دعوة لهدم جدران الفصل وحدود التقسيم.
مقالات
دعوة لهدم جدران الفصل وحدود التقسيم.
م. زياد أبو الرجا
10 شباط 2025 , 22:51 م


 لجأت الدول لبناء اسوار وجدران لمنع مهاجمة الاعداء او الهجرة من بلد الى اخر.كانت بعض المدن والحصون والقلاع تحاط باسوار عالية.كان سور الصين العظيم اعظم واطول الاسوار التي تم بنائها واستغرق مئات السنين.في العصر الحديث وبعد انتصار الحلفاء على النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية خضعت المانيا الى التقسيم الجغرافي بين الحلفاء، وتاسست دولة المانيا الشرقية وكانت من نصيب الاتحاد السوفياتي ودولة المانيا الغربية من نصيب امريكا وبريطانيا.كما تم تقسيم العاصمة الالمانية برلين الى قسمين الشرقي والغربي.

في ١٣ اب / اغسطس ١٩٦١م امر فالتر اولبرشت رئيس المانيا الشرقية ببناء جدار برلين وسميت العملية (( عملية روزلتشيلد)) على الخط الفاصل بين شطري برلين للحد من الهجرة.

اقدم الكيان الصهيوني على بناء الجدار الفاصل بين فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨م والضفة الغربية التي احتلت عام ١٩٦٧م لمنع تسلل المقاومين والعمالة الفلسطينية، كما اقام الجدار الحديدي على الحدود مع قطاع غزة الذي سيطرت عليه حماس عام ٢٠٠٦، واقام جدارا على الحدود اللبنانية الفلسطينية لمنع عبور مقاتلي حزب الله.عندما تولى دونالد ترامب الرئاسة عام ٢٠١٦ - ٢٠٢٠ امر ببناء جدار فاصل على الحدود مع المكسيك لمنع الهجرة وتهريب المخدرات.

*- كل هذه الجدران وما شابهها شاخصة للعيان ومعروفة للجميع.لكن الاخطر من هذه الجدران جميعاهي الجدران والحواجز والسواتر العنصرية، الدينية، المذهبية،الفكرية، السياسية والثقافية.التي تهدف الى قطع التواصل والتلاقح الحضاري مع الاخر وتؤدي الى عدم الاعتراف به وقبوله ومن ثم الى معاداته وكرهه خدمة لمصالح انظمة الاستبداد والتخلف.توظف الدول والانظمة الخبراء والعلماء وترصد الميزانيات المالية للعمل على ديمومة واستمرار وترميم هذه الجدران وباشراف اجهزة المخابرات والاستخبارات.

في المشرق العربي رسمت بريطانيا وفرنسا الحدود على الخرائط طبقا لاتفاقية سايكس - بيكو وتحولت الى جدران مقدسة يعد الغائها او تجاوزها تدنيسا للمقدس، وفي غياب الوعي القومي والخطاب الديني الوحدوي صارت الشعوب داخل هذه الحدود ملكية اكثر من الملك في تمجيد وتقديس الهوية الوطنية المصطنعة واكتسبت مناعة ضد الفكر الوحدوي.يقول المفكر انيس النقاش: (( الحدود الجغرافية ليست فقط من صنع الاستعمار، بل هي ايضا من صنع الجهل وعدم فهم حركة الامور في السياسة الدولية والجغرافيا السياسية.اضافة للهويات الموروثة، عاملا دافعا للصراع والتمايز السلبي والاقتتال احيانا ، عوض ان تكون حركة هذه المجتمعات هدفها التعاون والتكامل.رأينا في البلد الواحد من هم تاريخيا وموضوعيا، اعداء للصهيونية، وداعمين لفلسطين، يختلفون على من يقاوم العدو الصهيوني، بل ويقاتلونه، حتى لاسباب تعود للهويات، اكثر منها لوعيهم بذاتهم بالسياسات.هذه الظاهرة في البلد الواحد، او في الوطن العربي الاكبر، او على صعيد الامة الاسلامية هي خير دليل على ان الهويات المذهبية تتحاشى الخوض في الصراع السياسي الجدي لتذهب مذهب صراع الهويات العصبية بالمعنى الخلدوني لوصف العصبيات، فكان ان فقدت جوهر اسباب وجودها، بانها مذاهب فكرية، لتصبح هويات عشائرية قبلية قائمة علي العصبية العمياء )).

*- في الحالة الفلسطينية بَرَعَ اليمين الفلسطيني والاباء المنحدرين من تنظيم االاخوان المسلمين في بناء جدران وحواجز الفصل بين حركة التحرير الوطني الفلسطينية المنضوية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وعمقها القومي العربي الذي تشكل فيه سورية قلب العروبة النابض، ليتمكن من المضي في مشروع تصفية القضية الفلسطينية.فكان السبب في خسارة اكبر ساحات المواجهة مع الكيان الصهيوني ساحة الاردن.كانت سورية المقر والمعبر لكل الفصائل الغلسطينية وقوات الجيش الاردني التي التحقت بالثورة.بعد ان اتخذ ياسر عرفات من لبنان مقرا دأب على السير والايغال في ذات النهج التسووي وبتمويل ودعم من دول البترودولار.وجعل من لبنان منطلقا لتخريب العلاقة التاريخية مع سورية وتحالف مع الاخوان في لبنان وسورية الذين حركهم النظام الرسمي العربي لجر سورية الى الصلح مع الكيان في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم.

كان ياسر عرفات يردد على الدوام ان مصر حماية...وان سورية وصاية. تضمنت اتفاقية كامب ديفيد ان الحل للقضية الفلسطينية يتمثل في حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة.كان لخروج مصر من الصراع مع الكيان الصهيوني بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد الاثر الكبير في ترسيخ القناعة لدى ياسر عرفات بان النضال المسلح اصبح مستحيلا في ظل الغياب المصري ومع ذلك بقي عرفات حريصا على عدم قطع شعرة معاوية مع النظام المصري بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وبقيت محصورة في قنوات سرية ما لبثت ان اصبحت علنية بزيارة عرفات القاهرة بعد رحيله من طرابلس / لبنان في اواخر عام ١٩٨٣م

خلال الاجتياح الصهيوني للبنان عام ١٩٨٢ وحصار بيروت برز خياران الاول الرحيل عن بيروت الذي تبناه ياسر عرفات وعدد من اعضاء اللجنة المركزية ل " فتح" والثاني البقاء في بيروت والمزيد من الصمود لتكبيد الجيش الصهيوني مزيدا من الخسائر وكان عضو اللجنة المركزية ل فتح" والقيادة العامة لقوات العاصفة ، نمر صالح ابو صالح يدعم هذا الخيار ومعه كبار القادة العسكريين سعد صايل وابو موسى الخ.

تعهدت القيادة الفلسطينية ، ممثلة بياسر عرفات ومجموعته للمبعوث الامريكي فيليب حبيب قبل الخروج من بيروت حددت مصير وامكانات التعايش بين تياري " فتح" المتصارعين لتاخذ التجاذبات شكلا دراماتيكيا بعد الخروج من بيروت وتوجه ابو صالح الى دمشق فيما توجه ياسر عرفات الى تونس تحضيرا للذهاب الى القاهرة للتصالح مع النظام المصري المعزول عربيا بعد معاهدة كامب ديفيد.القى ياسر عرفات اللوم على سورية بانها كانت وراء انشقاق ( انتفاضة فتح) استمرارا في نهج جدار الفصل الذي عمل عليه سنينا.تم اغتيال الرئيس السادات بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد .بالنسبة لامريكا انتهت صلاحيته، وبدأت مرحلة الرئيس حسني مبارك.بعد ان وقع ياسر عرفات اتفاقية اوسلو ، انتهت صلاحيته وبدات مرحلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن وستستمر حتى تنتهي صلاحيته.

