كتب الأستاذ حليم خاتون:
بعد أكثر من سنتين من استعمال سلاح المقاطعة في البرلمان، استطاع حزب الله إيصال ميشال عون إلى الرئاسة بالرغم حتى من حليفه الآخر المتمثل بالرئيس بري الذي عارض هذا الأمر بشدة..
هكذا بدأ الجميع يتحدث عن أكثرية نيابية للحزب وعن غطاء مسيحي للمقاومة...
هل كان حزب الله يحتاج فعلا لهذه الأكثرية؟
بل هل كانت هناك فعلا اكثرية، أم أن الأمر كان مجرد بالونَ هواء فاسد...؟
ما هي المنافع التي حققها الحزب من هذه الاكثرية؟
في مقابلة قبل يومين، لمح الأستاذ سركيس نعوم إلى أن القاضي بيطار محسوب على الرئيس عون، وأنه جاء بتوصية من القاضي جريصاتي الذي يتبع عون وباسيل ١٠٠٪...
حتى أن الأستاذ نعوم، تجاوز نعت جريصاتي بالغباء، وكاد يتهمه بتخريب القضاء... بسبب ما قام ويقوم به هذا القاضي...
وفقاً لما قاله الاستاذ سركيس، فإن القاضي بيطار يخوض معارك الرئيس عون ضد خصمين لدودين يشكلان خطراً على وصول باسيل إلى الرئاسة؛ هما الرئيس بري والوزير فرنجية وذلك عبر استهداف خليل وزعيتر وفينيانوس... (مساكين أهالي الضحايا الذين لا يزالون يصدقون)...
في نفس الوقت، تدور شائعات تتحدث أن القاضي بيطار يعمل عبر هذا التحقيق على نسج علاقات مع الأميركيين ومع السعوديين من أجل فك عزلة باسيل والتمهيد لانعطافة التيار العوني بالاتجاه الآخر... من هنا نفهم عدم استدعاء اشرف ريفي، وعدم الذهاب بالتحقيق إلى أكثر من حدود منطقة الإهمال الوظيفي، وذلك لكي لا يصل التحقيق إلى مَن جلَب باخرة النيترات فعلا، وكيف دخلت عبر مصفاة المراقبة الأطلسية ويتم التوسع أكثر حيث سوف تتكشف عمليات تهريب سلاح ضخمة كانت تجري عن طريق لبنان لصالح "المعارضة!" السورية...
هل يمكن اعتبار هذه الخطيئة غطاء مسيحياً للمقاومة!!؟
ما هو، واين هو هذا الغطاء المسيحي...؟
في نفس الوقت يتحدث الكثيرون عن غطاء شيعي كامل لهذه المقاومة عبر التحالف بين حزب الله وحركة أمل...
ليس هناك أدنى شك أن هذه العلاقة التي تربط حزب الله مع حركة أمل منعت أية تشنجات كان من الممكن أن تظهر داخل الطائفة الشيعية، حيث يجب الإعتراف أن هذه الطائفة ليست بلوكا واحدا مرصوصا من أجل مقاومة تتعدى اهتماماتها بالفعل، المصالح الطائفية الضيقة...
إذا كانت حركة أمل جزءا من تركيبة المحاصصة في النظام، وتعمل على انتزاع الحصة الشيعية دوما في جبنة هذا النظام، فإن اهتمامات حزب الله الأساسية تتركز على مفهوم المقاومة للدفاع عن لبنان وعن مصالح لبنان، لتصل في النهاية حتى تحرير فلسطين والتصدي للمشروع الإمبريالي في المنطقة...
في هذا الأمر الاخير، لا يتفق طرفا الثنائي الشيعي بالتأكيد...
حتى لو ظلت حركة أمل تصيح حتى قيام الساعة، لن يصدق أحد أن الحركة لا تزال على مبادئها الأولى في التصدي للمشروع الإمبريالي في المنطقة...
