كتب م. زياد أبو الرجا: في أي محطة نقف ومع اي قطار نركب؟.
ثقافة
كتب م. زياد أبو الرجا: في أي محطة نقف ومع اي قطار نركب؟.
1 نيسان 2021 , 19:42 م
  في الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية العثمانية تشيخ وتسقط أقطارا عربية كثيرة تحت هيمنة الدول الاستعمارية الطامعة في أرث الإمبراطورية مثل أقطار المغرب العربي ومصر التي استعمرتها فرنسا وإيطاليا واسب

 

في الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية العثمانية تشيخ وتسقط أقطارا عربية كثيرة تحت هيمنة الدول الاستعمارية الطامعة في أرث الإمبراطورية مثل أقطار المغرب العربي ومصر التي استعمرتها فرنسا وإيطاليا واسبانيا وبريطانيا 
قبل هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الاولي بعقود.

أن أهم حدثين قررا مصير بلاد الشام بعد الحرب العالمية هما وعد بلفور المشؤوم واتفاقية سايكس-بيكو التي رسمت الحدود الإقليمية لبلاد الشام وهيمنة فرنسا وبريطانيا عليها. 

بعد أن أصبح الوطن العربي من المحيط الى الخليج تحت الاحتلال الاستعماري المباشر خاضت الشعوب العربية نضالات للخلاص من نير المحتل الأوروبي الاستعماري وكانت هوية هذه النضالات وطنية (بمعنى الانتماء إلى وطن) وشعبية (بمعنى الانتماء الى شعب) حيث كانت المسميات نضال الشعب المصري، الليبي، التونسي، الجزائري، المغربي، الفلسطيني، السوري، والعراقي الخ.. 
شعب بكل مكوناته على أرض وطن بحدوده المعروفة.

لمواجهة هذه الحركات الوطنية اعتمدت القوى الاستعمارية مبدأ "فرق تسد" الخبيث فشرعت بتأسيس حركات وأحزاب دينية ظاهرها معاداة الاستعمار ونيل الاستقلال وباطنها حرف بوصلة النضال الوطني ممثلا بكل مكوناته المذهبية والعرقية الى نضال يعتمد على المكوّن الواحد القائم على الدين والمذهب.

بعد ان أنجزت الدول العربية استقلالها أصبحت تقف وجها لوجه امام متطلبات المرحلة الثقيلة والصعبة كتحقيق السيادة الوطنية ومكافحة الفقر والجهل والأمية والتنمية الاقتصادية وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وتعبيد الطرق وشق السكك الحديدية وبناء الموانئ والمطارات وفوق كل ذلك الصناعات الوطنية كان المجتمع آنذاك منقسما بين قوى وطنية تقدمية وأخرى رجعية متخلفة إلا أن الجامع والقاسم المشترك عنوانه (وطن – شعب).

تجلى النضال العربي في خمسينات القرن الماضي بأروع صوره حين قام الضباط الأحرار في مصر بإسقاط الملكية واعلان جمهورية مصر العربية رافعة شعار القومية والوحدة العربية والسيادة الوطنية والتخلص من الهيمنة الاقتصادية والثقافية لقوى الاستعمار ومساندة حركات التحرر الوطني في الوطن العربي واسيا وافريقيا وكذلك بناء القاعدة الصناعية الوطنية وتأميم قناة السويس واعداد جيش وطني وتسليحه بما يمكنه من الدفاع عن الوطن وحماية المنجزات الوطنية، في عهد عبد الناصر صار اسم مصر دولة الألف مصنع بعد تأميم القناة تعرضت مصر للعدوان الثلاثي الغاشم و هبت مصر كلها دولة و شعبا و تصدت للعدوان ببسالة فائقة و التفت الجماهير العربية حولها من المحيط إلى الخليج (اذكر عندما كنا صغارا و ذهبنا كطلاب مدارس الى رفيديا – نابلس حيث القنصلية البريطانية واحتشدت الألوف من القرى و مدينة نابلس امام القنصلية و كانت الهتافات "عبد الناصر يا جمال......فلسطين بعد القنال" 
" يا شبلوف طل وشوف......عالقنال لمع سيوف".

أنجزت مصر الناصرية وعبد الناصر مع جوزيف بروز تيتو الزعيم اليوغسلافي وأحمد سوكارنو الزعيم الوطني الاندونيسي وجواهر لال نهري زعيم جمهورية الهند النواة الصلبة لمجموعة دول عدم الانحياز التي أخذت بعدا عالميا وانضمت اليها عشرات الدول من اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وتبوأت مكانه دولية مرموقة وأصبح لها وزن يحسب حسابه وكلمة مسموعة في المحافل الدولية والعالم اجمع. أنجزت مصر بناء السد العالي الذي نظم الري ومد مصر بالطاقة الكهربائية اللازمة لإنارة المدن والقرى وتشغيل المعامل والمصانع.