*- على مدى قرن من الزمن جربنا فيه العمل على وناضلنا من اجل الوحدة والحرية والاشتراكية مقلدين للتجربة الاوروبية او الدعوة والعمل على الوحدة عن طريق الاحزاب والحركات الاسلامية من اجل قيام دولة الخلافة وندبنا حظنا وبكينا على سقوط السلطنة العثمانية التي سميناها نحن العرب " الخلافة العثمانية".ان اعادة تجربة المجرب قوميا اودينيا وبنفس الاحزاب والحركات سيؤدي الى تكرار النتائج الكارثية التي نشهدها الان، والمتجسدة بالتدمير الكامل والممنهج للامن الوطني والقومي.فهذه فلسطين ما زالت ترزخ تحت الاحتلال الصهيوني الذي ارتكب حديثا اكبر عملية تدمير لحوالي سبعين في المائة من قطاع غزة حجرا وشجرا، وعملية تطهير عرقي وابادة جماعية اودت بحياة اكثر من ستين الف شهيد واكثر من مائة وخمسين الف جريح.في الضفة الغربية لا زال المستوطنون يعتدون على المقدسات والمدن والقرى والمخيمات، ويمارس الجيش الصهيوني الاعتقالات.اما الحريق العربي الذي قادته امريكا والحركة الصهيونية والاخوان وضمن الفوضى الخلاقة التي يقودها المايسترو الامريكي فقد اطاحت بانظمة ودول كانت مستقرة وخاصة الدول الوازنة في التاريخ والحاضر العربي مصر، العراق وسورية.قال يوسف بن علوي وزير خارجية سلطنة عمان السابق: (( تاريخيا كانت هناك ثلاث دول عربية اساسية هي مصر وسورية والعراق تحارب اسرائيل، اعتقد انه تم تفكيكها عن طريق الحركة الصهيونية)).وهذا لبنان تعرض جنوبه لاكبر عمليةعسكرية برية وجوية طالت ضاحية بيروت الجنوبية ودمرت الضياع والقرى الجنوبية واستشهد الالاف وتم تهجير عشرات الالاف والاف الجرحى.استباحت امريكا السيادة اللبنانية ونصبت رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التي تريد وتضع الفيتو على بقية الوزراء.تتدخل امريكا في ترسيم الحدود البرية والبحرية للبنان لصالح الكيان الصهيوني.

نحن الان امام اكبر عملية تدمير ممنهج لسورية قلب العروبة النابض التي يتقاسم جغرافيتها الامريكي والتركي والاسرائيلي والاوروبي سَيُبْقي الامريكي على حالة الفوضى الخلاقة الى ان يحصل على الاعتراف الرسمي السوري بدولة الكيان والتخلي عن الجولان. لن يكون هناك رفع للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية قبل ذلك.اما النظام العربي الرسمي فهو مرتبك وعاجز عن الفعل ورد الفعل فهو محجم وخائف من تداعيات سقوط سورية ومقدم بحذر على التعايش مع الادارة السورية الجديدة بريبة وارتياب.كان لسان حاله يقول: (( اصلاح العلاقات لا يغير القناعات ))وان الفاسدين متضامنون اينما حلوا واينما ارتحلوا والسيد الامريكي يراقب الموقف.

مع ادارة ترامب الحالية لا نعلم كيف سيدير الفوضى الخلاقة التي بلا قواعد تضبطها ولا قوانين تحكمها.انها تتم باسلوب المفاجأت والقفزات كما شهدنا في حالة سقوط الدولة والنظام في سورية.لا نعرف اين ستقع المفاجئة والزلزال القادم ، هل في دولة عربية؟ ام في ايران؟لا يعلمها الا الله ولا يردها صاحب الزمان وسرها محفوظ في خزائن الامريكان.

