كتب البروفيسور د محمد كاظم المهاجر: السقوط إلى أعلى،محاولة فكرية لفهم البعض في لبنان.
دراسات و أبحاث
كتب البروفيسور د محمد كاظم المهاجر: السقوط إلى أعلى،محاولة فكرية لفهم البعض في لبنان.
د.محمد كاظم المهاجر
9 نيسان 2021 , 22:58 م
كتب البروفيسور د محمد كاظم المهاجر:   _ كنت أطّلع على اعترافات السيناتور الأمريكي ديك بلاك أمام معهد شيللر الأمريكي  بتاريخ 21 /3/ 2021 حول انتهاكات السياسة الخارجية الأمريكية وتآمرها على الدول وا

كتب البروفيسور د محمد كاظم المهاجر:
 

_ كنت أطّلع على اعترافات السيناتور الأمريكي ديك بلاك أمام معهد شيللر الأمريكي  بتاريخ 21 /3/ 2021 حول انتهاكات السياسة الخارجية الأمريكية وتآمرها على الدول والشعوب وتعاملها مع الإنسان ( يبدو أنّ ضمير السيناتور قد استيقظ ) ؛ وفي استغراقٍ تأمليٍّ وفكريّ، أعادت لي مناقشة فلسفية في جامعة همبولدت في ألمانيا عام 1978 حيث كنت آنذاك طالباً على الدكتوراة في هذه الجامعة، كان أستاذ الفلسفة البروفيسور juswig (يوزفيك ) يناقش مقالة المفكر الليبرالي بنتام ( 1748 _ 1832 ) والتي فحواها ( أنّ الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وأنّ ذلك فطرة لديه، وهي نابعة من القانون الطبيعي الذي يؤمن به الفكر الليبرالي، والقائم على الفردية والنفعية ) و ( باختصار ) بعد أن فنّد البروفيسور هذه المقولة عبر منهجية التحليل المادي الجدلي، وتوصل إلى أنّ نتيجة العداء التي تستحكم في نفوس بعض البشر هي مكتسبة وليست فطرية، ومصادرها الِانحراف النفعي الفردي للإنسان الذي تنحو الليبرالية إلى جعله القانون المحرك للنشاط البشري، كما يؤكد ذلك أيضا المفكر الليبرالي البارز بيكاريا (1764 )،الذي ذهب إلى التشديد على الإنسان بطبعه أنانيٌّ وفرديٌّ كلياً، لايهتم قط بمصلحة الغير، أو المصلحة العامة . 
بعد أن انتهى البروفيسور من عرض ونقض مقولة بنتام، التفت إلَيَّ وسألني : هل هناك رأي للإسلام في هذا السياق ؟

كانت مداخلتي ( وباختصار شديد ) أنّ الفكرالإسلامي قائم على العرفان العقلي والنقل، وفي النقل نقرأ الآية الكريمة:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ*}.( التين الآيات 4، 5 و6 ) وأنّ النفس البشرية تتنازعها القوةالعقلية والقوة الشهوانية الراغبة والقوة الغضبية، وإذا ما هيمنت القوى الشهوانية والرغبات على النفس البشرية سقطت منظومة القيم والفضيلة لديها، والقوة الشهوانية والراغبة قائمة على الفردية والمنفعة، وأنا أتّفق مع البروفيسور،
من حيث النتيجة، في ذئبية الإنسان، كمكتسبة وليست فطرية، والفرق بيننا في منهج التحليل، حيث هو وفق التحليل المادي الجدلي، بينما تحليلي قائم على سياقات العقل والنقل في الفكر الإسلامي، وبالتالي لديه الموقف الطبقي، ولديّ الموقف الناتج عن سقوط منظومة القيم والفضيلة لدى إنسا"نِ بنتام".

_ من هذا المنطلق، أحاول إيجاد التفسير للبعض في لبنان، وفق مفهوم ( سيادة الدولة ) و( بناءالوطن ) و ( المصلحة العامة ) . 
وفقاً للتصنيف الذي يطلقه الكاتب الفذ الأستاذ حليم خاتون، في سلسلة من مقالاته كنت أُتابعها على صفحات موقع ( إضاءات ) يفنِّد فيها أشكال السلوك والتعاطي لفئات لبنانية مع الوضع القائم في لبنان، وكيف تسقط كل قيم السيادة
الوطنية والمصلحة العامة وحقوق الشعب، أمام المصالح الفئوية والفردية، والتي أوصلت لبنان إلى الوضع الحالي  . 
وأجد نفسي لست بحاجة إلى تكرار ما كتبه الاستاذ خاتون، وإنما أحيل القارىء إلى تلك المقالات التي اتفق معه فيها اتفاقاً تاما.

