كتب م. زياد ابو الرجا: المنزلة بين المنزلتين....قرن هجع واخر نهض,
مقالات
كتب م. زياد ابو الرجا: المنزلة بين المنزلتين....قرن هجع واخر نهض,
24 نيسان 2021 , 20:24 م
شهدت العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين احداثا غيرت وجهة ومسار التاريخ بدءا بحرب تشرين الاول/ اوكتوبر وانتصار الثورة الفيتنامية واتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني وما تبعها من تصدع وخ


شهدت العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين احداثا غيرت وجهة ومسار التاريخ بدءا بحرب تشرين الاول/ اوكتوبر وانتصار الثورة الفيتنامية واتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني وما تبعها من تصدع وخلل عظيمين في عالمنا العربي وقيام الثورة الايرانية التي اطاحت بعرش الطاووس الشاهنشاهي وما تلاهها من حرب عبثية وجائرة بين العراق وايران والتي اهلكت جيلا كاملا في البلدين بالاضافة الى الخراب الاقتصادي والدمار العمراني وهدر المليارات على المجهود الحربي  .

    على اثر هذه الحرب التي اشعلت فتيلها امريكا واستعرت اوارها بتوريد السلاح الممول عربيا بهدف اسقاط الثورة الايرانية وعندما استنفذت قوى الطرفين, عاد كل منهما الى الحدود الدولية القائمة قبل الحرب وهبطت اسعار النفط وخرج العراق منها صفر اليدين فلا عربستان ( الاحواز) حررت ولا البوابة الشرقية اوصدت.
    مع استمرار تدني اسعار النفط  اخذ صدام يلقي باللوم على الكويت واخذ يحشد على حدودها ملوحا بغزوها ان لم تستجب لطلباته. وبعد ان بلع الطعمين الذين ألقتهما امريكا له قام بغزوه للكويت  ووضع الدول العربية بشكل خاص والدولية بشكل عام على صفيح ساخن  حيث انقسمت الدول والشعوب العربية بين مندد بالغزو وبين مؤيد له. شكلت امريكا تحالفا دوليا هدفه المعلن هو حرمان المعتدي من جني ثمار عدوانه بتحرير دولة الكويت واعادة السلطة الشرعية التي لا يختلف عليها اي كويتي.
فيما الهدف الاستراتيجي هو التواجد والحضور الامريكي المباشر في الاقليم.
كان لتفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط منظومة حلف وارسو وانهيار جدار برلين  التسونامي العظيم الذي عصف بكل التوازنات الدولية التي كانت قائمة بعد الحرب العالمية الثانية .وكشف هذا الاعصار العظيم الوجه البشع للاامبريالية  الامريكية حيث حررها من اي ضوابط اخلاقية ومعنوية واخذ منظروها  بالتبشير الى ما سيكون عليه العالم اقتصاديا وثقافيا حيث اطل علينا فرانسيس فوكوياما باطروحته في كتابه المعنون  ( اخر رجل ونهاية التاريخ)
 
 The End Of History And The Last Man
 كما اطل علينا صامويل هانتيجتون بكتابه ( صراع الحضارات)            ( The Clash Of Civilisation And 
The Remaking Of World Order ) 