*- فلسطينيا الوضع اكثر كارثية ، نحن كفلسطينيين منقسمين عاموديا( شاقوليا) وافقيا في السياسة والثقافة والموقف.عندنا سلطة فلسطينية مهيمنة على منظمة التحرير وممسكة بالقرار الرسمي الفلسطيني ومنسجمة مع عجز النظام العربي الرسمي وتنسق امنيا مع الكيان، ولدينا اربعة عشر فصيلا تبارك الرحمن! لا قاسم مشترك بينها الا الابقاء على حالة الانقسام والتشظي التي تؤدي الى غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية وتسهل تمرير مشاريع وسياسات الاخرين فينا، وتعبث في الوعي الوطني الفلسطيني.ان اليمين الفلسطيني الذي طبع مع الكيان ووقع اتفاقية اوسلو وملحقاتها هو الذي فتح الابواب للانظمة التي كانت تستحي من التطبيع العلني لتجاهر وتفاخر بالتطبيع والاعتراف الرسمي واقامة العلاقات الاقتصادية والامنية وتبادل السفراء.

*-يجهد المحللون السياسيون الداعمين للمقاومة في تظهير النصر الذي حققته قوى المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، لقد دافعوا بشراسة منقطعة النظير عن المقاومة ومشروعها واسهموا في تعميم ونشر ثقافتها.انهم يتصدون بلا هوادة لدعاة الهزيمة والاستسلام الذين يطلون علينا عبر القنوات الفضائية المشبوهة والمرتبطة مع امريكا والكيان، ووسائل التواصل والاعلام الاخرى.لكنهم يصلون الى استنتاج خاطئ فيما يتعلق بشكل اساسي ويتأثر بافتراض او حقيقة مدركة لديهم وليست واقعية بل افتراضية وهو ان جيش الكيان صار منهكا وغير قادر على شن حرب في المستقبل المنظور من خمسة الى عشر سنوات قادمة.هذا الاستنتاج الخاطئ يقودنا الى مواقف خاطئة.

هناك حقائق على الارض لا يمكن انكارها تتمثل في مماطلة الكيان وبدعم امريكي من الانسحاب من لبنان، يصرح قادة الكيان انه بعد اتمام عملية تبادل الاسرى يجب ان نقضي على حماس في غزة.يحتل جيش الكيان الجنوب السوري وجبل الشيخ والحدود السورية اللبنانية حتى مسافة اربعة عشر كم من منفذ المصنع الحدودي بين سورية ولبنان.

على المحللين السياسيين ان يجيبوا على الاسئلة التالية:-

ما الذي يمنع تقدم ارتال دبابات صهيونية من الجنوب السوري مدعومة بسلاح الجو من الامساك والتمركز على الحدود السورية العراقية في منطقة القائم - والبوكمال؟.

ما الذي يمنع تقدم القوات الصهيونية من الانطلاق من الجنوب السوري باتجاه قاعدة التنف ليحل محل او يشارك القوات الامريكية فيها؟.

هل كان نتنياهو احمقا عندما رفع خارطة اسرائيل الكبرى( حدودك يا اسراىيل من الفرات الى النيل)وهو يخاطب العالم من منبر الامم المتحدة؟.

هل كان يتبنى رؤية استراتيجية امريكية صهيونية للهيمنة على الاقليم؟.

ان موارد القوة لدى الكيان لا تتوقف على ما لديه وما يستطيع ضمن امكاناته الذاتية ولكن على موارد القوة التي يحصل عليها من مشغليه الاستعمار العالمي وقوته الضاربة الناتو الذي يمد الكيان / القاعدة العسكرية المتقدمة عسكريا وسياسيا وعلميا واقتصاديا واستخباراتيا.هذه الموارد تسهل له تجديد قواه كما الافعى تخلع ثوبها كل عام لتتجدد.اما نحن فما زلنا عاجزين عن الاستحصال على موارد اخرى حتى من اقرب المقربين شركائنا في العروبة والدين .فما علينا الا الدعاء بالقول: (( كوني عاقر اي ارض فلسطين ان هذا الحَمْلَ مخيف ))

مهندس/ زياد ابو الرجا.                        

المصدر: موقع إضاءات الإخباري