مقال الإعلامية روزانا رمّال, عن التغطية الأمنية الأمريكية للدول التابعة لها ولحلفائها يُذكرني بمقولة الرئيس المصري السابق الشهيرة, المتغطي بالأمريكان بيصبح عريان, ترامب قالها لأتباعه, نريد اموالكم مقابل حمايتكم ثم تراجع بعد ذلك وقال نريد بيعكم أسلحتنا لا استخدامها بدلاً عنكم, التخلي الأمريكي عن الحلفاء له أسبابه, أمريكا لم تعد قادرة على الحروب المباشرة وعلى ارض الواقع لم يجد استخدام الوكلاء بعد فشلهم في سوريا ولم يعد الإعتماد على "إسرائيل" مٌمكناً, فالكيان يحتاج لمن يحميه وتحول عبئاً على مؤسسيه, كما ذكر الجنرال "ديفيد بترايوس" في شهادته أمام الكونغريس الأمريكي في عام 2009, المنطقة والعالم سيشهد تغيرات كبرى, ستخرج عن قاعدة القطبين لتعدد الأقطاب.
محور المقاومة بات قطباً سيكون له دوره الهام في قادم الأيام, فهو يتحكم بأهم الممرات المائية في العالم " هرمز وباب المندب" وهو القادر على وقف تدفق الطاقة للعالم إن فرضت عليه مصالحه ذلك, وهو الذي يمتلك قوة بشرية وقوة عسكرية تتنامى وهو المتحكم في جغرافيا الإقليم.
إضاءات
روزانا رمّال
بين الرياض و»الكرد» حلفاء واشنطن.. بلا شبكة أمان؟
الحديث عن الانسحاب الأميركي العسكري من سورية أو أقله من معركة الشمال السوري التي كانت منتظرة بحسابات مغايرة عن تلك التي أرادها اردوغان نبعاً من السلام على الطريقة التركية الخاصة أخذ قراءة المنطق الأميركي بالمنطقة من زوايا مختلفة.
قبل «نبع السلام» التركية شيء وبعدها شيء آخر، بكل تأكيد، لكن ما كان مشكوكاً فيه حيال تعاطي واشنطن مع حلفائها صار يقيناً مكشوفاً لكل اللاعبين على الأرض حتى ان امكانية استشراف شكل المفاوضات لديهم ممكنة نتيجة تنازلات تقدّمها واشنطن، لكن ليس من «حصتها» بل من حصة وكيان حلفائها أي ان التضحية لحظة اي تسوية دولية بأي مصلحة حليفة صار أكيداً.
تعد واشنطن غالباً حلفاءها بأنها تغطي أي نوع من الخطط والمعارك. وهي بدون شك تؤمن غطاء دولياً جامعاً لهذا مع صيغة مقنعة من قرارات مجلس الأمن وبياناته لجهة ضرورة التبني او بالحد الأدنى تعطل مستخدمة الفيتو كل ما يطرح خارج فلكها أو خارج ما يدور في فلك مصالح مَن تتحالف معهم في الشرق الأوسط، لكن كل هذا فجأة يغيب ويتبدّل حتى يصبح سراباً لحظة يتعلق الأمر بمشاركة أميركية مباشرة او منفردة في أي خيار عسكري او سياسي يدعم حلفاءها. وهو الامر الذي تختلف فيه عن روسيا التي سبقتها بأشواط في مجال الدعم العسكري لحلفائها. الامر الذي جعلها تتقدم وإياهم في هذا النطاق بشكل سريع. فلحظة طلب سورية من القيادة الروسية المشاركة بالعمليات العسكرية على الارض السورية في محاولة لإشراكها بمكافحة الارهاب عام 2015 كانت اولى طلائع السوخوي الروسية تحلق في اجواء البلاد وتتأهب لبدء المرحلة الكبرى. وخلاصتها ان روسيا حاضرة للعمل العسكري المباشر ضمن كل محيط محسوب على «أمنها القومي» وخياراتها الوطنية. ودمشق التي اعتبرتها موسكو تاريخياً نواة الامن الحيوي الروسي هي جزء لا يتجزأ من الطموحات الروسية في توسيع أوراقها التي ترفعها بوجه الأميركيين تأكيداً بأن الحساب السياسي بالمنطقة لم يعد يمر بأحادية القرار الأميركي نهائياً.
هذه الحقيقة التي كرستها روسيا تأخذ الى منطق التعاطي مع الحلفاء أميركياً، حيث لا يخفى مستوى المصالح المشتركة معهم في الشرق الاوسط خصوصا تلك المصالح المالية والاقتصادية في الخليج، لكن في الوقت عينه صار التوقف عند أحداث «غاية في الخطورة» عاشتها المنطقة مؤخراً تطرح اسئلة حول جدية الحضور الأميركي والتمسك بخيارات الحلفاء من جهة، والأهم حول جدية تمسك الأميركي بمخططات يطرحها ويسوقها بدون استكمال مساعي النضوج حتى نهاية الطريق وذلك عبر التالي:
أولاً: وعدت واشنطن بتأمين كل ما يلزم لولادة دولة «كردية» وسط كل ما شاب الانتخابات والمعارضة الشرسة التركية والإيرانية والوحدة في هذا الملف. لم تصمد واشنطن حيال هذا الحلم الذي كان يعرف «بالحلم الكردي» سقط الحلم وبقي الدعم كما كان مفترضاً، لكنه ترجم اليوم بشكل يؤكد ريبة الموقف الأميركي حيال الأكراد من جهة والأتراك من جهة أخرى. ففي معركة الشمال السوري اليوم يتلخص المشهد بانسحاب أميركي من المعركة وترك الساحة خالية لتركيا لتقاتل. البعض اسماه مستننقعاً، لكنه بكل حال من الاحوال «تخلٍّ» أميركي عن قوات سورية الديمقراطية التي لطالما حظيت دعماً غير مسبوق. فبالحد الادنى الصورة والانكسار المعنوي خطير حيال سحب الظهير الأميركي من المشهد. هذا لا يعني أن السقوط الكردي أمام الاتراك حتمي وربما لا يعني ايضاً سحب الدعم الأميركي العسكري للأكراد الذي قد يكون لا يزال موجوداً لوجستياً، لكنه يعني بالتأكيد ان اي خيار أميركي بالهجوم او الدفاع عن حلفائها بشكل مباشر امر غير وارد بل ان خطوط الانسحاب هي الأسرع والأوفى دائماً.
ثانياً: ربما هذه الحادثة تحطم فعلاً فكرة الدعم الأميركي اللامتناهي لحليف دعم بشكل لامتناهٍ الخيارات الأميركية في المنطقة والاقتصادي الأميركي بل والمصالح الأميركية في المنطقة العربية أجمع كالمملكة العربية السعودية، واذ بها تتعرّض لهجوم حوثي عنيف على منشآت «ارامكو» كسر مهابة الدفاعات السعودية واستهدف اهم رمزية نفطية في المنطقة حتى وصف بانه حدث هز العالم النفطي برمته وعرض الامن الاقتصادي للخطر. كل هذا حبس الانفاس وصار السؤال حول ترقب رد أميركي عنيف يوازي استهداف مصلحة أميركية بهذا الحجم أمراً بديهياً. حبست الانفاس بالمنطقة واذ بالملف يمر بدون أي رد أميركي عسكري مباشر مع اعلان مفاجئ من الرئيس دونالد ترامب انه «لم يعد السعوديين بأي رد». وهنا أتت الصدمة وأعيد الترتيب السياسي الإقليمي. فعبر هذا الموقف استفادت ايران وروسيا في تعزيز وتكريس حضورهما بالمنطقة أكثر ونجحتا في اعتبار هذا النوع من الاستهدافات كفيلة بتحقيق أهداف تنزل الأميركي عن الشجرة خصوصاً في المفاوضات.
وبالحالتين برزت عدم نجاعة الخيارات الأميركية بحماية العرب من إيران كما يأملون ولا الأكراد من الأتراك كما عملوا طويلاً أمنياً ولوجستياً.
الخلاصة هي عدم استعداد واشنطن للدفاع عن اي حليف ما عدا «إسرائيل» وفقط «إسرائيل»، بل انها تعتبر ان اي تدخل من اجل مساعدة حليفها هو تورط بالغنى عنه.. قراءة حلفاء واشنطن المشهد من منظار آخر باتت ضرورية فوحده قادر على انشاء شبكة امان جدية بعيداً عن عدم الالتزام الأميركي المخيف، بالمقارنة مع التزام روسي ملحوظ بأمن الحلفاء وملفاتهم «السيادية»..