هجع القرن العشرين  وطوى معه ايديدلوجيات وسياسات ونهض قرن جديد مثقلا بالماضي من جهة  وامامه تحديات من نوع جديد وتفاعلت الدول معه كل حسب موقعها ودورها ومكانتها وامكاناتها منفردة او متحالفة  وبرزت تكتلات وتحالفات بعناوين مختلفة حيث استشعرت بعض الدول مبكرا خطورة التفرد والتوحش الامريكي واخذت تنسج تكتلات اقتصادية واحلاف داعية الى عالم متعدد القطبية يقوم على المصالح المتبادلة واحترام سيادة الدول وتفعيل الامم المتحدة والقانون الدولي
اما بالنسبة لامتنا وشعوبنا العربية التي انشغلت واشتغلت في القرن الماضي بمعارك الاستقلال الوطني والتحرر ومعركة الحداثة والتي حققت بعض الانجازات الكبيرة الا انها واجهت  الكثير من الخيبات والهزائم حين دخلت في صراعات بينية حادة.
 ما بين قرن مضى وانقضى وبزوغ قرن جديد بما يحمله من تحديات اصبحت امتنا وشعوبنا في منزلة بين المنزلتين ، منزلة الماضي المجيد الذي اوصدت ابوابه ومنزلة العصر الجديد الذي دخلته منومة ومتثائبة ومجردة من الادوات والوسائل التي تمكنها من  الولوج اليه مما ادى الى حدوث الفراغ الهائل  الذي فتح شهية القوى الاقليمية والدولية لملئه.
نحن الان دخلنا ابواب العقد الثالث من هذا القرن نحمل اوزار عقد من الاقتتال ( الطائفي ، المذهبي ، العرقي والمناطقي) الذي فرض علينا وشرعنا الابواب لقوى الاستعمار قديمه وحديثه ليمارس التوحش الممنهج والفوضى الخلاقة والاقتتال لهدم الدولة( المظلة الجامعة) والقضاء على  الثقافة العربية الاسلامية  القائمة على العيش وليس ((التعايش)) المشترك لكل مكوناتها في الماضي والحاضر والمستقبل.
ان الدولة ذات السيادة التي نستظل بها هي المنصة التي منها وعليها سنناضل من اجل الديموقراطية  والتعددية السياسية  وصولا الى مجتمع السلم والرخاء
والتقدم. ان ما نشهده الان من الانقسام والتشتت وخراب الانسان والعمران يفرض علينا بوجه عام وعلى الانتليجانسيا والمفكرين بوجه خاص  واكثر من اي وقت مضى  التصدي الواعي لهذه المشاريع والانحياز الى والتمترس مع  القوى  والدول التي تحارب الارهاب  وتحشيد الجماهير خلفها .
ان الانتصار على الارهاب وداعميه ما هو الا المواجهة الاولى  وحلقة من حلقات المواجهات المترتبة على الانتصار حيث ستبقى امتنا وشعوبنا  في مواجهة المهمات الموروثة من القرن الماضي والتي بقيت عالقة بلا اجوبة وحلول، وما زالت تفعل فعلها السلبي على مساحة الوطن بمشرقه ومغربه. ولكي لا تطل القوى الظلامية براسها مجددا وتهدد ما انجزته الانتصارات ، علينا ان نخوض معركة النهضة والتحرر والوحدة بنفس الروح والعزيمة والاصرار التي واجهنا بها الارهاب وداعميه ومموليه.
ان قضية التجزئة والوحدة والاصالة والمعاصرة والعلاقة الجدلية بينها وتقديم الحلول لها، وعلاقتها بالديموقراطية  والتعددية السياسية وحقوق الانسان والصعوبات التي تضعها قوى التخلف والانغلاق والجمود . انها مهمة فلاسفتنا ومفكرينا وانتليجانسيانا لتسلحنا بفكر يؤهلنا ويمكننا من  دحر  القوى الرجعية وفكرها المتخلف  كي لا تعاني الاجيال القادمة مما عانيناه. انها معركة وجودية بين التقدم والتخلف.

لقد فرضت طبيعة الصراع المحتدم في عالم يعج بالتزاحم على اقتسام ثرواته على جميع القوى الدولية والاقليمية والمحلية ان تخلع قفازات الحرير والاقنعة وتكشف عن سياسات واضحة وجلية بدون رتوش الكياسة والسياسة والدبلوماسية ببرامج ومطالب واضحة ووظفت كل الامكانات السياسية والاعلامية والعسكرية في سبيل تحقيقها خالية من الحياد وعدم الانحياز. تقدمت امريكا على راس حلف ذراعه الناتو ومخالبه القوى الطفيلية التابعة والخاضعة.، في مواجهة حلف يمتد من الصين وروسيا شرقا  الى سوريا غربا . انه صراع لا يقبل الحل الوسط اما بقاء التفرد الامريكي على عرش العالم وما يترتب عليه من تداعيات الفقر والجوع والاستغلال واما عالم الشراكة الدولية القائم على التحرر والتقدم والازدهار بعيدا عن الهيمنة والتسلط.
تقدمت قوى العمالة العربية التابعة لامريكا والصهيوزية منذ  بدء الهجمة الارهابية على دولنا واوطاننا واسقطت ورقة التوت التي كانت تستر عورتها شاهرة سيف الارهاب وفكر الخراب والدمار، في الوقت الذي كانت فيه القوى الوطنية والتقدمية والمخلصين من ابناء امتنا يفتشون في معاجم السياسة عن تفسيرات لما يجري حتى اصطلت بنار الطابور الخامس الذي انحاز علنا للعدو واستشعرت وان متاخرة الخطر الداهم على دولنا واوطاننا وتماسك مجتمعاتنا.هذا الخطر الذي بشر به الصهيوني برنارد لويس وتقدم ربيبه برنارد ليفي ليطبقه على ارض الواقع برعاية امريكا الامبريالية وتركيا الاردوغانيةوالاخوان المسلمون 
ان صراعا بهذا الوضوح والجلاء يفرض على كل المخلصين في هذه الامة ذات التراث العربي الاسلامي العريق ان يوحدوا صفوفهم وقواهم ويقفوا مع القوى الحية في امتنا دولا واحزابا ويتصدوا للعدوان الذي يستهدف وجودنا والا فان العالم المتجدد والمتبدل بسرعة لن ينتظر المتاخرين ولن يرحمهم التاريخ

 

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري