مقال الدكتور محمد سييد احمد بتناول موصوعاً هاماً حول استراتيجية أمريكا في الهيمنة على العالم من خلال صناعة الإرهاب بمحتلف أنواعه, الإرهاب السياسي والتكفيري المتوحش وكما الإرهاب الإقتصادي من خلال صناعة القتلة الإقتصاديين وارسالهم لتنفيذ اغتيالات سياسية في هذا البلد أوذاك لفرض الهيمنة الإقتصادية على الدول بعد إزالة رموز سياسية تسعى لإستثمار موارد بلادها لصالحها, من ناحية أخرى تمارس أمريكا التوحش في إرهاب الشعوب لتتمكن من صناعة كيانات فاشلة كما في أفغانستان والعراق والصومال وفي كثير غيرهم من البلدان.
لقد قامت العصابات المؤسسة لما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية بإبادة أكثر من مئة مليون من سكان البلاد الأصليين وارتكبت كل الفظئع والجرائم من قطع للرؤوس لإستخدام السيانيد في تسميم البشر وقطعان الجواميس العائدة للشعوب الأصلية, نُذكر بجرائمها بهيروشينا وناغازاكي في اليابان و كما استخدام المواد الكيماوية المحورة دولياً في فيتنام ووصولاً لبلاد الشام بصناعتها وتمويلها لداعش.بما يفيد استراتيجيتها
من جهة أخرى تسيطر العصابات الحاكمة في أمريكا على صناعة الإعلام بهدف تبييض صورة وجهها القبيح, تقلب الحقائق وتصنع شهود الزور لتزييف الوقائع والواقع, لقد تفوقت أمريكا على شياطين العالم أجمع في صناعة القتل وصناعة الكذب ووضعت أسس الزيف والتدليس, لم يخطئ الإمام الخميني رحمه الله حين وصفها بالشيطان الأكبر, نضع بين أياديكم هذا المقال الهام لإطلاعكم.
إضاءات
د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على صناعتين من أهم الصناعات في العالم وهما صناعتا الإرهاب والإعلام. وعبر الصناعة الأولى تمكنت من تحقيق مكاسب كبيرة على حساب تدمير مجتمعات وحصد أروح بشر أبرياء. ومن خلال الصناعة الثانية كانت ومازالت تحاول غسل أدمغة الرأي العام العالمي وإيهامه أنها بريئة من الإرهاب، بل هي المحارب الأول له في العالم، في محاولة لتطهير يدها الملوثة بالدماء.
وخلال هذا الأسبوع خرجت علينا وسائل الإعلام الأميركية تحدّثنا عن مقتل أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي عبر عملية عسكرية أميركية في إدلب السورية، ثم تبع ذلك خروج الرئيس الأميركي ذاته «دونالد ترامب» ليتحدث عن مقتل البغدادي عبر عملية نوعية للجيش الأميركي. وظل الرجل ينسج من خياله قصة طويلة حول مطاردة البغدادي الذي اضطر في النهاية الى تفجير نفسه بحزام ناسف، محاولا بذلك إيهام الرأي العام العالمي بأنهم بذلك قد قضوا بشكل نهائي على أسطورة داعش، وبالتالي لا يوجد مبرر لوجودهم في سورية.
وعلى الرغم من ضعف وهشاشة الرواية الأميركية وعدم صمودها طويلاً أمام العقل الواعي. فخلال ساعات كانت وزارة الدفاع الروسية تؤكد أنه لم يكن هناك في إدلب أي طلعات جوية للطيران الأميركي أو القوى المتحالفة معه لا في يوم السبت الذي حدّدوه أو في الأيام السابقة عليه، ومع ذلك تحاول الولايات المتحدة وعبر سيطرتها على وسائل الإعلام الترويج لأخبارها الكاذبة، وللأسف الشديد مازال الرأي العام العالمي يخضع لتأثير هذه الآلة الإعلامية الجهنمية التي تعمل على تزييف وعيه على مدار الساعة. فقد أصبح الإنسان في عصر الإعلام الرقمي أسير ما يُقدَّم له من معلومات وأخبار مفبركة وكاذبة عبر هذا الإعلام الجديد.
وقصة الولايات المتحدة الأميركية مع الإرهاب قديمة فقد بدأت أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي السابق بدعوى أنها دولة كافرة وتحاول نشر الإلحاد في العالم وعلى المسلمين أن يقوموا بمحاربتها. وبالفعل تم تشجيع بعض الجماعات الإسلامية للذهاب إلى أفغانستان للجهاد ضد الكفر والإلحاد بدعم من الولايات المتحدة التي أمدت المجاهدين المضحوك عليهم بالمال والسلاح. وانتهت المعركة بتفكيك الاتحاد السوفياتي عام 1990، وعاد المجاهدون من أفغانستان إلى بلادهم العربية والإسلامية ليمارسوا العنف والإرهاب داخل هذه المجتمعات.
