لا تقــلقوا عـلى لبنـان ، حــالة مخــاض ، ونـــذر ولادة وتغيـير للـواقع ، والمـوقع
لا عـودة إلى الـوراء ، نهـوض شعبي ، وغـربلة ، وخـروج مـن الوصـاية وعلـيها
دعوا جعجع القاتل ، وجنبلاط الموتور ينزون عن حقدهما ، لأنهما في حالة موات.
يجب أن نعترف أن زخم التحرك الشعبي في لبنان جاء عفوياً ونبيلاً ، وابناً شرعياً لحالة مخاض طويلة ، ومريرة ، تمر فيها المنطقة ، منذ أن قتل الحريري ، فمن لبنان كانت الشرارة التي أشعلت السهل ، وامتدت إلى المنطقة ، ولم تكن لبنان الغاية والمقصد ، بل اعتمدت كأرضية انطلاق لتدمير شقيقتها سورية ، وتدمير سورية يعني وبدون عناء تدمير لبنان ، لذلك كانت لبنان أرض الحريق الأول ، وأرض الاستفاقة الأولى التي كللت بنصر تموز ( نصر المقاومة ) ، ولا تقللوا من نصر ( لقاء العماد عون ، وحسن نصر الله في كنيسة مار تقلا ) من هنا كانت البداية .
لم تترك قوى العدوان سلاحاً ، أو مرضاً ، إلا ونثرته في حارات لبنان ، حتى أوصلت ( طرابلس الشام العربية ) إلى الرايات السود ، بل أوصلت لبنان كله إلى حالة اختناق اجتماعي ــــ سياسي ــــ اقتصادي ـــ أخلاقي ، ولولا المقاومة المنتصرة لخسر لبنان هويته " ليس في هذا مبالغة " .
ولكن ما مر في لبنان ورغم فداحته ، لا يمكن أن يقارن بما مر على سورية ، لأنها كانت الغاية ، والمقصد ، فهي العقدة ، الذي جاء الغرب كله لفكفكتها ، بكل أسلحته ، مع كل ذيوله ، وأتباعه ، وعملائه ، مستنفراً جميع الحركات الاسلامية ، لقتل سورية ، وإلغاء هويتها .
وبقتل سورية ، وإلغاء هويتها ، لا يغتالون نزوع شعوب المنطقة للخلاص من ( الإلحاقية للغرب الاستعماري ، والتبعية له ، وحالة الضياع التاريخية ، حد غياب العقل والعقلانية ) ، بل يغتالون الشرق كله بكل أحلامه وأمانيه ، لأن سورية بوابة الشرق ، ونافذته نحو العالمية .
لكن سورية [ وبتحمل شعبها من المرارات ، ما لا تتحمله الجبال الراسيات ] ، وبطولات جيشها ، بحلفائها ، تمكنت ليس من وقف الهجمة ، بل من لي عنق المعتدين بكل هوياتهم ، وعلى الأخص ، والأعم ( أمريكا ، واسرائيل ) .
[ هذا الانتصار قلب المعادلة ، من حالة الهجوم لمعسكر العدوان بكل تشكيلاته ، الدولية ، والمحلية ، وحتى العملائية ( عملاء الداخل ) ، إلى حالة الدفاع ، عن بعض المواقع التي لايزالون يسيطرون عليها ، ] .
من هذه الصورة البنورامية ، يمكننا أن نطل على واقع التظاهر العام الايجابي في لبنان ، ونقف أيضاَ على حالة الهيجان الحاقد ، لكل من جعجع ، وجنبلاط ، وبعض العملاء الملحقين بهم ، ودفاعهم المستميت عن مواقعهم الأخيرة الرطبة ، التي لايزالون يحاولون الامساك بها .
ولكن الغريب وغير المألوف ، رؤية الحريري ــــ سعد الغر في السياسة ــــ الذي أُلزم بحمل قميص أبيه بوجه سورية ، والمقاومة ، الذي سيحاول الابتعاد هو وبعض من أنصاره عن مواقع جنبلاط وجعجع ، وسيتركونهما لوحدهما ، يتحملان عبء ما جنته عليهما مطامعهما ، وممارساتهما ، وعمالتهما ، كما وسيتخلى عن الكثيرين من الذين التحقوا ، أو الحقوا به ، أولئك الذين غاروا بعيداً في كهوف الظلام الاسلامي ، وصولاً إلى الرايات السوداء .
لا يجوز أن نقيم ما يحدث في لبنان الآن ، على أنه الموجة الثانية من " الربيع العربي " في هذا ظلم وقصر نظر ، بل هي بنت شرعية لنسائم الحرية التي هبت من سورية ، واستفاقة جنينية في طريقها للتبلور ، والدليل القاطع المانع ، اختراقها لكل العوائق القديمة ، وعبورها للطوائف والمذاهب .
طبعاً القديم العميل لن يستسلم بسهولة ، وسيدافع عن مواقعه ، وسيعبر عن ذلك بكل وقاحة كما فعل " الفاعور ، لسان جنبلاط " عندما صرح ولأول مرة عن عدائه السافر للرئيس عون وتياره ، ولكنه وقع في الحفرة عندما أدان العهد وأعلن براءته منه ، ولكنه تناقض مع موقفه هذا ، وأعلن بقاءه حكومة العهد الذي يقارعه .
نعم هي التفافة ناقصة وغبية ، ولكنها أخذت العبرة من تسرع جعجع ووقوعه في فخ الاستقالة ، لأن هذه السقطة ستسقط جعجع وإلى الأبد .
لا تخافوا على لبنان ، لأن حاميها حزب الله ، الذي أوقف اسرائيل على ساق واحدة ، وهو الذي حرر الحدود ، والجرود مع الجيش اللبناني من داعش وغيرها .
لن نبالغ ونقول أن التظاهر الواسع الذي شمل كل لبنان ، متبلور ويحمل برنامجاً تقدمياً ، واضحاً ، ولكن التغيرات الجذرية ، الدولية ، والمحلية ، التي لا تشير بل تؤكد : على انه مخاض الإيجابي فيه أقوى من السلبي لأن :
ــــ اسرائيل باتت ملجومة .
ــــ وأمريكا بدأت تتخفف من مسؤولياتها في المنطقة .
ـــ والسعودية هي الخاسر الأكبر لدورها في لبنان .
لكن الأهم والذي يجب التأكيد عليه :
أن ما يحدث في لبنان سيكون بمثابة كرنفال أمام ما سيحدث في جميع الدول العربية ، لأننا أمام حالة انسلاخ عن مرحلة الوصاية الغربية ـــ الاسرائيلية ، إلى حالة الامساك بالهوية ، ولكن هذه الانتقالة لن تتم بيسر كما نرغب ، ولكنها حتمية التحقق .
نعم سنشهد حالة تردد ، وانتقالات ، غريبة ودراماتيكية ، لأن السعودية ، ومصر ، والامارات ، على وجه الخصوص ، قد بدأت تتشكك في جدوى الحماية الأمريكية ، لذلك هي الآن في مرحلة الحيرة والتردد ، وسنجدها بعد لأي تبحث عن طريق للتقارب مع سورية ، وزاحفة ولكن ببطيء نحو المشرقية .