قرابين على مذبح الحرية والتحرير.
مقالات
قرابين على مذبح الحرية والتحرير.
م. زياد أبو الرجا
20 شباط 2025 , 21:11 م

               

 منذ ان ادرك الانسان ضعفه وعجزه امام الظواهر الطبيعية وحيرته امام شروق الشمس ومغيبها، وطلوع القمر وافوله، راح يقدم القرابين والهبات مما تجود به الطبيعة من نبات او حيوان او انسان لهذه الظواهر القوية لانه اعتقد بانها تتدخل في شؤون حياته وذلك حبا او خوفا.ان المعابد الفرعونية تحتوي على نقوش تبين شروق الشمس  وغروبها واعظم فراعنة مصر اخناتون الذي يعني عابد الشمس( اخن= عابد واتون= الشمس).في اليمن عبد الانسان القمر ( بمكي، بكة )وبنى له معبدا ارضيته وجدرانه من الحجر. قامت بعثة اثارية( اركيولوجية ) المانية بحفريات وعثرت على ارضية المعبد الحجرية وعلى المذبح الذي كانت تقدم فيه القرابين  ومحفور على الحجر( بَمْكي مَكْنَن مَخْتَنَن).كما عبدت قبائل الازتك في المكسيك الشمس وقدمت لها القرابين.في الهند هناك الام السوداء (كالي ما )تقدم الاف القرابين من الاغنام والجواميس سنويا خوفا من غضبها .والامثلة لا تعد ولا تحصى. مع ظهور الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والاسلام اتخذ تفديم القرابين شكلا اخر وصار تقربا الى الله.
* استعمل الادباء والشعراء ورجال الفكر والسياسة وقادة الجيوش مجازيا كلمة قربان وقرابين للتعبير عن مدى الاخلاص والتضحية من اجل الهدف الذي يسعون الى تحقيقه، واسوة بهم اخترت عنوان هذا المقال وهو لا يخص شعبا من الشعوب العربية بالتحديد وانما كل العرب بصرف النظر عن الدين والمعتقد بما في ذلك المجموعات العرقية التي عاشت في ظل الثقافة العربية الاسلامية في كل مراحل صعودها وانحطاطها وتطلعاتها الى المستقبل.فالحرية والتحرر عمياء كما العدالة لا تنظر الى هذه الفوارق كي لا يختل ميزانها.اما القرابين التي يجب لزاما علينا تقديمها على مذبح الحرية والتحرير، فهي ليست من الاشياء او النبات او الحيوان، انها اثمن من هذه القرابين جميعا.انها  فكر وافكار عشعشت في العقل العربي منذ قرون اي بداية عصر الانحطاط حين تحول العقل العربي من عقل مُكَّوِّنْ فاعل الى عقل مُكَوَّن مفعول به.منذ قرون وحتى الان والسلطات المتعاقبة تحرص على هذا العقل وتوظف حرَّاسا من رجال الدين الذين يوظفهم السلاطين، وفي عصرنا الحالي تحول هؤلاء الى جماعات واحزاب وامراء مهمتهم تغييب الوعي بوضع الماضي مكان المستقبل ويجعلونه الاداة المعرفية التي يقرأون بها مستقبل الامة على غرار وضع العربة امام الحصان.
ونظرا لغياب حرية التعبير  ومنع محاورة  او مجادلة هؤلاء الدعاة على اجهزة الاعلام التي توفرها لهم السلطة، اكتسب الشعب المتلقي لاطروحاتهم مناعة ضد الحداثة والتجديد  في اللاهوت والناسوت على حد سواء.
منذ ان تحول العقل العربي من عقل مُكَوِّنْ الى عقل مُكَوَّنْ توقفت الامة عن المساهمة في الحضارة الانسانية ومواكبة مسيرتها في التطور في شتى الميادين. عندنا مئات الجامعات في الوطن العربي الممتد من البحر الى البحر لكنها سجون للعقل والفكر الحر لا يوجد منها الا ما ندر في قائمة اول خمسمائة جامعة في العالم.المؤسسات التعليمية من المرحلة الابتدائية ولغاية نهاية المراحل الجامعية تعيد اجترار الماضي المنتمي الى  عصر التخلف والانحطاط والمنقطع كليا عن عصر الاصل الذي كان فيه العقل العربي مُكَوِّنا وفاعلا.ذلك العصر الذي ابدع فيه العقل العربي في انتاج وخلق الحضارة العربية الاسلامية التي انخرطت فيها الامة بكل مكوناتها العرقية والمذهبية والتي شملت كل مناحي الحياة - العلوم، الفلسفة والاداب والعلوم الشرعية والفقهية ، والفن وخاصة فن العمارة الخ.
*-القربان الاول:-هو الفكر الميت والمتحجر في كياننا العقلي وارثنا الثقافي والغاية من ذلك هي فسح المجال للحياة كي تستأنف دورتها فينا وتعيد وتحيي فينا زرعها.ذلك بتجديد الفكر الديني والفكر الدنيوي.دابت السلطات الرسمية وشيوخها ومفتوها على مهاجمة دعاة التجديد واتهامهم بالكفر وهدم الدين وشنوا عليهم حربا لا هوادة فيها وافتوا بان التجديد بدعة من بدع الشيطان ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.لقد حجبوا عن المتلقي ان التجديد له اصطلاحان، الاصطلاح الشرعي الذي شرع في الاسلام وحث عليه، ودعا اليه وهو يحتوي على اعادة رونق الدين وجماله وصفائه، واحياء ما اختفى منه ونشره بين الناس، فهذه محاور التجديد الشرعي المضبوط المستحب ومطلوب من الناس ان يشاركوا فيها.والمفهوم الاخر الذي يعني الانقضاض على اصول الدين وثوابته وكلياته وهدمها وبناؤها بناءأ جديدا.
عندما ندعوا الى مشروعية التجديد وضرورته نعتمد على قول النبي(ص)في الحديث الذي رواه ابو هريرة واخرجه ابو داوود والحاكم والترمذي وسنده صحيح: ((  ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )).لقد توقف تجديد دين هذه الامة وعلقت به خرافات وبدع عندما تحول العقل العربي من عقل فاعل مُكَوِّن الى عقل مفعول به مُكَوَّنْ.العالم العربي والاسلامي يزخر بجامعات ومعاهد تدرس العلوم الدينية وتخرج عشرات الالاف كل عام ولكننا لم نجد من بينهم من يقارب او يقترب من شرط التجديدفي حالة الاسلام اعادة بناء المعقولية القرأنية التي جرت مصادرتها من قبل التيارات الاصولية الغالبة التي تأولت العودة الى اصل اول على انها عودة الى السلف الصالح،او على انها رجعة الى صدر الاسلام الاول ولكن مؤولا بابن تيمية مجدد السلفية في القرنين السابع/ الثامن للهجرة.
*-القربان الثاني:- هو العقل العربي المُكَوَّنْ والعقلية الذهنية التي افرزها طيلة قرون الانحطاط.يجب ان يتواكب زمانا ومكانا مع القربان الاول وباشراف كهنة الانتليجانسيا الثورية الدينية، الثقافية، الفلسفية، السياسية،الفكرية والاقتصادية العابرة لحدود الجغرافيا السياسية لاقطار الوطن العربي.لان القوى الاستعمارية التي رسمت هذه الحدود بالدماء وحرستها الانظمة والجهلاء وانشات الكيان الصهيوني/ القاعدة للابقاء على التخلف الحضاري والاقتصادي والتجزئة السياسية، ثم حقنت الانظمة بطُعم الانعزالية والتقوقع، وتبنى كل نظام شعار (( ....اولا))،ومع الجهل وغياب الوعي الجمعي اكتسبت المجتمعات والشعوب العربية مناعة ضد الفكر القومي الوحدوي.
*-في الالفية الثالثة قررت امريكا اغراق الاخرين في الفوضى الخلاقة والمواجهات الدموية فاحتلت افغانستان والعراق واوكلت لجيش الكيان الصهيوني لشن حرب على حزب الله عام ٢٠٠٦ لخلق شرق اوسط جديد من خلال ما اسمتها كونداليسا رايس الفوضى الخلاقة.ثم اطلقت العنان لقوى الارهاب العالمي وعلى راسه وفي مقدمته تنظيم الاخوان المسلمين الدولي( ( الماسون الاسلامي)) وبرعاية مخلب الناتو تركيا الاردوغانية وتحت شعار براق سموه الربيع العربي الذي احرق اليابس والاخضر .واصبحت اقطار الوطن العربي مستباحة وخيراتها ينهبها المُشَغِّل الامريكي الاوروبي، واخرها ما حصل في سورية قلب العروبة النابض.من سخريات القدر ان يكون على راس الدولة فيها الارهابي الدولي ابو محمد الجولاني ويجثم على صدرها الامريكي والتركي والصهيوني الذي احتلت قواته اكثر من ستمائة كم٢ وجبل الشيخ والمنطقة الموازيةللحدود اللبنانية جنوب منفذ المصنع الحدودي.قدم الاخوان وتركيا سورية للحلف الصهيوامريكي على طبق من ذهب.اثبتت الوقائع مدى الانسجام والتماهي الى حد الذوبان بين الفكر الفوضوي الامريكي والفكر الفوضوي الاخواني مع فارق واحد هو ان الامريكان يجنون الثمار والاخوان يكللون بالعار.
*-القربان الثالث:- هو مجموع المتصهينين العرب من الاحزاب والمنظمات ووسائل الاعلام المرتهنة للحلف الصهيوامريكي والمرتزقة مما يسمى منظمات المجتمع المدني N.G.O . ان الخاصية اللبنانية وتعقيداتها الطائفية سمحت بالوجود العلني والمنظم لهؤلاء المتصهينين منذ عقود والذين ارتكبوا مذابح صبرا وشاتيلا بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت.انهم يعلنون انحيازهم للعدو الصهيوني ويتلقون الدعم المالي من امريكا التي رصدت ملياري دولار سنويا منها خمسمائة مليون دولار لشيطنة حزب الله.
اثبتت وقائع الحرب الاخيرة على لبنان انهم طابور خامس وخناجر مسمومة لضرب المقاومة اللبنانية من الداخل.يجب عدم التساهل مع هذه الظاهرة الخطيرة التي بدات تنتشر في اقطار الوطن العربي تحت مسميات حرية المعتقد والتعبير وتسامح الاديان.
*-القربان الرابع:- هو جيوش امتنا العربية المؤسسة الاكثر تنظيما وانضباطا  ولديها قدرة وطاقة هائلة وجبارة،لكنها طاقة وضع وليست طاقة حركة، فهي الان تساوي صفرا في الصراع العربي الصهيوني.ان شرط تحويلها الى طاقة حركة مرهون جدليا وحتميا باتمام تقديم القرابين الثلاث السابقة.خير برهان على هذا واوضح دليل هو حرب تشرين الاول / اكتوبر ١٩٧٣م عندما تحولت طاقة الوضع للجيش المصري والجيش العربي السوري الى طاقة حركة وعبر الجيش المصريي قناة السويس وحطم خط بارليف وتمركز شرق القناة، وتقدم الجيش العربي السوري وحطم تحصينات العدو في الجولان المحتل ووصلت طلائعه الى شواطيء بحيرة طبريا.ولا ننسى دور الجيوش العربية التي ساهمت في حرب تشرين.
رغم صفرية الجيوش العربية منذ اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة واوسلو الا ان الصراع الدامي مع الكيان لم يتوقف واستطاعت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله ان تحرر الجنوب اللبناني المحتل في شهر ايار عام ٢٠٠٠ م ولاذ  الجيش الصهيوني الى الفرار تحت النار، وبعدها في حرب تموز/ يوليو ٢٠٠٦ مني الجيش الصهيوني بهزيمة نكراء وخرج حزب الله منتصرا واسقط مشروع الشرق الاوسط الجديد.واخيرا وليس اخراعبور قوات القسام وسرايا القدس لغلاف غزة وملحمة طوفان الاقصى المجيدة التي وحدت ساحة المواجهة من اليمن الى العراق ولبنان وتداعيات الطوفان العسكرية والسياسية على الكيان وانتصار الرواية الفلسطينية على الرواية الصهيونية على المستوى الدولي.ان قوات المقاومة ستكون احدى العوامل الهامة في تحويل طاقة الوضع للجيوش العربية الى طاقة حركة.حينذاك ستكون القيادة السياسية في اقطار الوطن العربي قد وعت وادركت وامنت ان الحرية والتحرير ووحدة المصير والانماء الاقتصادي هو القضاء على الغدة السرطانية الكيان / القاعدة التي تنخر في جسد الامة العربية.
انه حمل تنوء تحته الجبال، فما اصعب المهمة وما انبل الغاية.لكنها الوحيدة التي تقربنا من النصر وتجعله يقف بانتظارنا ولا يفر منا كما هو حالنا الان. 
مهندس/ زياد ابو الرجا
المصدر: موقع إضاءات الإخباري