ثم قامت الولايات المتحدة بصناعة تنظيم القاعدة الذي أثار الرعب في العالم على مدى عقدين من الزمان تحوّل على أثرها أسامة بن لادن الثري السعوديّ إلى أسطورة بواسطة الآلة الإعلامية الأميركية الجبارة، حيث نسب إليه وإلى تنظيمه أكبر حادثة إرهابية في العالم وهي تفجير برجَي التجارة العالمية بالولايات المتحدة ذاتها في 11 سبتمبر 2001 وباستخدام أحدث أساليب التكنولوجيا الحربية من صواريخ وطائرات. وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام حول قوة وقدرة التنظيم الذي استطاع أن يخترق أكبر منظومة أمنية في العالم، على الرغم من أن قادته وكما صوّر لنا الإعلام الأميركي ذاته يعيشون في الجبال والكهوف في أفغانستان. وقامت أميركا بإعلان الحرب على تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن بدعوى أنهم المسؤولون عن الإرهاب في العالم، ورغم ذلك ظل التنظيم موجوداً ومتصدراً للمشهد الإرهابي حول العالم ويصدر يومياً بيانات يتم تداولها عبر الآلة الإعلامية الأميركية أنه المسؤول عن كل تفجير يحدث هنا أو هناك.
ومع تفعيل وتسريع خطوات مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى من خلاله الولايات المتحدة الأميركية إلى تفتيت وتقسيم المنطقة العربية على أسس مذهبية وعرقية وطائفية وهو ما يستلزم استخدام ورقة الجماعات الإرهابية لتكون عملية التقسيم والتفتيت من الداخل دون مواجهة مباشرة منها، كما حدث في افغانستان والعراق، حيث استغلّت موجات الغضب الشعبي داخل بعض البلدان العربية وقامت بسكب مزيد من النيران عليه مع الدفع بعناصر مدربة تابعة لها لتقود الشارع لصالحها. هنا اختفى تنظيم القاعدة من المشهد الإرهابي العالمى، واختفى أيضاً من فوق المنابر الإعلامية التي كانت تقوم بالترويج له، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة هي التي كانت ترعى هذا التنظيم وتروّج له وعندما انتهت مهمته اختفى من الوجود.
ثم قامت بعد ذلك بصناعة عدد من التنظيمات الإرهابية الجديدة وأطلقت يدها بالمنطقة ودعمتها بالمال والسلاح. فسمعنا عن أنصار بيت المقدس في سيناء، وجبهة النصرة وجند الشام في سورية، لكن سرعان ما اختفت هذه التنظيمات سريعاً وقامت بمبايعة التنظيم الإرهابي الجديد والأسطورة التي صنعتها الولايات المتحدة وروّجت لها عبر آلتها الإعلامية الجبارة وهو تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام والذي عرف إعلامياً بتنظيم داعش والذي أصبح بعبعاً جديداً تخيف به أميركا العالم أجمع، ومن المثير للعجب أنه لا يوجد عاقل على وجه الكرة الأرضية تساءل عن كيف تظهر هذه التنظيمات الإرهابية؟! وكيف تختفي دون مقدمات؟! فكيف لتنظيم القاعدة الذي كانت عملياته ترعب العالم أجمع يختفي من الوجود؟! ولم نعد نسمع عنه أي شيء رغم عدم وجود مواجهة حقيقية لمحاربته والقضاء عليه؟!
وبعد أن قامت الولايات المتحدة الأميركية بصناعة داعش في العراق أعطته إشارة البدء للدخول إلى سورية لتنفيذ مخططها التقسيمي والتفتيتي بعد أن فشلت التنظيمات الأولى التي كانت تقود العمليات الإرهابية في بداية الحرب الكونية على سورية في تحقيق ما ترجوه أميركا بفضل صمود الشعب وبسالة الجيش العربي السوري. هنا وجدت أميركا نفسها في حاجة إلى تنظيم أكبر تقوم بصناعته ودعمه بالمال والسلاح وتضخّمه بواسطة آلتها الإعلامية فكان تنظيم داعش الذي بدأ ينتقل من مكان إلى آخر حتى أصبح في لحظة معينة هو المسؤول الأول عن العمليات الإرهابية التي تتم حول العالم. فما من حادثة إرهابية إلا ويعلن قادة داعش عن مسؤوليتهم عنها فهم يمتلكون أسلحة تتفوق على أسلحة الجيوش النظامية.
والسؤال هنا مَن الذي أعطاهم هذا السلاح؟! الولايات المتحدة هي أكبر تاجر للسلاح في العالم، ومن مصلحتها استمرار هذا الإرهاب لتستمر تجارتها رائجة، لأن الدول التي يتهددها الإرهاب تسعى إلى شراء السلاح من الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والدفاع عن نفسها. وإذا توقف الإرهاب ستتوقف تجارتها. وبالطبع الإعلام إحدى أهم أدوات الولايات المتحدة للترويج لبضاعتها وصناعتها الإرهابية، لذلك يمكننا الآن تفسير لماذا بدأت أسطورة داعش في الأفول وإعلان الولايات المتحدة الأميركية عن مقتل البغدادي تمهيداً لانسحابها من سورية بعد فشل مشروعها. فهي تجهز الآن لصناعة تنظيم إرهابي جديد، وآلتها الإعلامية جاهزة للترويج والتضخيم، والعقل الجمعي العالمي المغيب جاهز لعمليات الاستقبال والترديد دون إعمال للعقل.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.