقرية هي معرفة سر القارئ وكيف يقرأ.. وهل يقرأ بعينيه أم بأذنيه أم بقلبه؟ أم أنه يقرأ كالأعمى بعيون ليست له.

وإنا قررت أن أضع القارئ أمام حيرة الهوية.. هويته وهويتي.. فكي تحدد الصراع يجب ان تحدد الهويات.. والقارئ سيجد فيّ هوية مثل اللغز.. وينظر الى وجهي فلا يرى أية ملامح لأنه وجه مقنّع.. ويدور حولي حائرا كما يدور حول قلعة بجدران عالية بلا أعلام ولا رايات كي يعرف هويتي ويقرر سلفا ان كان سيقرأ ام لا.. هل أنا كافر أم مؤمن.. مسلم ام مسيحي.. رافضي أم من النواصب.. ملحد أم مؤمن.. عربي أم غير عربي.. وهكذا.. وهذا اول تحدّ يجعل القارئ يخسر سلاحه الفردي ورشاش البي كي سي الذي يريد به ان يفصل بين الكتاب ويميزهم مثلما يمارس العنصريون التمييز العنصري ونظام الابارتهايد.. فالقارئ تحول الى عنصري أيضا ضد الكتّاب.. لايستمع ولايقرأ الا لمن يدغدغ له عواطفه ويغني له أغانيه ومواويله.. بل يقف على الحواجز ويفتش المقالات التي تمر مثل اي عنصر ميليشيا مسلح ويطلب من كتابها الهويات.. ومن لاتعجبه هويته تكون نهايته بالساطور ونهاية مقالته قبل ان يحقق معها

هويتي الغامضة ولون افكاري - وليس لون بشرتي وعيوني - كانت هي الرافعة لما أكتب.. أنا أردت استدراج القارئ الذي يرفض ان يقرأ الا لحزبه ومعسكره الى أرضي.. ووضعته وجها لوجه أمام الفكرة.. هو وكل أسلحته في مواجهة الفكرة التي قد لاتروق له.. ولكنه بمجرد أن جاء الى أرضي.. فان هذا يعني أننا بدأنا نتفاوض ونتحاور ولو بصوت عال ولو بعراك الأيدي.. ومن هنا تنشأ فكرة التقاطع حتى مع الخصم.. والخصم هنا غالبا هو ابن بلدي الغاضب والمشوش والمغرر به أو الذي صدق الوسواس الخناس.. وأنا كانت مهمتي هي ان اتحاور معه دون أي سلاح .

هنا تقدمت اللغة العفوية المشبعة بالصور العفوية والمفردات لتحمل هذه الرغبة في أن اتواصل مع الجميع.. لان المشرقي يحب بفطرته الكلمة المصاغة بعناية والمشغولة وهي تجتذبه كما اللحن البديع.. وهو الذي بهره القرآن وقال ان به لحلاوة وان عليه لطلاوة.. ولكن لن نكتب القرآن بل سنكتب بماء الورد وورق النعناع وحب الرمان.. ونرسم بالالوان.. ونمرر شحنات كهربائية ناعمة بين الكلمات.. وأنا كنت أدرك ان من أكتب لهم هم المتعلمون وليس الاميين أو اولئك الجهلة القادمين على متون الجياد والابل والبغال من بين ثنايا القرن السابع الميلادي.. وكنت سعيدا أن من قرأني كانوا يستمتعون ويتلذذون ويفكرون بما كنت أقول.. والافكار هي التي تقرر مزاج الناس وميولهم وقناعاتهم، وهي التي استهدفت كثيرا في الاعلام المعادي وتم التركيز عليها ومخاطبتها لأنها حيث تميل تميل كفة المعركة.

لعل من أجمل التعليقات التي قرأتها والتي تؤشر لنجاح غايتي كانت عن قارئ حار في هويتي فالتقى شخصا في الصباح أكد له ان نارام هو مفتي الجمهورية الشيخ احمد بدر الدين حسون.. وفي المساء التقى صديقا آخر فأكد له ان نارام هو راهبة مسيحية سورية.. وهذا مامثل ذروة النجاح عندما يصبح الشخص الغامض مفتيا مسلما وراهبة مسيحية في آن معا.. رجلا وامرأة.. وهذا يدل على ان الكاتب تحول الى رمز عابر وكتاباته صارت عابرة لكل الحدود وتقدر ان تلبس أي قميص.

السؤال الثاني:

مع بالغ الاحترام لجوابكم، لكن، و رجاء باختصار شديد: هل سيأتي يوم يكشف فيه نارام سرجون عن اسمه الذي أطلقه عليه والداه و طبيعة عمله؟

الجواب:

 طبعا.. هذا أولاً دين في عنقي.. ووعد قطعته للناس منذ أن تساءلوا.. لأن هذا حقهم في النهاية.. فأنا لست من كتاب ألف ليلة وليلة الذين لم يعرفهم أحد.. أنا حقيقي ومـــــوجود.. و احجامي عن كشف الشخصية سببه أن مهمتي ككاتب ومحرّض لم تنته بعد في هذه المرحلة.. وأنا كذلك لاأجد متعة في هذا الغموض لأنني احس بصدق ان القناع أتعبني.. ولكن عندما أزيحه فسيكون قراري ان مهمتي انتهت وان دوري انتهى وأن دور غيري قد بدأ.. رغم أن القناع صار عزيزاً علي وجزءا من لحم وجهي، وسيكون انتزاعه مؤلما كما لو انني انزع لحم وجهي.. ولاأدري ان كنت سأفقد حريتي بعد ذلك حيث قد تلاحقني عيون الناس وفضولهم. 

السؤال الثالث:

هل الغموض حول شخصية نارام جعل منها اسطوره؟

الجواب:

لا أتفق في أنها اسطورة.. هذه مرحلة عابرة وستنتهي عندما تنتهي الحرب.. الأسطورة أبقى وأكثر أبدية.. الأسطورة هي ماصنعناه جميعا من تحد في حرب كانت خاسرة في كل المقاييس الدولية والعسكرية والتاريخية.. وأنا فعلا وبصدق لم أكن أخطط لشهرة.. ولم أكن مشغولا بالشهرة التي فاجأتني.. ولكن أدركت لاحقا ان الغموض ربما اضاف نوعا من السحر والفضول ولكنه لم يكن مقصودا.. ولكن هل كل غامض ومقنع قادر على ان يتحول الى ناجح اذا لم تتوفر لديه ادوات النجاح؟ هناك قصائد وكلمات وأمثال مشهورة لانعرف من قائلها ولكن غموض قائلها ليس السبب في شهرتها بل عمقها الدلالي وتفردها بجمال خاص بها.. وهناك معاليم كثيرون ولاتكاد الكاميرات تغيب عن وجوههم،  وأسماؤهم في كل المناسبات تتردد.. ولكن ماأن يغيبوا حتى يصبحوا نسينا منسيا وغبارا.. لانهم لم يتميزوا ولم يتمكنوا من أدوات التفوق والنجاح لأنه لم يكن لديهم اي موهبة.. وأرى ان قبول تفسير الشهرة بأنه ينسب للغموض يظلم العمالقة والكبار الذين لم يكونوا غامضين.. فهل احتاج المتنبي الى غموض او قرر الجواهري ان يختبئ تحت قبعته الشهيرة ليصبح شاعرا عملاقا؟

السؤال الرابع:

في مقال سابق كتبت عن المال الخليجي وأثره على المزاج العام للثقافة العربية،هل حاول المال الخليجي استدراجك إلى صفوفة؟

الجواب:

المال كي يصطاد الناس لايقول لهم فورا انني أقدّم لكم رشوة، وخاصة لمن يصنعون الرأي ويحملون مشروعا فكريا، بل يدعوهم ويقابلهم ويستضيفهم ويفهم في جلسات الحوار والنقاش ماذا يريد الشخص المستهدف، و أين نقاط ضعفه وكم ثمنه.. ثم يعرص العروض المغرية المجزية التي هي عقود شراء و اسكات ورشى.. وعندما لايستجيب الهدف فانه يتعرض لحملة تشكيك وتشهير وتذويب بالقول انه عميل مخابرات أوعميل مزدوج أو ماسوني.. ولكن المال الخليجي كان يجب ان يعرف من اين يبدأ معي وهو لايعرفني كي يقرر الثمن وكي يتواصل معي.. ولذلك تجدين انه اختار الهجوم عليّ بطريقة مختلفة طالما ان الهدف غير مرئي وغير واضح كم سيكون ثمنه.. فهناك مقالات كثيرة ضد مقالاتي وهناك تقليد ونسخ لصفحتي تقول مالااقول كي يضيع الناس ويفقدوا البوصلة نحوي.. وهناك اشخاص يشتمون ببذاءة.

السؤال الخامس:

من يتابع مقالاتك من البدايات حتى الان يستشف انك تتعمد اخفاء الهوية الدينيه حيث تكتب أحياناً "أنا كمسلم" مثلا، ومرة اخرى تقول أنا المسيحي، فيما البعض يزعم (بل يؤكد) انك شيعي، أما المشككون فزعموا أنّك يهودي يلعب دور كوهين، تلم المعلومات، الشكاوي، و ترسلها لمراكز  أبحاث خارجيه، و تنشر الاخبار الصادقة حتى تصبح مصدراً موثوقاً، وفي الوقت المناسب تنشر الاكاذيب, و ما من شأنه احباط المواطن.. ما ردّك على ذلك؟

الجواب:

هذا سؤال يتكرر دوما وبأشكال مختلفة وهو محق في توجساته وقلقه.. ولكنني في حرب أرادها الخصم دينية وبدا يهاجمنا بسلاح فتاك.. فماذا تظنين اني فاعل بسلاحه؟.. سأجرده من سلاحه قطعا.. وهناك اعتبار مهم أيضا وهو اننا نعيش في مجتمع لايمكن ان تكون الهوية الدينية عاملا جامعا لأننا مختلفون في أديان ومذاهب وملل ونحل.. ويجب ان تصبح الهوية الدينية شأنا خاصا جدا لايتداوله الناس الا من باب التعارف بين أصدقاء قريبين جدا.. فهناك أمر يجب ان ندركه جميعا أن الحوار الديني بين ديانتين لم ينجح في توحيد الناس في اي تجربة ولم تجعلهم ينتقلون الى حل وسط اواختراع دين ثالث.. ماحصل دوما هو مجاملات وهدنات واستراحات قبل استئناف الصراع.. وهاأنت أمام كل محاولات الحوار الاسلامي المسيحي بين الغرب والشرق.. أين وصلنا؟ وصلنا الى عصر المتعصبين الانجيليين والمسيحيين الجدد الذين يحرقون ملايين العراقيين والفلسطينيين يقابلهم متعصبون مسلمون أنتجوا عقلية داعش والقاعدة مهما قلنا انهم صنيعة امريكا.. ولكن مجرد وجود هذا الاحتكاك العنيف بين الديانتين دليل على ان ابراز الهوية الدينية جعل الحوار فاشلا. 

بالطريقة نفسها ماذا أنتجت كل مؤتمرات التقريب بين المذاهب الاسلامية؟ لاشيء سوى المجاملات والنفاق والاستراحات بين المذابح.. والنتيجة التي يجب ان نتوصل اليها هي ان نتوقف عن هذه المحاولات واضاعة الوقت، الا في نطاقها الاكاديمي والتعليمي النخبوي لأنه ليس علينا ان نقرب الاديان بل ان نفهمها بشكل متبادل ونعترف بها وخاصة في مرحلة التربية بحيث يدرس الطلاب مادة الاديان والمذاهب كي يتعرف كل فريق على الاخر مباشرة وليس عن طريق رجال الدين.. وهذا مايفعله الاوروبيون الذين يدرّسون مادة الاديان لطلبتهم منذ المراحل الاولى رغم انهم مجتمعات مسيحية .

