كتب الأستاذ حليم خاتون:
هل اوقف كلام السيد نصرالله مساء أمس الهجوم الأميركي المضاد بعد مسلسل التراجعات والهزائم التي لحقت بالمعسكر الأميركي في السنين الأخيرة أمام تمدد محور المقاومة...؟
هل أعاد كلام السيد نصرالله جماعة القوات الى رشدهم في السعي إلى لعب دور تقسيمي جديد على الساحة اللبنانية أو حتى خدمة المشاريع الخارجية في لبنان...؟
هل سمعت إسرائيل ما أراد لها السيد أن تسمعه...؟
بل هل قصد السيد فعلا أن تسمع إسرائيل وأميركا ما قاله...؟
لكن الأهم من كل هذا...
هل سمع مؤيدو المقاومة من الحالمين ببناء دولة قوية عادلة هذا الكلام، جيداً...؟
حلم بناء دولة في لبنان ليس للمستقبل القريب، ولا حتى الأوسط، ولا حتى للمستقبل البعيد، بكل تأكيد...
هذا ما يستنتجه المرء بعد الاستماع بهدوء إلى كلمة السيد بعيدا عن الغضب على جريمة الطيونة والحماس المبدئي للمقاومة...
من تابع تفاصيل كلام السيد، وتحمّس كثيرا لهذه القوة التي سوف تقف في وجه أعداء الوطن... لم يستطع أن لا يرى أنه ومن أجل السلم الأهلي، يتم التضحية بأكثر من مبدأ مهم من مبادئ بناء الدولة... أو قيام دولة من أصله...
في سياق ردوده على حزب القوات اللبنانية تحديدا، وعلى كل من يخاصم حزب الله، خاصة بين المسيحيين، أورد السيد نصرالله مجموعة أمور اضطر فيها الحزب الى الوقوف ضد قناعاته، من أجل السلم والوئام الاهلي...
ليس المشروع الأرثوذكسي الضربة الوحيدة لبناء الدولة المدنية في كل ما تم تناوله...
ما هي الإيجابيات وما هي السلبيات من القبول بهذا القانون الانتخابي البغيض على دعاة بناء الدولة المدنية العادلة والقوية؟
هل وازن حزب الله يومها بين هذه الإيجابيات وبين السلبيات قبل أن يحسم الأمر باتجاه التصويت لصالح قانون انتخاب طائفي يضع حاجزا معنويا بين اللبنانيين قد يؤدي إلى حالة كانتونية فاشية مقيتة في البلد...
مفهوم جداً أن يحاول حزب الله إراحة البيئة المسيحية... لكن من غير المفهوم كان أن يوافق الحزب على قانون انتخاب كان سوف يؤدي إلى نجاح أناس تقسيميين، انعزاليين، شعبويين في الانتخابات سوف يكون كل همهم كسب التأييد الشعبي عبر المزايدات الطائفية من أمثال زياد أسود أو ناجي حايك...
في سبيل تفادي فتنة إسلامية مسيحية سوف نظل نعيش في نظام طائفي مسيحي اسلامي ضمن عقلية طائفية محضة لا تلعب فيها الوطنية إلا دورا ثانوياً... دجل متبادل بدل بنا دولة...
في سبيل تفادي فتنة سنية شيعية سوف يظل البلد رهينة نظام الطائف بشكله الحريري... إلى أن تحصل معجزة ثورية داخل الطائفة السنية تطيح بالفاسدين، وهذا شبه مستحيل طالما سوف تظل الناس تنظر إلى الآخر كتهديد وجودي لها فتلتف حول لصوصها وفاسديها...
في سبيل تفادي فتنة شيعية شيعية، يتم حماية الفاسدين الشيعة فيضيع المرء بين مهاجمة رياض سلامة من جهة، وتفادي الحديث عن وزير المال يوسف الخليل، أو حتى عدم تناول إفشال الكابيتال كونترول في مجلس النواب، إلا نادراً وعلى لسان الضيوف في المنار فقط...
طيلة سنتين لم يسمع أحد ما، لا نائباً ولا وزيرا من حزب الله يهاجم عدم تطبيق قانون الكابيتال كونترول... خوفاً من حساسية مجلس النواب تجاه هذه المسألة...
إذا كانت تصرفات جعجع والقوات اللبنانية تعمل على زيادة هجرة المسيحيين، فإن تفكيرا ملياََ في كل ما سبق وما يحمله هذا من يأس من إمكانية قيام دولة مواطنة...
كل هذا يدعو بالتأكيد اي لبناني بما في ذلك السنة والشيعة والدروز وكل الناس بما في ذلك المسيحيين، إلى ضب الشنط والهرب إلى اول بلد يمكن أن يستقبل مهاجرين جدداََ...
منذ شهر، غادرت عائلة شيعية كاملة لبنان لتنضم إلى ولديها في فرنسا...
أمس، أخبرني مهندس صديق لي أن ابنه الذي كان يدرس الطب في الجامعة أليسوعية قد قرر الانتقال إلى فرنسا مع بقية العائلة...
لأن الوضع في لبنان لا يُحتمل...
ربا عائلتين كانا يرسلان إلى لبنان حوالي ٣ إلى ٤ آلاف دولار كل واحد، كل شهر... سوف يرسلان هذه المبالغ إلى فرنسا الآن..
في المرات السابقة كنا نخسر شباباََ يهاجرون ويعملون في الخارج ثم يرسلون المال لدعم اهلهم في لبنان...
هذه المرة... الذين يعملون في الخارج قرروا سحب عائلاتهم بالكامل...
بدل خسارة شخص واحد في العائلة يهاجر... صرنا نخسر عائلة كاملة مع الزوجة وكل الاولاد... بما في ذلك الأطفال الذين سوف يدخلون المدارس في المهجر وتنتفي علاقاتهم مع الوطن إلى نسبة مخيفة...
قبل ١٥ سنة، كنت أتعمد المجيء مرتين في السنة إلى لبنان، ولم انجح كثيرا في خلق روابط بين اولادي وبين وطنهم...
فكيف الآن والسنين تمر ولبنان ينتقل من مأساة إلى مأساة أخرى، والحياة هناك أصبحت جحيماََ...
ترسيم الحدود البحرية...
هذه أيضاً إحدى مآسي هذا الوطن الصغير...
ترسيم لا يزال دون مراسيم موقعة من قبل الرئيس عون حليف المقاومة، رغم أن آخر قرارت محكمة العدل الدولية في الخلاف الكيني الصومالي، المشابه لوضع الحدود اللبنانية الفلسطينية، يدعم بقوة موقف لبنان من جهة الإصرار على النقطة ٢٩... أي أن حقل كاريش الذي سوف يبدأ العدو الحفر فيه، يتبع أكثر من نصفه للبنان...
تحدث السيد عن العدو الذي يسرق غازنا ويسرق نفطنا...
من المسؤول؟
الاصابع تتوجه إلى الرئيس عون...
من سوف يحاسب؟
إنها المهزلة التي تحمل اسم السلم الأهلي...
كل وطن، وانتم بخير...