كتب الأستاذ حليم خاتون: علم الصُدف عند العرب.
عين علی العدو
كتب الأستاذ حليم خاتون: علم الصُدف عند العرب.
حليم خاتون
28 آذار 2021 , 20:52 م
كتب الأستاذ حليم خاتون:    نظرية الصدفة، ونظرية المؤامرة... في ما يشبه النكتة، يُقال: إنّ الفرق بين العرب والغرب نقطة. نقطة قلبت حرف ال"ع" إلى "غ"، وقلبت معها أموراً لا تُعدّ ولا تُحصى..

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

 

نظرية الصدفة، ونظرية المؤامرة...

في ما يشبه النكتة، يُقال: إنّ الفرق بين العرب والغرب نقطة.
نقطة قلبت حرف ال"ع" إلى "غ"، وقلبت معها أموراً لا تُعدّ ولا تُحصى..

وهب الله الإنسان عقلاً لينتج فكرا، فبرع العرب حتى صارت بغداد عاصمة العلوم ومصدر الإشعاع الحضاري مع الخلافة العباسية، وصارت الأندلس مهد الفكر والتطور بعد لجوء بني أميّة إليها...

إنها نظرية ابن خلدون في مقدمته، التي تحدثت عن تطور المجتمعات والدول إلى أعلى القمم قبل أن تُصاب بالأمراض والشيخوخة... 

هكذا انهارت الخلافة العباسية حين سلّمت مقادير الدولة إلى غلمان المماليك الذين مالبثوا أن خسروا كل شيء لصالح الخلافة العثمانية.

نفس الأمر حصل مع الأندلس التي وصلت إلى قمة المجد العلمي والفلسفي، قبل أن يتناحر أمراء الطوائف، لترث إيزابيل هذه الحضارة وتؤسس مملكة اسبانيا العظمى على أنقاضها.

بعد الِانحدار الذي أصاب المجتمعات العربية، إثر التحجّر  الفكري الناتج عن عقول أكثر تحجّرا، دخل الفكر العربي في سبات عميق قارب الموت السريري، لكن لم يصل إليه تماما بفضل عامل واحد فقط.. هو القرآن.

يُخبرنا التاريخ عن حضارات سادت قبل أن تنهار، ويختفي أي أثر للكثير منها.

ما منع العقل العربي من الموت النهائي هو الدعوة المحمدية المرتبطة ارتباطا وثيقا باللغة العربية، لغة القرآن.

لم تمرّ السنين طوال عصر الِانحطاط دون أن تنبض أحياناً كثيرةً بعض العروق وتحاول إيقاظ الأمّة من الگوما التي تغرق فيها..

ورغم التعتيم على تاريخ ما كان أحرار هذه الأمة يفعلونه، وصلتنا بعض الأقاصيص والقصص الشعبية التي لم يستطع غبار الزمن طمس إشعاعاتها، كما حدث مع الدولة الحمدانية في حلب، والدولة الفاطمية في مصرومع صلاح الدين الأيوبي، والى دولة محمد علي باشا في مصر  والسودان  والتي استطاعت مدّ سلطتها الى معظم بلاد الشام والحجاز، قبل أن تتحالف في مواجهتها انكلترا وروسيا وبروسيا، التي صارت المانيا فيما بعد، ومعهم إمبراطورية النمسا وهنغاريا والإمبراطورية العثمانية و وصولا إلى الثورة العُرابية...

ما إن شعرت القوى العظمى بمجرد إمكانية انبعاث أمة القرآن، حتى أُنشئ تحالف واسع من القوى العظمى ولعبت الخلافة العثمانية يومها نفس الدور القذر الذي تلعبه ممالك ودول التطبيع اليوم...وما يُسمّى التحالف
"العربي" في اليمن..

الفرق الجوهري اليوم بين الفكر العربي والفكر الغربي هو في لحظوية الأول واستمرارية الثاني...

الفكر العربي ومنذ مئات السنين، هو ارتجالي يهبّ في لحظة معينة من التاريخ، فتسارع القوى العظمى لوئده في المهد، وأحيانا كثيرة بمساعدة الطبقات الحاكمة والميسورة المرتبطة بهذه القوى في مصالح ضيقة لا تخرج عن علاقة التابع والمتبوع.

أما القوى العظمى، وهي خلال مئات السنين، ومنذ الحملات الصليبية على بلاد الشام؛ هي كانت أساسا في الغرب الأوروبي وقد انضمت إليه أمريكا حديثاً في المئة سنة الأخيرة...

هذه القوى العظمى تعرف أن قلب الأمة يتواجد، بشكل أساسي، في مصر وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، أي العراق.

لذلك حرص الغرب على استباق الأمور دوماً، ومنع أي إمكانية لبعث الأمة من جديد..

وعندما سبقتها الأحداث، كما حصل مع الثورة المصرية ووصول جمال عبد الناصر إلى الحكم، عملت كل ما في وسعها لقلب الأمور رأسا على عقب، عبر ثورات مضادة قادت معظمها الرجعية العربية والإخوان المسلمون...

خلال خمسين سنة، جرت في هذه الأمة احداث وأمور، لا يمكن أن تكون سوى جزء من مسلسل مُعدّ ببراغماتية متناهية، وبشكل،إنه ما أن يفشل تدبير حتى يتمّ استبداله بتدبير آخر مكانه..

لكن يبقى الهدف النهائي هو السيطرة وتخريب هذا المثلث: مصر، سوريا، العراق... وكل ما ومن يرتبط بهم...

ظلّ الإخوان "المسلمون" يحاربون القومية العربية، ولا يزالون، في مصر وبلاد الشام، وينتجون من التنظيمات التكفيرية ما كان كفيلاً بمنع أيّة إمكانية للتطورالفكري والحرص على حبس العقل العربي في أيديولوجيات القرون الوسطى.

حتى الدولة المصرية، شبه التابعة بالكامل للمعسكر الغربي، لم  تنجُ، ولا تنجو من المؤامرات.

ما يُسمّى بأنصار، أو اجناد، أو أي صفة ترتبط ببيت المقدس، يعشعشون في سيناء، وفي غزة، ويقومون بعمليات قتل ضباط وجنود الجيش المصري، دون حتى ولو عملية واحدة ضدّ الصهاينة.

الإمارات والصهاينة والغرب عملوا على إنشاء سدّ النهضة في إثيوبيا، ما سوف يحرم مصر من أكثر من ثلث ثروتها المائية، ما سوف يؤدي بدوره إلى تدمير السلة الزراعية والغذائية لهذا البلد.

في أسبوع واحد جرى تخريب قناة السويس والتسبب بكارثة اصطدام بين قطارين... في نفس الوقت الذي يتم فيه الحديث عن حفر قناة داخل فلسطين المحتلة، وإنشاء سكة حديد تربط بلاد الخليج بمرفأ حيفا، وتقوم الإمارات بإنشاء محفظة استثمارية، بعشرة مليارات دولار في الكيان، في الوقت الذي تعمل فيه هذه الأطراف نفسها، مع تركيا على منع سوريا والعراق من التعافي وإعادة الحياة للسلطة المركزية.

أكيد سوف يقفز بعض البلهاء و بعض أتباع المخطّط، لتناول ما يحدث بالإستهزاء من نظرية المؤامرة...

الصُدف تحدث في مصر فقط... لم نسمع عن  صُدف مشابهة في داخل الكيان...

صدفة، يتم دفع أنور السادات إلى منصب نائب الرئيس في مصر، مع تشخيص "الأطباء" السوفيات عن حالة عبدالناصر الصحية الحرجة... ومن يعرف التاريخ السوفياتي يتذكّر 
المؤامرة التي كشفها ستالين،وكان معظمها من أطباء"يهود" سوفيات يعملون مع الغرب...

صدفة يموت باسل الأسد في حادث سير، وهو أكثر المقربين حينها إلى المقاومة الإسلامية في لبنان...

صدفة، يتم الدفع بساركوزي ذي الأمّ اليهودية، إلى مقدمة الصفوف في الحزب الديغولي في فرنسا.
صدفةً أيضاً، يتم وضع الصبيّ اليافع ماكرون في مواقع اقتصادية متقدّمة، وهو تابع بالكامل لمؤسسات روتشيلد الصهيونية، ويتمّ بالفضائح، الواحدة تلو الأخرى، إزالة الخصوم والعقبات من الطريق، لكي يأتي هو إلى سدّة الرئاسة..

تماماً كما هي صدفة أن يكون ترامب، والآن بايدن، متعلقاً بأحفاده من زوجات يهود لأبنائه وأزواجٍ"يهود"لبناته...

تماما كما هي صدفة أن يتم زرع رفيق الحريري، ومعه فؤاد السنيورة لتخريب الِاقتصاد اللبناني لنصل إلى الِانهيار، ثم يحدث انفجار مرفأ بيروت، لإعطاء الذرائع لمن يريد مركزة الخطوط إلى أوروبا والعالم في مرفأ حيفا 
الصهيوني.

إنها صدفة تكوّن هذا الكون نفسها، ودون قدرة أي قادر على الإطلاق.

يبدو أنّ الصدف تنحصر فقط في مجتمعاتنا العربية، دون سواها من المجتمعات.

 ولكثرة تراكم هذه الصدف، تشكلّ منها نظامٌ شاملّ متكامل، حتى بات علينا إنشاء علم جديد اسمه علم الصُدف عند العرب.

المصدر: موقع إضاءات الإحباري