رغم دخول حزب الله الى النظام، ظل هذا الحزب يحمل مفاهيم الثورة ويقوم على أساس حتمية انتصار هذه الثورة... بينما انسجمت حركة أمل، مع كل الأطراف الأخرى في هذا النظام وتحولت شيئا فشيئاََ إلى أحد عناصره، وتخلت عن اصولها الثورية لصالح التعامل ببراغماتية مع الواقع الجديد الذي مثله رفيق الحريري...
حركة أمل صارت جزءا مهما من تركيبة النظام... بينما لا يزال العمل جاريا على محاولة جر حزب الله الى نفس هذا المستنقع... حتى اليوم لم يقع حزب الله بالفخ، رغم أن جزءا من جسده التنظيمي بات داخل هذه المعادلة... وبصراحة، لولا وجود الثورة الإسلامية في إيران، لكان جناح الدولة انتصر بالتأكيد على جناح الثورة ولكان تم اغتيال أو ابعاد الكوادر الثورية من الحزب منذ زمن بعيد...
خير برهان على هذا الأمر هو التجربة السيئة الصيت، والعديمة الإنتاجية لتواجد حزب الله داخل السلطة...
لقد استطاع رفيق الحريري ترويض حركة أمل عبر إدخالها إلى داخل النظام وتكفل النظام السوري الذي كان يشكل غطاء راعياََ لهذه الحركة، تكفل بالباقي...
جرت نفس المحاولة مع حزب الله، لكن ارتباط الحزب عقائديا بإيران، حماه إلى حد ما من الانغماس في لعبة المحاصصة...
أقول إلى حد ما، لأن الحزب لا يزال في الوسط:
رجل في البور، ورجل في الفلاحة...
الحزب موجود في السلطة، لكن ثوريته حتى الآن، تمنعه من أن يكون جزءا من هذه السلطة...
هو موجود، وغير موجود في نفس الوقت إلى درجة أن هذا الوضع بدأ ينعكس سلباً على جوهر العقيدة الثورية لحزب الله...
الفضل في هذا طبعا يعود إلى إيران في الدرجة الأولى، وإلى قدسية القضية الفلسطينية في عقيدة الحزب التي لا يمكن الفصل بين دنيويتها ودينيتها...
قدسية القضية الفلسطينية عند الحزب فعلية وعملية وليست مجرد شعارات وكلام فارغ كما هو الأمر مع كل الأنظمة العربية والأغلبية الساحقة من التنظيمات والأحزاب العربية وحتى جزء مهم من التجمعات الفلسطينية نفسها التي قبلت بدويلة على جزء من الأرض الفلسطينية، والتخلي عن الباقي والقبول بلعب نفس الدور الوظيفي لصالح الإمبريالية الذي تلعبه بقية الأنظمة العربية...
إذا عدنا فعلا لطرح السؤال من جديد... هل يحتاج الحزب لهذه الأكثرية؟
يكون الجواب إن هذه الأكثرية التي يتمتع بها حزب الله اليوم، هي ورم خبيث يجب التخلص منه قبل أن يقضي على جسد المقاومة...
لا احد يدعو إلى خصام شيعي شيعي... ولا احد يدعو إلى العودة إلى الخصام مع حركة امل، ولا احد يمكنه عدم رؤية خطورة أي نزاع قد يحصل بين الطرفين...
لكن يجب بناء علاقة واضحة بين الطرفين تنأى بحزب الله عن الخط المذهبي الذي مشت عليه حركة أمل...
حركة أمل هي تنظيم شيعي بامتياز، تخلت بكل أسف عن المطالبة بإقامة الدولة المدنية في لبنان التي كان يدعو إليها السيد موسى الصدر...
والرئيس بري قال ذلك بعظمة لسانه حين صرح بأنه دخل إلى السوق(النظام اللبناني)، ومن يذهب إلى السوق، يبيع ويشتري...
إذا كان حزب الله من نفس هذا الرأي، فلا مبرر لوجوده على الإطلاق، وعليه حلّ نفسه والانضمام إلى الحركة؛ أما إذا كان مختلفاً، ويريد دوما التميز بانحيازه إلى تيار الثورة والمقاومة، فعليه التفتيش عن اكثريات أخرى وعن حلفاء آخرين، أكثر تشبهاََ به...
إذا كانت الملاحظات في العلاقة مع حركة أمل تقاس بالكيلو، فهي مع التيار العوني، تقاس بالأطنان...
اول وأهم اختلاف مع التيار العوني هو في النظرة إلى قدسية القضية الفلسطينية وعدم القبول بوجود إسرائيل ولا بأي حال من الأحوال...
إذا كان شعار حركة أمل "إسرائيل شر مطلق" ظل شعارا، فإن التيار العوني يضم أناس صرحوا علنا عن التطلع إلى تطبيع العلاقات مع الصهاينة وعلى رأسهم كلودين عون روكز، ابنة الرئيس، وحتى الوزير باسيل الذي مرر أكثر من عبارة تحمل نفس هذا المعنى...
هل كان التحالف مع التيار العوني خطيئة؟
ربما لا...
لقد ساهمت مار مخايل بكسر الكثير من الجليد بين المقاومة وبين شرائح واسعة من المسيحيين الذين يرون في اسرائيل خطرا وجوديا على لبنان وعلى كل المشرق، والذين ينظرون نظرة أخرى إلى الوجود المسيحي في هذا الشرق تختلف عن نظرة الإنعزالية المسيحية المرتبطة مصلحياََ مع الغرب والتي تلعب دور سمسار هذا الغرب في هذا الشرق... والذي تمثله الكتائب والقوات وطبقة المصارف...
لكن علينا رؤية الحقائق أيضاً...
لقد غلبت الحالة الطبقية عند العونيين على الحالة الوجدانية المسيحية، وصار الكثيرون من العونيين يرون في مقاومة إسرائيل عبئاََ، بل وصل الأمر ببعض العونيين إلى حد القبول بالتخلي عن اجزاء من ال١٠٤٥٢ كلم٢ من أجل علاقات افضل مع الغرب ومع السعودية، والذي ينفي هذا عليه المطالبة بحدود لبنان لسنة ١٩٢٣، كما حددتها الاتفاقات البريطانية الفرنسية والتي تضم بالإضافة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وضيعة الغجر؛ تضم أكثر من أربعين بلدة وقرية داخل الجليل...
أما الذي لا يصدق هذا، عليه أن يسأل نفسه لماذا لم يوقع الرئيس عون مراسيم الخط ٢٩ للحدود البحرية مع فلسطين المحتلة حتى اليوم...
الرئيس العنيد ميشال عون طلب من وزيره شربل وهبه الاستقالة، من أجل نيل رضا السعودية، رغم أن هذا الأخير كان يدافع ولو بطريقة خاطئة، عن كرامة الرئيس وكرامة لبنان...
هذه النظرة الإجمالية إلى الحليفين الموبوئين تظهر أن حزب الله يخسر كثيراً في التحالف معهما الآن، وبالأخص بعد انفجار أزمة النظام اللبناني...
لا يطلب أي كان من حزب الله نصب المتاريس وإطلاق النار على حلفائه...
مجرد إقامة علاقات طبيعية أكثر من كافِِ، مع الاحتفاظ بحق التفتيش عن حلفاء أكثر مطابقة للمواصفات الثورية التي يجب على الحزب حملها لكي يظل مخلصاً تجاه نفسه اولاََ، وتجاه الشعب اللبناني ثانياً، وتجاه الأمة العربية وتجاه الإنسانية أخيراً...
عودة إلى السؤال الذي يفرض نفسه مجدداً...
هل يحتاج حزب الله لتملك أكثرية؟
ما هو الثمن المطلوب من أجل هذه الأكثرية؟
حزب الله الذي خاض حربا ولا يزال ضد إسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود، والذي حارب التكفيريين في سوريا لأكثر من عقد من الزمن، عليه القيام بنضال بطيء طويل حتى يصل إلى إنشاء جبهة وطنية ثورية تسمو به ويسمو بها، بدل الانغماس مع قوى سقطت أو قوى ساقطة فعلا...
حليم خاتون