المهمة الصعبة... كيف نحمي ونطور الانجاز؟
مقالات
المهمة الصعبة... كيف نحمي ونطور الانجاز؟
م. زياد أبو الرجا
31 كانون الثاني 2025 , 13:49 م

            بما ان الكيان/القاعدة المتقدمة للاستعمار العالمي في المشرق العربي كان ولا يزال يستهدف الامة العربية كلها للابقاء على التجزئة السياسية والجغرافية والتخلف عن اللحاق بركب الحضارة الحديثة  في التطور والانماء الاقتصادي .الكيان هو الخطر الدائم والمستمر الذي يمنع تحررها ووحدتها، وهذا يفرض على الامة ان تعي جيدا  (ان خطرا مثل هذا الخطر الصهيوني (( لا يردُّه الّا كيان عربي قومي متحد )) لان التشرذم يقود حكما الى الهزيمة والاستسلام، وقيام  مثل تلك الوحدة ليس ضربا من الطوبى والاحلام، انما هو امكان تاريخي تقوم عليه ادلة من التاريخ، وتتحكم في صنعه قوانين.والى ذلك فان قيامها يفترض وعيا اُمَّوِّيَّاً ( وعيا بفكرة الامة) كما انها وحدها توفر  الاطار الطبيعي لمواجهة المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين. ( نديم البيطار، ياسين الحافظ، انيس صايغ )

* ان الديموقراطية ، التي لم تستوعب النخب العربية اهميتها في صنع التاريخ والمستقبل، هي شرط وجوب لكسب معركة الوجود والمصير، والوصول اليها كهدف متوقف على استنبات السياسة بما هي البيئة الحيوية لها؛اذ (( لا ديموقراطية حيث لا حياة سياسية، ولا حياة سياسية...حيث لا شعب مسيسا يمسك مصيره بيديه.( ياسين الحافظ الهزيمة والايديولوجيا المهزومة)

*اذا كانت (( معركتنا من الصهيونية ؛ منذ ابتدائها عام ١٩١٨،... تتجه (( بنوايانا))، ((بمشاعرنا )) ورغباتنا، دون ان نأخذ بالاعتبار وضاع العدو واوضاعنا، او نحسب حسابا لطاقاتنا)) واذا كانت هذه ( النوايا ) (( تنظر الى الواقع كما تحب ان يكون وليس كما هو))١، اي تنظر اليه نظرة معيارية وليس نظرة وضعانية واقعية،فلان النظرة هذه التي اخذتنا الى النكبة تولدت من بيئة التخلف العربي ونمت في مستنقعاته.وعليه فان هذا التاخر العربي، المستحكم في البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية كافة، مسؤول اكثر من الاستعمار- بل قبل الاستعمار - عما اصابنا من نكبة؛اذ هو الذي سهل اكثر بكثير من الانتداب البريطاني))٢، مع ان الوعي العربي يريحه، كثيرا،ان يَرُدَّ النكبة الى العامل الخارجي )) لائِذاً بفكرة المؤامرة، على عادة سيئة درج عليها هروبا من محاسبة النفس! (١- نديم البيطار، ٢- ياسين الحافظ )

* خسر العرب فلسطين والحرب عليها لانهم دخلوها مجردين من اسباب القوة العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية...في مقابل عدو متسربل بها.خسروها لانهم لم يكونوا يعرفون كيف يخاطبون العالم باللغة التي يفهمها،ولانهم لم يدركوا ان (( السياسة لا تزال قائمة على القوة والمصلحة))١ ثم خسروها لانهم يفتقرون الى القادة والصَّنَعة الذين يديرون كفة الصراع، بحنكة واقتدار، ويفتقرون الى انتلجنسيا قادرة على تزويد مجتمعها بوعي تاريخي وحدوي ٢، او وعي مطابق( ١-قسنطين زريق ٢- نديم البيطار )

تاسس الكيان الصهيوني على ارض فلسطين بعد مجازر دموية وحرب ابادة وتطهير عرفي ارتكبتها العصابات الصهيونية التي دربتها وسلحتها بريطانيا باحدث اسلحة ذلك الوقت.دخلت الجيوش العربية الحرب وخرجت منها مهزومة لاسباب ذاتية وموضوعية معروفة.كان من ابرز تداعياتها ثورة تموز/ يوليو ١٩٥٢ في مصر التي قادها مجموعة الضباط الاحرار. بعد ان تولى جمال عبد الناصر الرئاسة طرح مشروعا وحدويا ونهضويا ينهض بمصر صناعيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا اي مشروع حضاري بمعنى الكلمة تحتل فيه مصر مكانتها الاقليمية والدولية التي تليق بها.لعبت مصر الناصرية من خلال مشروع الوحدة والقومية العربية ومساندة حركات التحرر في افريقيا واسيا دورا عالمياوصار العالم يعرف العرب عن طريق مصر .كانت مصر بذلك اول دولة عربية تتبنى المشروع الوحدوي الذي يشكل الرد الحاسم على مشروع الكيان الصهيوني ومشروع التجزئة.استنفرت الثورة المصرية الحلف الثلاثي ( الاستعمار، الكيان، الرجعية العربية)، واستخدم كل طرف ادواته لوأد المشروع الناصري، ووظفت الاسلام السياسي المرتهن للاستعمار والممول من الرجعية العربية( الاخوان) في مصر .

تمكن حزب البعث من لوصول الى السلطة في سورية والعراق، وطرح مشروع الوحدة العربية والاشتراكية.نازع حزب البعث جمال عبد الناصر على الزعامة القومية بدل التحالف، ودخل حزب الاخوان في تولي السلطة عبر التنظيم السري داخل القوات المسلحة واغراق مصر بالفوضى عن طريق الحرائق والمتفجرات والاغتيالات.تم كشف محاولة التفجيرات والقاء القبض على الضالعين في المحاولة .قام الجيش المصري باعداد قواعد ومعسكرات لتدريب الفدائيين الفلسطينيين للقيام بعمليات قتالية داخل فلسطين المحتلة،وشارك افراد  من المخابرات العسكرية المصرية في العمليات الفدائية واستشهد العشرات من الجنود المصريين في غزة اثر الغارات الجوية الصهيونية على معسكرات التدريب في غزة.اجهضت حرب حزيران/ يونيو ١٩٦٧ المشروع الناصري.وفشل حزب البعث في انجاز مشروعه وانقسم على نفسه فصار بعث في العراق وبعث في سورية،وانهمك الطرفان في نزاعات حتى اضمحلا الى حزب العائلة في العراق وحزب العائلة في سورية.منذ ذلك الحين توقفت الانقلابات واستمرت العائلات في الحكم ، اعتقد انهما نالا الرضا الدولي والاقليمي.

لم يتقدم اي تيار اسلامي بمشروع للوحدة وتحرير فلسطين لان التيارات الاسلامية كانت شريكة النظام الرسمي العربي وتحديدا الرجعي المالك للمال مثل تنظيم الاخوان في مصر وسورية، حيث كان صراعه على السلطة فيهما .بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ تقدمت الفصائل الفلسطينية وطرحت مشروع الكفاح المسلح لتحرير فلسطين وسادت مقولة خاطئة ان الجيوش النظامية لا دور لها في عملية التحرير.قدمت الفصائل الفلسطينية طوق النجاة للانظمة المسؤولة عن الهزيمة واوصدت الابواب امام محاسبتها، اغدقت الدول العربية الاموال على الفصائل وتحديدا  حركة "فتح" لان قيادتها من نفس طينة الانظمة الحاكمة لكنها اقل منها في القدرة والامكانات.وبحكم قصر الوعي والقصور الذاتي للفصائل الفلسطينية تلاشى دورها وصارت منظمة التحرير التي تجمعهاملحقة بالنظام العربي المهادن للكيان.

بعد انحسار المد القومي بكل تشكيلاته اخذت الانظمة العربية تتقوقع على ذاتهاوصرنا نرى في كل بلد عربي شعار (( ال.... اولا ))يحتل كل لوحات الاعلان في المنافذ الحدودية والمطارات والشوارع وجدران المباني))، واحتل مفتو  وشيوخ السلاطين شاشات التلفزة واجهزة الاعلام الاخرى مهمتهم هي تزيين وتزويق وتسويق سياسات النظام وصار كل بلد ينافس البلد الاخر باقامة المهرجانات الغنائية والتنكر لقضية العرب الاولى فلسطين.وكان هذا يتزامن مع سياسات التطبيع مع الكيان التي لم تلق معارضة جماهيرية واسعة .

وبما ان العالم لا يعرف الفراغ، تقدمت الثورة الاسلامية في ايران لملء الفراغ الذي تركته مصر بعد اتفاقية كامب ديفد مما حفز  التيارات الاسلامية السنية  واستنفر دول الجوار مستثمرين في المذهبية السنية الشيعية.برزت تيارات اسلامية وتقدمت بمشاريع مكتوبة .فبعد اخراج تيار التبليغ والدعوة وتيار التصفية والتربية( السلفية الصوفية) وتيار سلفية ولاة الامر وغيرهم سنجد ان التيارات التي وضعت مشاريع مكتوبة تصلح للنقاش لما لها من واقع عملي هي خمسة تيارات

١- تيار السلفية الجهادية.

٢- تيار الاخوان المسلمين( الحركة الام - التنظيم الدولي ).

٣- تيار سلفية الصحوة الذي يرمز له سلمان العودة وسفر الحوالي.

٤- تيار اخوان حسن الترابي في السودان.

٥- تيار الجهاد الشعبي ( حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي) في فلسطين.الّا انه مخترق بفكره السياسي بمنهج الاخوان الام ومنهج اخوان الترابي، مع قصور في بث المنهج العلمي الصحيح بين اتباعه اثناء ممارسة منهج البناء التربوي.ان هذا التيار الوحيد من بين التيارات الخمسة الذي يمارس عمليا الفكر المقاوم والعمل المسلح ضد الكيان على الساحة الفلسطينية، وعلى تماس مباشر مع السلطة الفلسطينية .والاهم من ذلك كيف يتعامل معه النظام الرسمي العربي؟ ولان النظام الرسمي موغل في التطبيع مع الكيان، علينا ان نتصور مدى استهداف هذا التيار من ( الحلف الثلاثي).ناور هذا التيار واستظل بالسلطة الفلسطينية من خلال الدعوة الى الوحدة الوطنية الفلسطينية او ما يسمى ( المصالحة الوطنية)الا ان تباين المواقف والنهج بين السلطة والتيار تتعارض بمائة وثمانين درجة.

بعد دحر الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان والفرار تحت النار التي وجهها حزب الله في ايار/ مايو ٢٠٠٠ وبعد ذلك اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية( انتفاضة الاقصى) عام ٢٠٠٢ اثبت التيار الجهادي حضوره الميداني والجماهيري في الضفة الغربية عرين السلطة الفلسطينية.بعد فشل مشروع الشرق الاوسط الجديد بهزيمة جيش الكيان في حربه على جنوب لبنان في تموز/يوليو ٢٠٠٦ فشل الكيان في اداء الدور الموكل اليه ومني بهزيمة نكراء.فلجا الى حسب ما يقول المثل: اللي ما بيقدر على الجحش بفش حاله في البردعة ( التشبيه مع الفارق).فشن حروبا على غزة فكانت حرب ٢٠٠٨- ٢٠٠٩ التي استمرت واحد وعشرين يوما وحرب عام ٢٠١٢ التي استمرت ثمانية ايام  وحرب ٢٠١٤ التي دامت خمسين يوما ثم معركة سيف القدس عام ٢٠٢١.

اوغل الكيان الصهيوني وعصابات المستوطنين في الاعتداءات المتواصلة على المواطنين واملاكهم وتدنيس المقدسات وبشكل خاص المسجد الاقصى ، مستغلا حالة التطبيع العربي والهدوء الخادع في قطاع غزة وبقيت القدس على صفيح ساخن حتى طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول/ اكتوبر ٢٠٢٣الذي كانت كتائب القسام راس حربته التي نحرت الروح القتالية لجيش الكيان وانتزعت معنوياته وفتكت بجيشه.دخلت جبهات الاسناد المعركة لنصرة غزةحزب الله في لبنان وانصار الله في اليمن  وبدعم من ايران وسورية.

خمسة عشر شهرا من القتال الضاري شكلت البوتقة التي انصهر فيها التيار الجهادي وتعمد بالدم والنار وصار مع جبهات الاسناد جوهرا واحدا نقيا بلا شوائب، واصبح المعيار الذي تقاس فيه صدقية التيارات الاسلامية الاخرى على الساحة العربية والاسلامية وجسد مقولة ( بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة).ان الانتصار الذي تحقق رغم الدمار والخراب والشهداء الا انه ارسى قاعدة ان الاهداف السياسية تنجز في ميادين القتال.والقاعدة الثانية ان الحرب تولد الحرب التي بعدها حتما.بل ان ( الحلف الثلاثي )سيواصل حربه لواد هذا التيار " الجوهر"  ويحرم جماهيره من جني ثمار نضالها وقبل ان تمتد مفاعيل هذا النصر الى الساحة العربية والاسلامية.اتخذ الحلف الثلاثي خطوات استباقية فقام باغتيال قيادات الصف الاول والثاني حتى لا يكونوا ايقونات  ورموز لكل الشعوب المقهورة والمستضعفة نلاحظ الان ان الحلف الثلاثي يكثف من حملاته السياسية والاعلامية والايديولوجية واخطرها العودة الى المذهبية التي اختفت اثناء المعارك واخذ يركز عليها وتتفاعل معها الغوغاء التي تعتقد انها بذلك تنتصر لفريقها.ازداد العزف على وتر السنية الشيعية كانها محور الصراع في الاقليم .نحن نعلم ان عملية التقريب بين المذهبين عملية فاشلة على المستوىالفكري والمحتوى العقائدي، لكن هذا لا يمنع اطلاقا  تشكيل تحالف مرحلي بين  الطرفين حتى يتم تصفية مشروع الكيان الغدة السرطانية وعودة اللحمة الجغرافية والحياة الطبيعية للمشرق العربي ووحدة ترابه الوطني والعيش المشترك لكل مكوناته الاثنية والدينية.لنا في التحالف الذي تم بين الاتحاد السوفياتي الشيوعي الاشتراكي مع بريطانيا وامريكا الراسمالية للقضاء على النازية والفاشية.وبعد انتصارهم عادوا الى مواقعهم ومواقفهم الايديولوجية وخلافاتهم السياسية التي لم تتطور الى صراع مسلح بفضل سلاح الردع النووي.

المطلوب من الانتلجنسيا والنخب السياسية والاعلاميين وجمهور المقاومة ان يرفد هذا الجوهر سياسيا وفكريا واعلاميا وعلى الجماهير المؤيدة له ان لا تسرع الخطى وتسبقه في  خطواتها بل ان تبقى خلفه تتقدم معه وتتوقف معه كتلة واحدة.واذا فشلنا في مهمة الرعاية والحماية لا سمح الله فان الاجيال القادمة ستقرا الفاتحة باللغة العبرية الفصحي وستصدح محطات الاذاعة والتلفزة  باغنية

الارض بتتكلم عبري الارض الارض بتتكلم عبري الارض.....

م/ زياد ابو الرجا.        

المصدر: موقع إضاءات الإخباري