يقول أبو الطيب المتنبي في قصيدة له:
عَلى قدَرِ أهَلِ العَزمِ تأَتي العَزائمُ... وَتأَتي عَلى قدَرِ الكِرامِ المَكارم
وَتعَظم في عَينِ الصَغيرِ صِغارها ... وَتصَغر في عَينِ العَظيمِ العَظائمُ
بعد يوم واحد من عملية طوفان الأقصى فتحت المقاومة الإسلامية في لبنان جبهة إسناد غزة وبدأت باستهداف المواقع الإسرائيلية، لكنني لم أستطع حينها أن أرى الفائدة وأهمية ضرب الأجهزة التجسسية للعدو على جبهة جنوب لبنان.
وليس هذا فحسب، بل أخذتني العاطفة لكي أتساءل عن سبب تقديمنا لخيرة شبابنا مقابل إطفاء كاميرا مسلّطة علينا، أو هل يستحق جهاز رصد حراري أن ينزف مقابله دم صديق قد ترك ابنة عمرها ستة أشهر يتيمة وامرأة ثكلى لم يتح لها أن تستأنس بحياةٍ بسيطة تتمناها؟
تأخّر الجواب حوالي ثمانية أشهر ونصف الشهر لكي يتكوّن لديَّ هذا الوعي، ولكي أعلم من فم العدو أن صواريخ المقاومة في جنوب لبنان تُصيب أهدافها وأن المسيّرات تتسلل إلى فلسطين المحتلة وتنجح في ضرب الأهداف دون أن تنطلق صفّارت الإنذار.
إن المنحى التصاعدي في العمل العسكري في جنوب لبنان، كان من الممكن أن يكون تصاعدياً غير مؤثرٍ لو لم تدفع هذه المقاومة دماءً فيما أطلق عليه البعض بتهكمٍ (حرب العواميد).
ومن هنا فإن النجاعة الهجومية للمقاومين، وعمليات إيذاء العدو المؤكدة في عناصره البشرية واللوجستية، وصولاً إلى تهميش دور القبة الحديدية، وتهجير عدد كبير من مستوطني الشمال، ودفع العدو لإقامة منطقة عازلة في داخل مستعمراته، إنما هي بفعل الإستراتيجية الموضوعة من قيادة المقاومة منذ بدء جبهة الإسناد.
لا يمكننا الآن إلاّ أن نستنتج أن الإسناد تحوّل من فعل ضاغط على العدو، إلى ربط عملياتي بجبهة غزة وهو ما لا يطيقه العدو، ويُحسب لقيادة المقاومة هذا التدرج السلس في الانتقال من الإسناد إلى إماتة الشمال الفلسطيني المحتل، ويُحسب لها أنها ما زالت تمتلك المبادرة والقدرة على التحكّم في كل مفاصل تلك الجبهة.
وفي النهاية لا بد لي أن أستعير عبارة خالدة للشهيد المشتبك باسل الأعرج قال فيها: "المقاومة جدوى مستمرة".