_ هذا النهج للبعض أوصلنا، ليس فقط إلى تعاطي الغرب، وخاصة أمريكا، أن تتعامل معنا  وفق قوانينها التي تفرضها (قانون التفوق , قانون المصلحة / بالأخصّ مصلحة "إسرائيل"، وقانون الهيمنة )، وإنما أكثر من ذلك، كمزرعة يرتع فيها البعض  من العملاء، وفق الأجندات المرسومة لهم،  سواء وكلاء مباشرين وأمثلتهم كثيرة وعلانية، أو إقليميين.
أما المحليون فهم ادوات التنفيذ غِبَّ الطلب؛ وهنا بالتحديد، أشير إلى المحليين الذين أُسمّيهم ب"أسفل السافلين"، الذين ورد ذكرهم أعلاه.

  لقد جعلوا من لبنان موضعاً للتطاول، لم يقتصر على الغرب إنما تعدّى ذلك إلى القوى الإقليمية التي هي نفسها موضع اشمئزاز في كل سلوكياتها وبنيتها، ونمط تفكيرها
المغذّي للإرهاب والتكفير، وتمويل ودعم الدواعش ..........الخ. والأدهى من ذلك، صار التطاول على سيادتنا الوطنية أيضاً من مهازل البشر.
ومصداق ما أقول، أن يأتي 
صعلوكٌ إلى لبنان المزرعة، ويعقد لقاءاتٍ مع من يشاء، ويبحث تشكيل الحكومة وفق إملاءات معينة، وأكثر من ذلك، انظر كيف يعطينا دروساً في الطائف وغير ذلك ؟؟؟؟؟!!!!!

أي مستوىً بلغناه ؟ وكيف أصبح لبنان مرتعاً لشُذّاذ الآفاق؟!
الذي أوصلنا لهذا الوضع، ليس الغرب أو القوى الاقليمية،وإنّما البعض مِنّا، الذين سقطوا إلى الأعلى ( وفقاً للديموس، او الِاعتراف ) وأسقطوامعهم كل أشكال السيادة وبناء الوطن،وحجبوا قرارناالمستقل قرارنا نحن، ونحن فقط،في أمورناالوطنية.

  وأكثر من ذلك أنّ البعض يريد أن يعطي شرعية قانونية لهذا التدخل والتطاول علينا، وذلك عبرالتدويل ؟!! وأيّ تدويلٍ هوهذا، وهي مدوّلةبالأساس  دون الحاجة لأي إذن من أحدٍ مِنّا؛ أفلا تبصرون
دخولهم وخروجهم، وإملاءاتهم وأوامرهم، وتحرُّكاتهم وتحريكَهم؟!.... 

هل هناك أكثر تدويلاً من هذا التدويل؟!!

هذه هي نتائج نهجكم الذي أشرنا إلى سماته، وأسميناه بالسقوط إلى أعلى، الذي أفرغ سيادة لبنان من كل معانيها، ووقف يستجدي الاعتراف، حتى من الاعداء على حياديته. حيادية ماذا ؟ بين من ومن ؟ بين قوى الشر والصهيونية، وانتهاكات الغرب من جهة، وبين من حرّر الوطن وقدَّم ويُقدِّم الدماء، لصونه ورفعته ومنعِ الِاعتداءعليه؟!

_ أيّ منهجٍ للخلاص في لبنان، أمنياً وسيادياً واقتصادياً، لن يكون إلّا بالتحصين الداخلي، عبر الوحدة الوطنية المقتدرة على إسقاط ومحاسبة الساقطين إلى الأعلى، من "أسفل السافلين، الفاسدين ناهبي موارد البلد والملتحقين بأجندات الغير المفضية إلى المصلحة العدائية للبنان،  والمتسلِّحة بمنهجٍ ممانعٍ مقاوم، وصمودٍ ذاتيٍّ بقرارٍ استراتجيٍّ قادرٍ على تطهير لبنان، من كل أشكال الفساد والمفسدين الساقطين، إلى أسفلِ سافلين .

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري