كتب الأستاذ حليم خاتون:
نصح المفتي دريان، وهو "مش دريان"؛ نصح الرئيس عون بتشكيل حكومة تنقذ العهد!!!
أما عن أي عهد يتحدث المفتي، فهذا ليس في عالم الغيب... حتى لو كان المفتي جاهلا فعلا بالعلم... والخبر...
أكيد أن تشكيل الحكومة، أي حكومة، قد يؤجل الإرتطام الكبير الذي يتحدث عنه الجميع؛ يؤجله بعض الوقت، بعض القليل القليل من الوقت الضائع اصلا في متاهات أهل الطائف...
ضياع إلى درجة أنه تم زرع وهم في رؤوس الناس يقول إن الحكومة القادمة سوف "تشيل الزير من البير"...
فهل هذا فعلا ما سوف يحدث؟
وهل هذا فعلا ما يعمل له ميشال عون؟
الكل يتهم الرئيس، ومنهم حتى جزء من جمهور حلفاء ميشال عون الذي يقول إن عون لا يريد تأليف الحكومة وأنه وراء التعطيل الأخير... وهذا صحيح وله مبرراته المباشرة وغير المباشرة...
يكفي من بين هؤلاء مقابلة أول من أمس مع الإعلامي المتحمس جدا ودائما، الأستاذ علي حجازي الذي يعبًر في الكثير من حماسه عن قرف شعب لبنان ليس فقط من الطبقة الحاكمة التي لعنت سلّاف هذا الوطن، بل حتى من خلّاصه الذين يطلبون من شعب لبنان الصبر على كفّار هذا البلد إلى درجة فقدان الصبر على الصبر...
ساعة يقولون أن ميشال عون يعمل لتثبيت باسيل في الرئاسة الآتية...
وساعة أخرى، يقولون إن هذه الرئاسة لن تأتي حتى بعد انتهاء السنوات الست لأن الرئيس عون لن يسلم الرئاسة على طبق من فضة لرئيس حكومة من نادي لصوص لبنان، وفيهم منظًر وشريك رياض سلامة في كل ما حصل وما سوف يحصل، فؤاد بيك السنيورة...
صحيح أن فؤاد لم يكن بيكا أبا عن جد كما وليد جنبلاط، لكنه استحقها بعد أن استطاع، وبقدرة قادر، على تملك عقارات في منطقة صيدا تعود عقودها إلى زمن السلطنة العثمانية التي أنعمت على والد وجدً السنيورة بالعطاء العقاري، يوم كان أصحاب العقارات الأصليون يهربون من تسجيل العقارات التي تخصهم، خوفا من دفع الميرة...
المهم، نظرة شوي متأنية إلى ما يفعله ميشال عون، تسمح لنا برؤية الرئيس يعمل مشكورا على حفر قبر اتفاق الطائف... هذا ما يحدث فعلا وما يستطيع رؤيته كل ذي بصيرة...
صحيح أن حفر هذا القبر يستحق كل الشكر لأن اتفاق الطائف هذا، لم يجرّ على البلاد إلا الويلات التي كان آخرها ما وصلنا إليه في لبنان بمعونة أهل الطائف من سُنّة وشيعة ومسيحيين، عملوا جميعا بالتكافل والتضامن على سرقة مدخرات اللبنانيين، بانتظار الإفلاس الكامل الذي سوف يسمح لهم بوضع اليد على كل أصول الدولة المنقولة(الذهب)، وغير المنقولة (أملاك بحرية ونهرية وبرية وسماء وماء وهواء وغاز ونفط وهاتف وكهرباء... و... وغيره مما سوف تكشفه لنا الأيام)...
هؤلاء يحلبون النملة دون أن تدري، وهم يدّعون العفّة...
كلّ هذا صحيح...
لكن الصحيح أيضاً أن ميشال عون لا يفعل هذا في سبيل التقدم إلى الأمام في بناء الدولة المدنية العلمانية... بل على العكس تماماََ، ميشال عون العلماني، خسر نفسه يوم خسر مبادئه العلمانية وصار كل همًه الوصول إلى سدة الحكم على جثة هذه المبادئ...
كم مرة عطّل ميشال عون البلد من أجل باسيل يوما، وكم مرة من أجل حصة ما في حكومة ما أو إدارة ما، يوما آخرا...
ألم يكن باستطاعة الرئيس عون ولو مرة واحدة حشر حركة أمل لتقف مع نفسها في الدعوة إلى الدولة المدنية الذي هو حلم الحركة منذ انطلاقتها، أو حشر حزب الله، كما فعل أكثر من مرة في مسائل طائفية تافهة، من أجل دعم إقامة هذه الدولة المدنية العتيدة التي لا يستطيع الحزب التنكر لها... ناهيك أن القوى العلمانية في لبنان تستطيع تكوين حيًز مهم من البرلمان لو تسنى لها قانون نسبي غير طائفي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة كما يجب أن تكون عليه الأمور إذا أردنا فعلا إقامة وطن وليس تجمعا فدراليا للطوائف...
يستطيع البطرك أو بعض المتفلسفين الذين يدعون إلى فيدياليات في النهج الإقتصادي، حيث على البقاع الزراعة وإطعام الوطن بينما هم يبيعون النساء في خمّارات السياحة وجني المال من هذه التجارة المربحة، لكن غير الأخلاقية... والتي لا شرف ولا كرامة للمناطق التي تدعو إليها وتسمح بها... طبعا دون أن يعني ذلك رفض السياحات التاريخية والثقافية والطبية والبيئية... الخ
لكن ميشال عون فضّل الدخول الى وكر الثعابين على أساس أن يكون هو ممثل الأفاعي المسيحية لو لم يصطدم بالقوات، ممثلة الطبقات الدنيا من هذه المسيحية أو الكتائب الذين يحنون إلى أيام الجمهورية الأولى التي برعوا هم في حلبها...
أما في المقلب الآخر، فنجد زعماء السنيّة السياسية يحاولون التعلق بجثةِِ، وهي رميم...
لو صرخ المفتي بأعلى الصوت، ولو استشرس لصوص النادي إياه أكثر الاستشراس في الدفاع عن دولة النهب الحريري...
لن يفيد هذا في شيء...
كما انتهى لبنان دولة ال1943 إلى غير رجعة، كذلك انتهت جمهورية الطائف التي على أساسها خرج قانون برايمر في العراق...
المنطقة تسير إلى الأمام...
حتى الذين يحلمون عند الشيعة بالمثالثة، وزيادة حصة الشيعة في المؤسسات، سوف يُصدمون بعدم هذه الإمكانية وأكبر الرفض الداخلي يأتي من حلفاء الشيعية السياسية نفسها عند المسيحيين والسُنّة، ناهيك عن الرفض داخل الطائفة الشيعية من قبل المتنورين الشيعة وهم الأكثرية الساحقة هذه الأيام، ناهيك عن الرفض الخارجي طالما التيار المسيطر حتى اليوم عند الشيعة هو التيار المناهض لاميركا والرافض بكل المقاييس لوجود دولة الكيان الصهيوني...
الشيعة في لبنان...
أعداء لوجود إسرائيل فقهياََ، وإنسانياََ، وأخوياََ عبر العيش المشترك الذي استمر قرونا مع الفلسطينيين... نفس العائلات تتواجد على كل اطراف الحدود العربية في كل المشرق وحتى المغرب العربي، حتى لو اختلفت المذاهب واللهجات، وحتى مصلحياََ... هناك رفض مطلق للكيان...
"إسرائيل شر مطلق"...
كان هذا شعار السيد المغيب موسى الصدر... الذي تآمرت دول ومنظمات وعملاء وجهلة وسفهاء على هذا الإخفاء...
إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، هو شعار سيد المقاومة الإسلامية التي يجب أن تعبر الطوائف والمذاهب... وسوف تعبر حتى رغما عن بعض المتحجرين من جمهورها الذين لا يرون أن التاريخ لا يرجع إلى الوراء أبداً، وان إمامهم الأكبر نادى بهذه المبادئ العظيمة قبل ويستفاليا الأوروبية بأكثر من ألف وثلاث مئة وخمسين عاما...
إسرائيل شر مطلق للإنسانية كما الله وجود مطلق لا يقبل، لا شريكاََ ولا بديل...
لذلك انتهى الطائف...
ولذلك لا بد من إعادة بناء الدولة على أسس المساواة الكاملة بغض النظر عن أية فروقات خلقها الله لتكون لكمال البشرية وليس لاستعباد فريق منها لفريق آخر...
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهن أمهاتهم أحرارا"