عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
في سابقة فريدة، تعتبر إسرائيل "الدولة" الوحيدة في العالم التي تعترف بصوماليلاند ك"دولة".
ولذا وجدت من الَمناسب عرض الوضع السياسي الهش لأرض الصومال، الذي انتهزته إسرائيل لتمرير مخططها، بالتواجد على إمتداد 856 كلم من إجمالي الساحل الصومالي والبلغ 3333 كلم ويشرف على خليج عدن.
وتقع صوماليلاَند على عنق زجاجة باب المندب؛ وهذا َما اثار شهية إسرائيل الإستعمارية التوسعية للتحكم بالتجارة الدولية في باب المندب. وستشكل إسرائيل تهديدًا إستراتيجيَا للدول المتشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن.
وسيمثل تواجد إسرائيل في صوماليلاند خطرًا إستراتيجيًا على حرية الملاحة في قناة السويس.
فأرض الصومال جمهورية أعلنت استقلالها عن بريطانيا عام 1960، واعترفت بها أكثر من 34 دولة عضو في الأمم المتحدة. ولكن الشعب كان يريد تأسيس بلد لكل المتحدثين باللغة الصومالية (في منطقة الصومال الكبير) ابتداًء من جيبوتي (حاليًا) إلى إقليم NDF في كينيا. ذلك الحلم بدأ بالاتحاد مع الصومال (الجنوب). وبعد 18 عامًا من الوحدة قامت الحرب الأهلية التي قُتل فيها ما يقارب من ربع مليون مدني. وبعد استيلاء الحركة الوطنية SNM وهزيمتها للحكومة، أعادت صوماليلاند إعلان استقلالها بتاريخ 18 أيار/مايو 1991 ولكن لم تنل اعترافًا رسميًا بها.
وتبلغ مساحة أراضيها المزعومة 176,120 كيلومترًا مربعًا (68,000 ميل مربع)، ويبلغ عدد سكانها حوالي 6.2 مليون نسمة اعتبارًا من عام 2024. عاصمتها هرجيسا وهي أكبر مدنها.
وبعد هذه المعلومات عن صوماليلاند ننتقل إلى الأسباب الأمنية التي دفعت نتنياهو لإعلان الإعتراف بصوَماليلاند:
1. من "سقطرى" إلى "بربرة":
التحول للاستقلال الاستراتيجي
وفرت جزيرة سقطرى (عبر التواجد الإماراتي) نقطة مراقبة متقدمة في بحر العرب ومدخل خليج عدن، إلا أن الاعتراف بـ صوماليلاند يمنح إسرائيل ميزات لا تتوفر في سقطرى:
1-1 الشرعية المباشرة:
بدلاً من الاعتماد على حليف (الإمارات) في منطقة صراع (اليمن)، أصبح لإسرائيل الآن "دولة" تعترف بها وتسمح لها بإقامة قواعد عسكرية وأجهزة إنذار مبكر باتفاقيات ثنائية رسمية.
2-1 القرب من باب المندب:
صوماليلاند تمتلك ساحلاً يمتد لأكثر من 856 كلم من أصل 3333 كلم وهو طول الساحل الصومالي، وهي أقرب جغرافياً لمضيق باب المندب والساحل اليمني (معاقل الحوثيين) من جزيرة سقطرى.
2. "تطويق" التهديد اليمني
الهدف الأساسي المعلن في الأوساط الأمنية الإسرائيلية هو مواجهة تهديدات إيران والحوثيين. التواجد في صوماليلاند يعني:
1-2 رصد حي ومباشر 2-2 وضع رادارات ومنصات إطلاق طائرات مسيرة على الضفة المقابلة لليمن تماماً.
3-2 قطع خطوط الإمداد
4-2 مراقبة عمليات تهريب الأسلحة التي قد تمر عبر القرن الإفريقي باتجاه اليمن.
3. خنق الأمن القومي العربي (مصر والسودان)
هذا التواجد سيثير قلقاً بالغاً فيالقاهرة، لعدة أسباب:
1-3 قناة السويس:
فمن يسيطر على "عنق الزجاجة" في صوماليلاند يمتلك مفتاح التحكم في حركة الملاحة المتجهة نحو قناة السويس، مما يجعل أمن القناة تحت رحمة التواجد الإسرائيلي المباشر في الجنوب.
2-3 البدائل اللوجستية:
هناك تقارير تشير إلى رغبة إسرائيل في تطوير "ممر بربرة" ليكون شرياناً تجارياً يربط إفريقيا بالموانئ الإسرائيلية (إيلات وأشدود)، وهو ما قد يؤثر مستقبلاً على وزن المسارات البحرية التقليدية.
4. التنسيق مع إثيوبيا
لا يمكن فصل هذا الاعتراف عن الاتفاق الذي وقعته إثيوبيا مع صوماليلاند (مطلع 2024) للحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية. وهذا يشكل "محوراً جديداً" (إسرائيل - إثيوبيا - صوماليلاند) في مواجهة المحور التقليدي (الصومال - مصر - تركيا).
ملاحظة هامة: حذرت الخارجية الفلسطينية وبعض المصادر الإقليمية من أن هذا الاعتراف قد يُستخدم أيضاً كغطاء لمشاريع "تهجير" أو إعادة توطين، لكن التركيز الأكبر يظل على البعد العسكري والأمني البحري.
ولإثبات إن خطوة نتنياهو تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي الإستراتيجي نعود إلى تصريح نتنياهو بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر الحالي:
"لم نغلق حسابنا حتى الآن مع الحوثيين وإيران".
فالإعتراف بصوماليلاند وتوقيع كافة أنواع الإتفاقيات الإقتصادية والعسكرية معها وخاصة الأَمنية التي تسمح لأسرائيل بالتواجد في صوَماليلاند لتجميع المعلومات الضرورية عن إيران والحوثيين تمهيدًا لفتح الحساب معهم.
ومن المؤكد إن جنون عظمة نتنياهو وأضطراب نرجسيته جعلاه لا يفكر في العواقب؛ فعندما يهدد نتنياهو الأمن القومي لإيران والحوثيين فَن اليقين بأنهم لن يستقبلوه بالورود والرياحين.
وإنّ غدًا لناظره قريب
27 كانون الأول/ ديسَمبر 2025
.