ان السمة الأساسية لتلك المرحلة كانت صراع القوى الوطنية و القومية و التقدمية مع القوى الرجعية و العمالة و التخلف ان الطعنة النجلاء لمصر الناصرية كانت من قوى الرجعية العربية التي واكب قيام كياناتها قيام الكيان الصهيوني الغاصب على ارض فلسطين و تآمرها و دورها في حرب حزيران، بعد حرب أكتوبر المجيدة قامت أمريكا و الكيان بتقييم الوضع الاستراتيجي و اختصرته بالتالي (يجب ان لا يحدث هذا مرة أخرى) أي ان يكون هناك جيوش عربية قادرة على التخطيط و المباغتة و الهجوم لذا صار لزاما على التحالف الصهيواميركي ان يحطم دول الطوق ممثلة بمصر و العراق و سوريا ساعدهم في ذلك خروج السادات من الصف بتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من الصراع العربي الصهيوني واقحمت سوريا و الثورة الفلسطينية في مستنقع لبنان وورطت العراق في حرب طويلة عبثية مع ايران أودت بمقدرات العراق المادية و البشرية دافعة إياه الى فخ احتلال الكويت و ما ترتب عليه من حشد للجيوش بدعوة تحرير الكويت و كانت المحصلة ان جعلت الجزيرة العربية مسرحا للقواعد الأجنبية و تفعيل مشروع برناند لويس (تجزئة المجزأ و تقسيم المقسم) على أسس عرقية و طائفية و الذي أخذت مفاعيله تتطور مع افول القرن العشرين و بزوغ القرن الحادي و العشرين حيث تعرضت دول الطوق و الثقل الحضاري و العمق التاريخي مصر العراق سوريا الى حرب من نوع جديد لا جيوش فيها الا قوى الردة و التخلف و التعصب الديني و العرقي و الحقد الأسود الذي يرى في تدمير ما هو أساسي في الدولة من جيش و قوى امن و مؤسسات و إدارات مختلفة تغييب كامل للدولة و ليس النظام فقط حيث يؤدي غياب الدولة الى التجزئة الجغرافية و انقسام المجتمع الى مكوناته المذهبية و الطائفية و العرقية و تصبح عملية احياء الدولة الموحدة من جديد مهمة شاقة. 

اعتمدت القوى الاستعمارية على وسائل الاعلام لنشر الفتن المذهبية والعرقية داخل كل قطر وبرزت مصطلحات لم يسبق تداولها من قبل على سبيل المثال بدل قول الشعب المصري حل محله عرب مصر، اقباط مصر، نوبيو مصر وبدل الشعب العراقي حل محله سنة العراق وشيعة العراق وكرد العراق وفي سوريا دروز سوريا وعلويو سوريا وسنة سوريا ومسيحيو سوريا الخ..  والمصيبة اننا استخدمنا هذه المصطلحات في وسائل اعلامنا وادبيات احزابنا ووصل الحال بنا الي ان أصبح المجتمع يستخدمها في علاقاته الاجتماعية وصار الفرد العربي يشير الى صديقه فلان المسيحي او الشيعي او القبطي والكردي والدرزي الى اخر مكونات اللوحة الفسيفسائية التي تتكون منها مجتمعاتنا.

حصل هذا وانتشر افقيا في مجتمعاتنا لعدة أسباب أولها ان السلطات الحاكمة استفادت من الانقسام والثاني هو غياب انتليجانسيا وطنية تحمل مشروعا نهضويا مسلحا بثقافة العصر ومنحازا الى الجماهير.

الأسئلة المطروحة بعد مضي عقدين من الزمن، هل بقيت الشعوب شعوبا؟ بمعنى هل يصح الآن ان نقول الشعب العراقي؟ الشعب المصري؟ الشعب اليمني؟ الشعب السوري؟ الشعب الليبي؟ 

ان الإجابة على هذه الأسئلة تفضي الى أول باب من أبوب فهم المسألة، لنأخذ مثلا اليمن والصراع الدائر على أرضه منذ ٦ سنوات ان من يقاتل في كل الساحات الداخلية يمنيون منهم في صف السعودية والثاني في صف الإمارات والثالث يقاتلهما كذلك الأمر في سوريا وليبيا.

ان سمة المرحلة الحالية هي ان الشعوب العربية مشتبكة في قتال بعضها البعض وكل طرف من أطراف الاشتباك يرتكز على مذهبية او عرقية وهذا يقودنا الى السؤال التالي في هذه اللجة من الصراع مع أي طرف علينا ان نقف كمثقفين؟

للإجابة على هذا السؤال يجب ان نحدد بدقة وموضوعية هوية كل طرف وتموضعه في الصراع وعلى أي ضفة يقف؟  ولأي معسكر ينتمي؟ بالمعلومات والمقدمات والنتائج وان تعذر ذلك فبالتحليل العلمي وليس الهوى والرغبات. ان التلكؤ وعدم الاقدام على أخذ موقف واضحه سيعصف بنا جميعا الى شباك القوى التي تعمل على تمرير المخطط الصهيوأمريكي في المنطقة وان الدهماء المتخلفة ستكون القوى التي تحملنا الى مهاوي الهلاك والردى، فهل لكل هذه المحاذير من صدى؟.

 

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري