من المفهوم تماماً و نتيجة للعزل و التعذيب النفسي و الجسدي و القهر و الخذلان و التجاهل من جانب فصائل فلسطينية ترفع يافطات الحرية و التحرير، أقول يكون مفهوماً أن يفقد أحد أبطالنا المقاومين و القوميين و إسمه منصور الشحاتيت جزءاً من ذاكرته بحيث نسي علاقته بأمه و أسرته و لكنه تشدد للغاية بالمحافظة و التمسك بذاكرة الإنتماء المطلق للوطن و ضرورة الدفاع عنه إلى أقصى مدى و بكل الحالات و بقي مهووساً و مسكوناً و مسحوراً بتلك الفكرة بأنه للحفاظ على الوطن و شعبه لا بأس من التضحية بعقل و ذاكرة و أسرة الفرد الواحد المقاوم كي تنتصر الفكرة الأسمى و الأعلى.
لو سألنا إختصاصيين بسيكولوجيين أو بعلم الأمراض النفسية فأنا متأكد بأننا سنخرج بنتيجة واضحة بأن منصور كان يدرك و يعي تماماً ما يدور و كان أمام خيارين: إما يهادن السجان و يحصل على تعامل أفضل بعض الشيء كإلغاء العزل و التوقف عن ضربه و تعذيبه و هنا لن يتخلى عن ذاكرته و الجزء المتعلق بأسرته و لكنه كان في وضعية و خصوصية سيكولوجية ستؤدي معه تحديداً لتشوه في الذاكرة الوطنية و ماهية الوطن و الشعب و المقاومة و تعريفاتها.
منصور إختار الجواب الأول و بصدق و هو ما شاهدناه عليه. أحد الرفاق قاتل في حرب الجبل وأظهر تفوقاً و بطولات متميزة تم سؤاله عن كيف إستطاع ذلك ؟! فأجاب: "أقنعت نفسي بأنني روبوت و برمجت عقلي بمهمة واحدة وحيدة و هي الإنتصار و مسحت كل المشاعر و الذكريات من عقلي، لأنني لو فكرت بأمي و أهلي، كنت ربما سأخاف و أهرب !".
يعني منصور تخلى عن جزء من ذاكرته و علاقته الروحية النفسية بأسرته، بكامل وعيه و إرادته و مع سبق الإصرار و الترصد. في المقابل كانت دكاكين التحرير الفلسطينية و مالكيها يقومون بعمل معاكس تماماً حيث تضخمت لديهم ذاكرة و مفهوم و حضور الأنا الذاتية Ego أو الأنانية معطوفة و بمعية الأسرة و على حساب الذاكرة الوطنية الأشمل فتم إستحضار أحقر صفات النفس البشرية من الكذب و الخداع و الأنانية لنسيان جرائم الإحتلال و حتى إنكارها كلية و أصبح منصور و بقية رفاقه عبارة عن قتلة إرهابيين و يجب أن يبقوا في السجون إلى أبعد مدى هذا في حال لم يتم النجاح بإغتيالهم.
يعني خيانة وطنية عظمى تمارسها الفصائل التي تسير بركب الإنتخابات و عبر تدمير ذاكرتنا الوطنية و بحفنة من الدولارات. ذاكرة عن ذاكرة بتفرق، ذاكرة منصور و ذاكرة الدولار !