كتب الأستاذ محمد محسن:
أمريكا بعد الحرب على سورية ، غير أمريكا ما قبل الحرب ، توقف زحفها ، وخسرت وهجها
الإدارة الأمريكية ، هيئـة منتـخبة ، لإدارة مصـالح البـنوك ، والشـركات الأمريكية الاحـتكارية
ستنسـحب أمريكا من المنطقة مرغـمة ، لكن تحت سـتار التـهديد ، وبعـض الضربات المتفرقة
لا تستبشروا خيراً بمجيء بايدن ، فهو استمرار للسياسات الأمريكية السابقة ، ولا يستطيع الخروج عنها ، مع بعض التلميعات ، والمواقف التجميلية ، التي يتصف بها الرؤساء الديموقراطيون أكثر من الجمهوريين ، ولأن الإدارة الأمريكية ، أية ادارة جمهورية كانت ، أم ديموقراطية ، هي مجرد هيئة منتخبة ، لإدارة مصالح البنوك والشركات الأمريكية العملاقة الاحتكارية ، فحيث تدور مصالح تلك الشركات تدور تلك الإدارة .
إذن إن دور أية إدارة ، هي حماية ، وتوسعة أسواق تلك الشركات الاحتكارية ، عن طريق الحروب المباشرة أو غير المباشرة ، وبجميع الوسائل ولو اقتضى الأمر تدمير بلدان وقتل شعوب ، أما الديموقراطية ، وحقوق الانسان ، فهي كذبة لا تنطلي على عاقل بعد ، فمن يحمي نظام آل سعود السلفي ، و(اسرائيل) الغاصبة ، لا يحق له الادعاء بذلك .
لكن التغيير الجوهري في السياسة الأمريكية ، إن حدث ، فلن يكون منة من الإدارة الجديدة ، أو تعبيراً عن يقظة انسانية أمريكية ، فهذه القيمة لا ترد في قاموس السياسة الأمريكية ، فهي دولة براغماتية ، همها :
الربح ، ومن ثم الربح ، بدون اكتراث لمصائر الشعوب ، فهي دولة قامت على جثث الأمريكيين الأصليين ، ودماء العبيد ، وأرواح الفيتناميين ، والعراقيين ، والسوريين ، وعلى قدرات ، وامكانات ، كل شعوب الأرض .
وإن حدث تغيير مهم ، و[ سيحدث ] ، فستفرضه التوازنات الدولية الجديدة ، التي فرضها الميدان السوري ، (بكل موضوعية) ، حيث أوقف الهجمة الأمريكية ، التي كانت تستبيح العالم (كتسونامي) ، ولما كانت أمريكا لا تعيش بدون حروب ، لأنها طريقها للسيطرة ، ومن ثم للثروة ، يكون الميدان السوري ، ولأول مرة ، قد أوقف اقنيماً من أقانيم أمريكا البنيوية ، وهذا سيشكل بحد ذاته مفصلاً تاريخياً .
بالإضافة إلى أن الميدان السوري ، قد بلور ملامح المعسكر المشرقي ، حيث وضعت أولى لبناته ، وحتى هذا الوليد ، فرضته الظروف بفضل الصمود السوري ، ولو تمكنت أمريكا من اختراق الجدار السوري ، لكانت قد أكملت هجمتها العسكرية شرقاً ، إلى إيران العدو المباشر ، ومن ثم روسيا والصين .
إذن وضع الميدان السوري أمريكا أمام حقيقتين :
1ــ وقف الحروب الأمريكية المتوجهة شرقاً .
2ــ ولادة القطب المشرقي ، الذي سيحقق التوازن ، بدعمه للدول المستهدفة أمريكياً .
لذلك ستجد أمريكا نفسها أمام واقع جديد ، يدفعها للبحث عن صيغ جديدة للتعامل مع الواقع الجديد الذي فرض عليها .
حيث ستضطر اعتماد سياسة اللين ، مع الدول ( الخارجة عن سيطرتها ) ، في المنطقة ، كإيران ، والعراق ، وسورية ، دول التصادم الآن ، لكن تحت غطاء من التهديد ، والوعيد ، في آن واحد ،
ولقد جاء بايدن الرئيس الذي يمتلك الصفات الشخصية التي تؤهله للعب سياسة (العصا والجزرة) , ولكن ومهما كان الجبروت الأمريكي مسيطراً من خلال بوارجه التي تملأ البحار ، وقواعده التي تملأ المنطقة ، ومن خلال ذراعه الاسرائيلية ، ومحميات النفط والمال .
ستجد أمريكا نفسها أمام مرحلة تاريخية جديدة ، ستضطر راغمة ، ومرغمة ، التنازل عن بعض مواقعها ، التي سيملأها القطب المشرقي ، كما ستقر(بينها وبين نفسها) بقدرات محور المقاومة المتنامية ، التي بدأت تقض مضاجعها في العراق وسورية .
[ هذه الدولة الأقوى في العالم ، لكنها تخاف من فخ ينصبه المقاومون على طريق قوافلها ، أو صلية صاروخية تنزل على واحدة من قواعدها ].
بعد كل هذه الوقائع لن تعترف أمريكا بخسرانها ، علناً وستظهر كما قلنا بمظهر القوي المسيطر ، وغير الخائف ، وقد تقوم ببعض ردات الفعل العسكرية هنا أو هناك ، وهي تقدم التنازل وراء الآخر ، لكنها ستنسحب من حيث النتيجة مرغمة ، من العراق ، وسورية ، فلن تتحمل الكثير من التوابيت ، فاللعب مع محور المقاومة يختلف عن اللعب مع الجيوش النظامية .
وأي انكفاء أمريكي عن المنطقة ، سيضعضع الثقة بأمريكا ، وبجدوى حمايتها ، وهذا سيعكس ردوداً سلبية ، معنوية ، ومادية ، على المحميات ، (الإسرائيلية) ، والعربية .
[ أي : أي فراغ ، أو اهتزاز ، أو تراجع ، أو انكفاء ، لمعسكر العدوان ، بكل أذرعه سيملأه محور المقاومة ] .