أصبح من الممكن الآن تخفيف ذكريات الفراق والحزن الشديدة لتخفيف الألم العاطفي المرتبط بها، وفقاً للبحث الذي أجراه فريقٌ من جامعة ماكجيل.
قال ألان برونيت، أستاذ الطب النفسي في مركز أبحاث دوغلاس في ماكجيل:
"يبدو الأمر إلى حدٍ ما، وكأنه خيالٌ علمي، لكنه لم يعد كذلك في الوقت الراهن".
فقد عملت الدراسة الأخيرة التي أجراها برونيت على المفهوم مع 60 مشاركاً عانوا من الحزن الشديد الحاد بدرجةٍ كافية للدخول في حالةٍ نفسية تصل إلى الاكتئاب, وقد تم تقديم النتائج في مؤتمر للجمعية الدولية لدراسات الإجهاد الناتج عن الصدمة في نوفمبر.
وقال برونيت: "لقد اهتممت بمشاعر انكسار القلب لأنه السبب الأول لاستشارة الناس لأخصائي نفسي، وقد كانت هذه المشاعر المنكسرة و الحزينة من أشهر الآلام الواردة في الكتابات اليونانية".
كما و طلب فريق برونيتمن المشاركين كتابة تجربة عن تجاربهم الحزينة والعلاقات الرومانسية الحزينة" .ثم أعطوهم عقار البروبانولول المانع لأنزيمات البيتا، والذي يشيع استخدامه لعلاج ارتفاع ضغط الدم و ذلك من أجل قياس مدى تأثر الذكريات المؤلمة تحت تأثير البروبرانولول، حيث وجد الفريق أن العقار قد قلل من قوة المشاعر الحزينة المرتبطة بالذاكرة.
وقد أوضح برونيت أن التأثير يتعلق بكيفية تخزين الذكريات واستعادتها في الدماغ ، وهي عمليةٌ تعرف باسم "إعادة توحيد" الذاكرة.
و أضاف: "عندما يتم استعادة الذكريات ، يتم حفظها مرةً أخرى لتخزين الذاكرة على المدى الطويل، فمن خلال عملية التذكر هذه، يتواصل الناس أيضاً مع المشاعر الأصلية التي شعروا بها، وهذه العاطفة هي أيضاً ذاكرة يتم استعادتها ".
وقال برونيت أن ما يفهمه الباحثون في هذا المجال الآن هو أنه من الممكن التدخل حيث يتم حفظ الذاكرة مرةً أخرى في التخزين طويل المدى في الدماغ, وهذا هو المكان الذي يؤثر فيه دور عقارالبروبرانولول على الذاكرة .
وأضاف: "يحتوي عقار البروبرانولول على خاصية التدخل في إعادة تسجيل أجزاءٍ من الذاكرة وخاصةً تلك الأجزاء المتعلقة بالعنصر العاطفي".
و أثناء دراسة مشاعر الخيانة العاطفية، طلب الباحثون من المشاركين ملء استبيان كل أسبوع لقياس شدة الأعراض الاكتئابية المتعلقة بتلك المشاعر السلبية, وبعد فترة تراوحت ما بين أربعةٍ إلى ستة أسابيع، تمكن المشاركون من قراءة قصتهم الخاصة بالخيانة مع استجابةٍ عاطفية أقل بكثير.وقال: "إنهم يشعرون أنها يمكن أن تكون الأوراق التي كتبوها مأخوذة من رواية خيالية وليست قصصهم الحقيقية ".
- اضطراب ما بعد الصدمة
لقد شهد فريق برونيت نتائج مماثلةٍ في الدراسات التي أجريت حول استخدام عقار البروبرانول على أشخاصٍ يعانون من أنواعٍ مختلفة من الذكريات العاطفية المؤلمة والإجهاد المؤلم، بما في ذلك دراسة مع الناجين من هجمات باريس الإرهابية 2015.وقال برونيت: "هذا النوع من العقار، المعروف باسم علاج إعادة التوحيد أيضاً، ويمكن أن يحل محل علاجات أخرى لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة الذي قد يستغرق شهوراً أو سنوات للحصول على نتائج جيدة .
يعتبر هذا الاكتشاف هو حقاً خطوةٌ كبيرة للأمام فيما يتعلق بمنظور الصحة العقلية ".
- الاتجاه التصاعدي للذكريات المؤلمة
هناك بعض المآزق الأخلاقية حينما يتعلق الأمر بتغيير مشاعرنا حول ذكرياتنا ، وفقاً لجودي إيليس، مديرة أخلاقيات الأعصاب في كندا، وهي مجموعةٌ بحثية مقرها جامعة كولومبيا البريطانية.
و قد قالت إيليس إنها "تدعم" نوع العمل الذي يقوم به برونيت في إطارٍ تجارب سريرية، بهدف تخفيف المعاناة المصحابة لاضطرابات الصحة العقلية التي لها تأثيرٌ خطير على حياة الناس.
لكنها قالت بوجود منحدر زلق يجب أن نكون على درايةٍ به ان قررنا استخدام مثل هذا العلاج خاصةً إذا تم استخدامه في سياقات أخرى ، خارج إطار سريري, وقالت: "إذا قللنا ذكرياتنا من تجاربنا السيئة، فقد نضعف في الواقع من إمكاناتنا في التعلم منها بهدف تحسين سلوكنا والمضي قدماً".
و قد استعان الباحثين بأشخاص قاتلوا في الحروب، و الذي يكونون مشبعين بالمشاعر السلبية والذكريات المؤلمة للقتال, حيث تقول: "قد نكون قادرين على تدريب مقاتلي الحرب ليكونوا أقل حذراً بشأن تصرفاتهم، إما على الأرض أو حتى المجازفة أثناء تحليقهم بالطائرات أو المناورات الأخرى، لأن الحد من تلك الذكريات والتجارب يمكن الحصول عليها في الوقت الراهن".
وقالت إيليس، من وجهة نظرٍ أخلاقية، يمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة، مضيفةً: "تلك الذكريات المؤلمة هي التي تسمح لنا بالتحقق مما نقوم به من وجهة نظر أخلاقية وضمان أن تكون تلك القرارات النهائية، إلى أقصى حدٍ ممكن، هي القرارات الصحيحة".
- محو الذكريات يثير أسئلة أخلاقية
يقول برونيت أن بعض الدراسات قد بحثت في خطوة واحد مستقبلية ، وهي محو الذكريات تماماً .لقد استكشفت الثقافة الشعبية، بما في ذلك أفلام مثل Eternal Sunshine of the Spotless Mind ، فمنذ فترةٍ طويلة أثيرت إمكانيات وعواقب مثل هذه الممارسة الطبية المستقبلية وقد اكتشف الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة تورنتو أنه من الممكن التخلص من الذكريات المرتبطة بالخوف لدى الفئران خلال تجاربهم مما يشير إلى إمكانية التوصل إلى مثل هذه الإمكانيات في المستقبل.