الحقيقة أن كل محاولة للتقريب او الحوار تعني اننا امام مشكلة سياسية او منطقة اقتصادية ونفوذ قابلة للتفاوض ولسنا أمام مسألة عقائدية وروحية لايمكن ان تتزحزح.. الاديان تاريخيا تنفصل وتتفرع وتتباعد فروعها ولم أسمع بأي دينين التقيا بعد خلاف ووصلا الى انهاء الخلاف العقائدي.. انه حوار بين مخلوقات البحر ومخلوقات اليابسة.. أحدهم يتنفس الهواء بالرئتين والآخر يتنفس بالغلاصم.. ونحن نريد ان نتحول جميعا الى برمائيات نتنفس تحت الماء وفوق الماء واليابسة.. وهذا محال.. وأنا ارى ان الاديان تتطور مثل المخلوقات وفق حاجة الانسان.. كما تطرح نظرية دارون في الارتقاء والتشكل.. فالاديان قديمة جدا.. منها الديانات الوثنية والابراهيمية والبوذية.. ولكن كل واحدة تتطور وتتشكل بذاتها وتتفرع من ذاتها.. ولكنها لاتلتحم  

هذه نظرة من فوق وأكاديمية ربما.. ولكن على مستوى العامة  فالحل هو تراجع الهويات الدينية الى الخلف كما حاول القوميون والشيوعيون العرب سواء في مصر او سورية او العراق وفكروا بالحلول محل الهوية الدينية التي كانت سائدة بسبب طول فترة الحكم الديني العثماني والتي صبغت كل أشكال النشاط الاجتماعي المشرقي بألوان الدين والخلافة وكان لابد من بدائل مقنعة فظهر القوميون واليساريون لازاحة الثقل الديني عن الهوية.. ولكن كما نلاحظ اليوم فان الهويات الدينية ابتلعت كل هذا الجهد والمحاولات لأن هناك عملية معالجة الهوية الدينية لم تكن ناجحة سواء بالمواجهة والافراط في العداء كما في تركيا الاتاتوركية او في المداراة كما في سورية والعراق.. والحقيقة ان القضية الدينية معقدة للغاية بحيث ان الماركسيين فشلوا ايضا رغم كل محاولاتهم تحييد الدين.. كان هناك دوما خلل في طريقة العلاج.

وكل اجتماعات التوفيق والتقريب لن تجدي نفعا طالما ان هناك هويات دينية علنية.. التقريب بين الاديان ينجح في حالة واحدة فقط هي عندما تصبح الهويات الدينية شأنا فرديا لاعلاقة للمجتمع به.. وتصبح الاشارة الى الهوية الدينية مثل الكلمة البذيئة يخجل منها الناس.. و أنا لاأملك سطوة على هذا المحيط الديني المتلاطم الامواج.. واذا كانت الوسيلة الوحيدة للبقاء حيا هي ان تعيش كالسمكة مثل كل الاسماك.. مجبر على ان تتنفس بالغلاصم ولاتملك رئتين.. فإنني لن أقبل وسأخرج من مرحلة البحر وملوحة البحر وأتخلص من الغلاصم وارتدي رئتين وأتنفس الهواء المنعش فوق اليابسة.. من يسكن الايديولوجيا الثيوقراطية فانه مخلوق بحري لايسمح له ان يتنفس الهواء.. وسيبقى لايعرف نعمة ومذاق الماء العذب.

هذه هي قصتي مع تعدد هوياتي الدينية.. أما أن يقول احد انني مندس وأعمل مثل الجواسيس كي يكسب ثقة الناس ومن ثم يغافلها بطعنة في الظهر.. فهذا تحليل ينطبق على عزمي بشارة مثلا وعلى الجزيرة وموظفيها.. أما ان نعتبر كل موقف وطني كمينا فهذا يعني ان نتهم كل الوطنيين السوريين بنفس الطريقة .. فكل وطني يمكن حسب هذه النظرية ان يكون جاسوسا يمثل دور العاشق لوطنه.. ولكن لماذا في ذروة الحرب لم انقلب ولم اتغير؟ وماذا أنتظر خاصة وانا لاأظهر في جسم الدولة السورية لأحسب عليها ويستفيد مني المتآمرون؟.. ولكن في هذه الحرب قدمنا عشرات آلاف الشهداء والابطال والجرحى والمفقودين.. ومع هذا تطوع عشرات الالاف في الجبهات.. فهل كان يصح ان نقول انهم كانوا يمثلون علينا الوطنية؟  ثم ان من يقرأني لايجب عليه ان يتبعني الى كل الدروب.. فإذا ماظهر له انني تغيرت فعليه ان يتركني ويختار طريقا آخر.. وانتم تعلمون ان جاسوسا مثل عزمي بشارة مثلا كان له معجبون كثيرون، ولكنه عندما ظهر جلد الثعبان الارقط عندما مال وحاد وتلوى كالثعبان.. أسقطه الناس واحتقروه وداسوه بأحذيتهم وهدموا كل مابناه فيهم.. حتى صار أنقاضا.. وانا عندما أتغير فليس على الناس الا ان تهدم كل مابنيته فيها.

السؤال السادس:

والبعض يتهمك بأنك إبن النظام وتعمل كمخدّر الاوجاع؟!

الجواب:

كلنا أبناء النظام اذا كان النظام وطنيا.. وكلنا خصومه اذا حاد عن وطنيته.. واذا كنت أخدر الاوجاع، فماذا كنت تريديني أن افعل؟ أنكأ الجراح؟.. او أرى الجراح و أتركها تتعفن ويغزوها الذباب والبعوض الذي يعشش في الجزيرة ومواقع الاخوان المسلمين؟.. الوطن والانسان كانا جريحين وكنت أضمد جراحهما وأنظفها وأعقمها بكتاباتي.. حبري كان كحولا.. وأوراقي قطع القطن والشاش.. ولكن أهم شيء فعلته هو أنني لم أكذب على الناس ولم ادغدغ احلامها و أحقنها بالمورفين.. الحقن بالمورفين يخفف الالم الى حين ولكن المريض سيعتاده ويصبح مدمنا ويموت من المورفين وجرعته العالية.

كل ماقلته كنت مؤمنا به جدا.. ولم يراودني في أية لحظة أننا سنخسر الحرب رغم اننا في مراحل ما كنا نعيش ظروفا عسكرية حرجة وموجعة..  فهناك حرب على كل الجغرافيا ومن كل الجغرافيا المحيطة.. وكان الحلم بالصمود مستحيلا لدى البعض.. والنصر ضربا من ضروب الجنون.. ولكني في داخلي كنت هادئا رغم غضبي.. وكنت كمن يرى الغد  يأتيني القلقون وهم يرتجفون واصواتهم تتهدج.. فيما أنا كنت اهدئهم واضع رجلا على رجل وافسر لهم الاشياء حتى انهم كانوا يصابون بالدهشة ويغادرونني وهم اكثر هدوءا مني. 

السؤال السابع:

عود على بدء.. هل كنت تتوقع ان تتحول الفكرة الى شخص له أعداء وخصوم وما الهدف من اخفاء هويتك الشخصيه؟.. وما ردك وكيف سيطمئن القارئ وانت ادرى بالحال العام ومن يحترق من الحليب ينفخ على اللبن؟

الجواب:

طبعا منذ اللحظة الاولى التي أطلقت فيها الرصاص كنت أنتظر الرصاص من الجهة المقابلة، بل والقصف بالمدفعية،  وتوقعت خصومة شرسة للغاية لان الطرف الآخر كان شرسا في كراهيته للرافضين له.. ولاحظت ان رد فعل الاخر اتسم بالمبالغة في الرد والعنف والرفض والتشكيك والاتهام.. لأن الطرف الاخر كان يحس انه مسموح له التحرك خارج الضوابط وفوق السقوف كي لايترك اي مجال لكلمة تعترضه.. ووصل الى حد الارهاب في الموقف.. والجريمة دون عقاب .

اذا كان هناك من لم يطمئن فإن الطمأنينة ليست حبة دواء أو حقنة في الوريد.. المصدر الوحيد للاطمئنان الى ما أكتب هو أن ينصّب القارئ نفسه قاضيا على كتاباتي، لا أن يكون متفرجا في قاعة المحكمة بلاقرار او مناديا على المتهمين، بل عليه ان يجلس بين هيئة المحلفين وفي كرسي القاضي تماماً.

 

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري